عثمان بن سند الفيلكاوي المتوفى سنة 1242ه أحد العلماء الذين امتلأت قلوبهم قيحاً على الدولة السعودية الأولى ودعوتها الإصلاحية، ولم يكن له سبب يزعمه لهذا الحقد إلا ما يدعيه جميع المناوئين من التكفير والاستهانة بدماء الناس وأموالهم كما يزعمون، وعند محاكمتهم إلى إنتاجهم العلمي ومكنونهم الاعتقادي نجد أنهم هم أهل التكفير والاستهانة بالدماء والأموال وخبث المعتقدات، وهكذا هو عثمان بن سند، وبين أيدي الناس اليوم كتابه الذي صنفه طلباً للزلفى عند الوالي داوود، أحد ولاة العراق للدولة العثمانية وسماه: «طوالع السعود بطيب أخبار الوالي داود» وجعله تاريخاً لولاية العراق وبعض ما اتصل بها من أحداث من سنة ولادة المترجم حتى عام وفاة المؤلف، وملأه بتمجيد كل ما يفعله ولاة العراق من عدوان وقتل وإسالة دماء، دون أن يناقش الموجب الشرعي لهذا العدوان، ولم يؤرخ في كتابه سوى لما يفعله الولاة في قبائل العراق من قتل وتسليط بعضهم على بعض، ونادراً ما تجد فيه خبراً عن إعمار أو منشآت تعليمية، أو أي أعمال لنفع الناس، ومع ذلك فالمؤلف في كل الأحوال يصف الولاة بكل ما تتخيله من أوصاف البطولة والشهامة والسيادة، لكن حين يحقق السعوديون نصراً يقيمون به للمسلمين مصلحة عليا، كتوحيد كلمة أو إطفاء فتنة يملأ الخبر بالأكاذيب ويضيف إليه ما ليس فيه مع عظيم الاستشناع للقتل وسفك الدماء، وكأن حرمة الدم لا تكون إلا حين يكون القتل على يدي السلفيين وإن قل. الشاهد: إن بخصوم الدولة السعودية ودعوتها يرمونها بدائها وينسلون، فابن سند مثلاً أكبر من يمجد القتل وسفك الدماء إذا جاء على أيدي ولاة العثمانيين، ويمقته إذا نسبه إلى السعوديين، واقرأ من أمثلة ذلك قوله يصف دخول السعوديين الأحساء:«ولما تولوا على الأحساء أصابوا أهله بأظفار البأساء، وأمروا العلماء أن يتعلموا التوحيد من كل فدم غبي عنيد، وجعلوا الصلاة على النبي على المنار من شعار المشركين الكفار» ص265 إلى آخر ما حكى من الأكاذيب التي ألحق خلافها، وألحقها بأبيات من نظمه: سفكوا الدماء وأوغلوا في غيهم فسيعلمون إذا قضى الجبار وسيعلمون إذا جهنم سعرت. وتساقطت في قعرها الأشرار هذه التهم والأكاذيب والوعيد بالنار، على الرغم من أن ضم الأحساء إلى نجد كان خيراً، فقد كان آل عريعر متسلطين بكثرة الاعتداء على الدولة السعودية، ولم يكونوا تابعين للدولة العثمانية بإقرار ابن سند نفسه، وحصل لأهل الأحساء من اجتماع الكلمة، وحفظ الأنفس والأموال بانضمامهم للدولة السعودية ما لم يحصل لأهل العراق الذين يحكمهم ولاة العثمانيين بشكل مباشر. لكن العثمانيين لم يطيقوا أن يروا أقطار الجزيرة تتحد وتتقوى، فأرسلوا ثوينياً السعدون شيخ قبائل المنتفق، ومعه عشائره وأحلافه بأمداد من المال والسلاح العثماني ليقضوا على الدولة السعودية السلفية، لكن الله وقى السعوديين أهل الدعوة بأن سلّط على ثويني أحد جنده فقتله، ولا تسأل عن تأييد ابن سند لثويني فيما عزم عليه من القتل الذريع، وأسفه لما وقع من دفاع الله عن أوليائه بهلاك ثويني، قال:«وفي السنة المذكورة، قتل طعيس الشقي ثويني بن عبدالله فمات غريباً شهيداً، أحسن الله مثواه، وذلك أنه حشد بجنده...ليفرق للفرقة الباغية شملها، بعد أن استأذن الوزير في (النهود) إليهم، والنفير ناوياً إطفاء بغيهم، ومعاملتهم بالقتل على سعيهم»ص293، ثم تأمل بعد ذلك ما هو السبب الشرعي الذي يفتي من أجله عالم كابن سند لرجل كثويني في جهله وقلة دينه أن يقتل المسلمين؟ يقول ابن سند: «فإنهم لما ملكوا الأحساء وانتزعوها من يد شيخ بني خالد اشرأبوا إلى غيرها من البلدان ليملكوا منها المقالد، ويظهروا بدعتهم فيها» وكلا السببين اللذين ذكرهما لا يقومان شرعاً سبباً لاستباحة القتل، فمال ثويني وللأحساء وبني خالد، إذ ليسوا تحت سلطته ولا سلطة الدولة العثمانية بشهادة ابن سند نفسه، وماذا يضير ابن سند من اتحاد أقطار الجزيرة وإحلال الأمن وانقطاع الخصومات، أما حديث ابن سند عن إطفاء بدعة السلفيين، فليته التفت لما حوله في العراق من طوام من المبتدعات، ولو بكلمة واحدة، لكنه الحقد إذا ألبسه أمثاله لباس الدين والغيرة على الشريعة والدماء. واستمع لهذا الغيور على دماء المسلمين وهو يمجد هذا