في البداية أوضح للقارئ لكي لا يفهم من فحوى مقالتي هذه ميلي إلى الدفاع أو الهجوم، أو أنني رافع الشعار الأبيض، وإن كنت أحمل في الماضي الشعار الرمادي - وهذا موضوع آخر-، بأنني لست إعلاميًّا كما يعتقد البعض ولم أكن ذات يوم بالمسمى الصريح ولا أحمله على عاتقي. في أوقات سابقة انتشر مُدَّعو الإعلام، ومن جهة أخرى واجههم الإعلاميون البارزون والمعروفون بشن حرب شعواء دفاعية عن لقب الإعلامي، فمنهم من قال إن من يستحق هذا المسمى من يحمل شهادة الإعلام، ومنهم من يقول إن الإعلام لا يأتي إلا بالممارسة، وكثيرون اختلفوا حول هذا المسمى واتفقوا على ألا يتفقوا على معيار مشترك! سأكون متطفلا وأقول معياري البسيط - وهو قطرة في بحر تنظيرهم: إن الإعلام اليوم لم يعد كالسابق حكرا على عدد من الأشخاص، فكان الإعلامي يطلق على من كان له منبر، سواء كانت صحيفة ينشر عبرها أو قناة يخرج منها للملأ، ولكن تغيرت جميع هذه المعايير وأصبح كل شخص عادي لديه منبر شخصي عبر التواصل الاجتماعي فاق تأثيرُه وقوتُه غيرَه من المنصات الإعلامية التقليدية. الصحف لم ينتهِ دورُها ولا القنوات، ولكن أصبح هناك توسع كبير جدًّا في الإعلام ولعل البعض من الإعلاميين التقليديين لا يريدون تأكيد ذلك علنًا وأخفوه سرًّا، أن الإعلام اليوم بيد كل شخص، وأنه أصبح كلمةً قد تكون استهلكت بخصوصيتها، وأن كثيرا مع برامج التواصل الاجتماعي أصبحوا إعلاميين دون أن يدركوا ذلك! أسَرَّ لي شخص -وهو إعلامي من جيل الطيبين- أنه لم يعد هناك حاجة للنزول للميدان في بعض الأخبار، فكل يستسقي الأخبار لصحيفته من تويتر وما يتناقله الناس حتى أصبحوا له مرجعًا وميدانًا افتراضيًّا عكس ما كان عليه السابق! ما أريد قوله: الإعلام والمسميات -عمومًا- ليست مشكلة كبيرة، هي في نهاية الأمر اسم، وإن كثيرًا من النقاشات الساخنة حول أحقية انتساب المسمى لا تهم بقدر ما يهم المحتوى المقدم والمهنية العالية "البعيدة عن المصالح الشخصية التي طغت اليوم على كثير من الإعلاميين". بنظرتي المتواضعة اليتيمة، الإعلام تشعب أو كما يُقال اليوم بمصطلح حديث "الإعلام الجديد"، وربما هو كذلك، ولكن المهم والأهم يجب أن تكون المهنية حاضرة بعيدة عن المنافسات التي تطغى عليها الأسبقية والتفرد ولفت الضوء، إما بخبر كاذب وإما بتكذيب خبر، لسحب البساط عن المنافسين الجدد، وليدرك الجميع أن الإعلام لم يعد حكرًا على أحد، وأن حدوده توسعت بكثير. وأختم بمقولة لا أتذكر أين قرأتها، وتخوفت بشأنها، قال كاتبها "اليوم الجميع إعلاميون، ولكن لا يوجد قراء"، وأتمنى ألَّا يكون الواقع هكذا ولا المستقبل!.