يُعد تشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة من أهم السياسات الاقتصادية الداعمة لتحسين المستوى المعيشي والاجتماعي لشريحة كبيرة من الطبقة الوسطى في المجتمع، لكونها المعنية بتلك السياسات بهدف تحقيق تنمية اجتماعية مستدامة للعاملين منها، والتي يعكس حجمها ونسبتها في المجتمع مدى نجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنفذة، ويُعد ارتفاع نسبتها من أحد أهم المؤشرات الإيجابية والمقاييس الصحية في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع. ومما لا شك فيه أن الاهتمام بتطوير تلك السياسات التنموية الوطنية الموجهة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، يتطلب مراجعة ما توفره الإحصاءات الوطنية، عن حجم العاملين في تلك المنشآت من المواطنين بصفة خاصة، ونوع النشاطات الاقتصادية التي يزاولونها، باعتبار أن التنمية الاجتماعية معنية بشكل أساسي بالمواطن وبمستوى ونوع مشاركته الاقتصادية، ليس لأن تنميته تنعكس إيجابا على الوطن بمختلف مقدراته البشرية والمادية فحسب، وإنما كذلك لأن نجاح تلك السياسات هي مسؤولية مؤسسية وطنية في المقام الأول، وهي معنية بتحقيق تنمية مستدامة شاملة لجميع مقدراتنا الوطنية. تشير آخر الإحصاءات المتاحة عن مسح المنشآت الصغيرة والمتوسطة (2018) إلى انخفاض كبير في نسبة مساهمة المواطن في تلك المنشآت، والتي يصل فيها حجم المشتغلين إلى 8.597.433 ملايين مشتغل، وذلك يشمل جميع المنشآت، متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة، والتي لا تتعدى نسبة مشاركة المواطن في مجملها %19.81، وبينما تتضاءل مساهمة السعودي في المنشآت متناهية الصغر (1 - 5 مشتغلين) إلى 8 %، فإنها ترتفع إلى 16 % للمنشآت الصغيرة (6 - 49 مشتغلا) وتزيد إلى 20 % في المنشآت المتوسطة (50 - 249 مشتغلا)، لتصل إلى نسبة 25 % في المنشآت الكبيرة (250 - 500 مشتغل فأكثر). وبالإشارة إلى عدد من السياسات والمبادرات التي تطلقها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، نحو دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والتي تضمنت مؤخرا رعاية إمارة عسير لاتفاقية تمويل المنشآت الصغيرة بقيمة مليار ريال تشمل 250 مشروعا، يخدم تجربة السائح في المنطقة، فإن الأمل معقود أن تكون هناك مراجعة لما يتوفر عن تلك المنشآت من بيانات للمنطقة، بما يشمل جميع تفاصيلها الكمية والنوعية وما يتعلق بها من خصائص، بهدف توجيه التمويل نحو النهوض بها لتحسين أدائها، والتمكين من تكامل أدوارها في خدمة السياحة في المنطقة، في إطار يحتوي جميع البيانات الإحصائية حول ذلك النشاط الاقتصادي المهم بالنسبة للمنطقة، والتي تعد إحدى أهم مناطق الجذب السياحي في المملكة، وبما يسهم في تنويع واستقطاب الاستثمارات الموجهة للتنمية السياحية فيها، والرفع من مستوى جودتها وزيادة نسبة المشتغلين فيها من المواطنين فعليا وليس وهمياً. ولتحقيق الأهداف المرجوة من المبادرة فإن ذلك يتطلب الاستناد إلى كافة المرتكزات الأساسية الداعمة لنجاح تلك المنشآت بما يكفل استدامتها، وذلك يتضمن ما تتطلبه من آليات، وما تحتاجه من تمويل وتوجيه وتدريب ومتابعة لمستوى الإنجاز، ورصد لمدى الالتزام بمعايير التنفيذ المطلوبة، والتي يفترض أنها تحقق في نتائجها تنمية سياحية مستدامة للمنطقة، وبما ينعكس على تنمية اجتماعية واقتصادية وبيئية شاملة، يصب مردودها الإيجابي في صالح التنمية الوطنية وتطلعاتها المستهدفة، وفي تنويع مصادر الدخل المحلي، وتحقيق مزيد من النمو الاقتصادي المتكامل، بالاستثمار في مواردنا السياحية والبشرية، والمساهمة في الحفاظ على البيئة وصيانتها من الهدر وغيره. وعليه فإن توافر البيانات الكمية والمسح الإحصائي لمختلف مواردنا بما تحويه من تفاصيل، يعد الأساس الأول المطلوب توافره لتوجيه سياساتنا في القطاعات التنموية المختلفة نحو معالجة تحدياتنا، وعليها يعتمد بناء السياسات ونجاح تنفيذها، بما يخدم رؤيتنا وأهدافنا التنموية وتطلعاتنا المستقبلية، وإلا فإن تهميش تلك البيانات بتفاصيلها، وعدم الاستناد إليها كقاعدة علمية تنطلق منها الخطط التنموية، بما تتضمنه من مبادرات وبرامج عمل، وعدم الأخذ بها كمؤشرات لتوجيه السياسات وتصحيح مسارها، فإنه يعتبر مضيعة للمال والجهد والزمن المطلوب لتحقيق المنجزات المأمولة.