الطاغية ثوينياً السعدون في إحدى محاولاته الوصول إلى الدرعية: «فجمع الكتائب تقاد فيها السلاهب، وتبرق فيها القوارب، يؤم نجداً ليهدها هدًا، ويسوم سكانها خسفاً، ويذيقهم بالمرهفات حتفًا،»ص300، فليس من هم لهذا الحاقد إلا الهد والخسف والحتوف، وليس البناء والعدل والحياة، وهذا شأن كل المناوئين للدولة السعودية ودعوتها الإصلاحية وليس ابن سند وحده. وقد فعل هذا الطاغية ما تمناه ابن سند في إحدى القرى التي تمنعت عليه وهي قرية التنومة في القصيم، حيث حاصرها وقتل سائر أهلها. يقول ابن سند: «وكان أول ما إليه نهد التنومة، فحاصرها بعسكره، ثم تسورها أناس من معشره، وفتحوها عنوة... فما نجا من مقاتلتها إلا النادر» فهو يسمي غدر ثويني بأهل التنومة فتحًا، مع أنه يعيب ذلك على مؤرخي الدعوة، ويفخر باستئصال رجالها، ثم يزعم الورع في الدماء. ومن فجاجة ابن سند إليك هذا القول: «واعلم أن أتباع ابن سعود لما قتل طعيس العبدالأسود ثوينياً مدحوه وحمدوه بقتل ثويني، لكونهم يعتقدون كفر ثويني، بل كفر من على وجه الأرض ممن لم يعتقد معتقدهم» ووجه الفجاجة والصفاقة أنه كتب ذلك غير مستحٍ من الله ولا من الناس، فإذا كان أتباع ابن سعود فرحوا بقتل ثويني فذلك لأن الله درأ بهلاكه عن المسلمين الشر والقتل والسلب والنهب، لكن ابن سند حزن لهلاكه لفوات ما أمله من هد نجد وخسف أهلها وإذاقتهم بالمراهقات حتفاً. كما قال، وكما فرح بمذبحة ثويني في أهل القصيم فحسبه الله. ومن بغي ابن سند أنه أيد علياً الكتخدا قائد عسكر ولاية العراق في غزوه الأحساء سنة 1213 ه ليكمل ما فشل فيه ثويني، دون مبرر تقرّه الشريعة سوى إفشال ما صنعه الإمام عبدالعزيز من الجماعة، وإعادة الأمر إلى ما كان عليه من الفرقة، ثم أثنى على غزو حمود السعدون بأمر من الكتخدا قبائل سبيع ونهب أموالهم وتقوية جيش الكتخدا بها، فما هذه الغيرة على الحرمات التي يعطي ابن سند الناس دروساً فيها! ومن هذا خلقه لا نتعجب حين يضرب صفحاً عن محمدة الإمام سعود الذي أنقذ خصمه علي الكتخدا وجنده المعتدين من الجوع، وأمنهم وعاهدهم، وحماهم بعسكره إلى أن أدخلهم العراق، ولو كان ابن سند صادقاً في حميته للشرع ولعصمة الدماء والأموال، لأثنى على هذا الموقف العظيم الذي عز نظيره في التاريخ أجمع، لكنها محمدة ساءت هذا العالم المتحيز لبدعته وحقده اللذين يأمرانه بالثناء على سفك الدماء إن جاء من الأتراك، والبكاء والكذب والتهويل إن جاء من السعوديين. وانظر إليه يخفي بغير حياء خبر قتل أهل النجف ومن حالفهم بإغضاء من الوالي التركي أكثر من ثلاثمئة تاجر نجدي وسلب ما معهم من مال ورحال، وكانوا دخلوا العراق وفق معاهدة ثاج بين الإمام سعود والكتخدا، ومع إخفائه الجريمة، يذكر مطالبة الإمام عبدالعزيز بدياتهم مستهجناً ذلك واصفاً إياه بغير النصف، ولما رد الإمام سعود الصاع صاعين لولاية العراق والمعتدين وذلك في غزوة كربلاء، قامت قيامة ابن سند وبكى وأعول. وأعظم فضائح ابن سند وأوضحها هي مدحه من لا يمدحه عاقل ولا أريب فضلاً عن المسلم الحنيف المنصف، وأعني محموداً الثاني ومحمد علي وابنه إبراهيم، وكل ما أسبغه عليهم من صفات العظمة ليس له سبب إلا توليهم كبر جرائم العثمانيين وإفسادهم في الجزيرة العربية في مواجهة الدولة السعودية، وإليك هذه القطعة من النفاق والحض على الفساد، من رسالة كتبها بزعمه إلى إبراهيم وهو نازل على الدرعية: «أبشر أيها المصاير المجاهد، والفارس الباسل المغوار المجالد، لفرقة من الدين مرقت، وطائفة ما افتخرت إلا بكونها للإجماع خرقت، بالفتح من الله لغيرتك على أهل لا إله إلا الله، فإن قوله تعالى {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} كان بتأريخ عامك هذا زعيماً ضميناً» ثم قال: «فوقع الفتح في هذا العام، وقرت به عيون الخاص والعام» «وفي ضمن تلك الرسالة قصيدة اشتملت على نصائح ومصالح ومنها قولي: ولا تبق منهم واحداً تستطيبه إذا خبث الآباء لم يصلح الولد»ص450. فها هو نموذج للعلماء المناوئين للدولة السعودية ودعوتها المباركة فما منهم من أحد إلا ويبتلعه الله حقاً بما يصف به الدولة السعودية ودعوتها باطلاً، وهذا فضل من الله وعدناه حتى يومنا هذا، فالحمد لله أولاً وآخرًا.