ذكر الدكتور بندر بن عبيد الرشيد، المستشار في هيئة الخبراء في مجلس الوزراء، أن عملية إصدار الأنظمة في المملكة تتكرس فيها الأسس القانونية التنظيمية التي تمزج مجلسي الوزراء والشورى في نسيج واحد، ويحكم على إصدار الأنظمة بأوثق درجات الحرص على نفعها. جاء ذلك في محاضرة بعنوان "سن الأنظمة في المملكة العربية السعودية"، نظمتها كلية الحقوق في جامعة دار العلوم على مسرحها في الرياض يوم السبت الموافق 21/11/1433ه، قام خلالها الدكتور الرشيد بشرح المراحل التي تمر بها الأنظمة السعودية قبل صدورها، وآلية اقتراحها وانتقالها بين مجلسي الوزراء والشورى، والطرق المتبعة للتوفيق بين المجلسين والتنظيم المتبع لترجيح الملك الرأي إذا اختلف المجلسان. ولاقت هذه المحاضرة تفاعلا كبيرا من الحضور كان بينهم جمهور من المهتمين بالعمل الحقوقي من خارج الجامعة، وذلك للقدرة العلمية العالية والخبرة المتخصصة التي يمتلكها المحاضر في صياغة الأنظمة، فضلا عن أهمية الموضوع، وهو ما يعرف في الدول الأخرى بالصياغة التشريعية وهي، كما يعرفها البعض، الطريقة التي يتم من خلالها تحويل سياسات الدولة في المجالات كافة إلى أنظمة ولوائح، وتعد الصياغة التشريعية علما وفنا لا بد لتمام معرفته من دراسة مستفيضة وممارسة عملية، فمن تسند إليه مهمة صياغة الأنظمة لا بد أن يكون لديه قدر كبير من العلم والمعرفة في علم القانون وأصوله، وأن يكون عارفا بتاريخ القانون وتطوره مدركا ظروف الزمان والمكان والبيئة التي نشأت فيها القواعد القانونية السابقة، ولا تكفي الكفاءة القانونية العامة وحدها لتؤهل الشخص، بل لا بد من الممارسة العملية. وكما يقول الخبير محمود صبرة: فالصياغة التشريعية علم له أصوله وأسلوبه ومعاييره، وهناك أصول تحكم بناء القانون، وتنظيمه، وترتيب مواده، وأصول تحكم استخدام الكلمات والتعبيرات والجمل وخلافه، وكل هذه أمور تحتاج إلى دراسة وتدريب متخصص لا يتوافران بالضرورة في كل رجل قانون مهما بلغت درجة كفاءته وتميزه. كما تعد نوعية الصياغة التشريعية مكونا مهما من مكونات الإدارة الرشيدة لما لها من أثر في المستوى الاجتماعي والاقتصادي للوطن. ومن هنا يتبادر للأذهان ما ذكره وزير العدل التونسي الحالي نور الدين البحيري عن دور التشريعات في النهوض بالمجتمعات وتغيير السلوكيات وإرساء النظم والآليات التي تسهم في تطوير الشعوب وتحقيق الإصلاح الشامل. ولعل هذه الأهمية الكبيرة للصياغة التشريعية ودورها في الإصلاح وحاجة الوطن إليها للمساهمة في التنمية المستدامة، تدعونا لأن نقترح على هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بصفتها بيت الخبرة في صياغة الأنظمة إلى دراسة إمكانية إطلاق مركز متخصص للتعليم والتدريب على الصياغة القانونية يكون مقره في إحدى الجامعات كجامعة دار العلوم من خلال مذكرة تعاون بين الهيئة والجامعة تتولى الجامعة الجانب النظري وتساندها هيئة الخبراء في الجانب العملي بما تملكه من كوادر ضليعة في الصياغة القانونية، وكذلك دعوة وزارة التعليم العالي إلى النظر في تجربة كلية الحقوق في جامعة دار العلوم التي تدرس مقررا دراسيا متخصصا في الصياغة القانونية على مستوى البكالوريوس وإمكانية تعميمها على سائر كليات الحقوق أو الأنظمة في المملكة، وذلك كي يستفيد طلاب هذه الكليات من هذا المقرر المهم، وتتكون لديهم قاعدة جيدة في مجال وضع وصياغة الأنظمة واللوائح والقرارات التنظيمية. وختاما يجدر القول: إن ما قامت به كلية الحقوق في جامعة دار العلوم من جهود بنّاءة في تعزيز الوعي الحقوقي ونشر الثقافة القانونية، وكذلك تدريس مبادئ الصياغة ضمن مقرراتها الدراسية لَيستحق التقدير والإعجاب، وهذا ليس بمستغرب عليها، خصوصا أن لها رؤية بعيدة النظر تسعى لتكون أنموذجا للتفوق في توفير تعليم ذي جودة عالية معتمد محليا وعالميا يواكب العصر، كما أنها سبقت جميع الكليات في حمل اسم كلية الحقوق فكانت الأولى التي تحمل هذا الاسم على مستوى المملكة، ولا نزال نتطلع إلى المزيد من هذا الصرح العلمي الواعد وأن يستمر في تقديم الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تعزز الوعي الحقوقي في المجتمع وتفعيل مهام المسؤولية الاجتماعية له التي بدأت بواكيرها باستضافة الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى وزير العدل وتقديمه لمحاضرة ثرية عن برنامج خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لتطوير مرفق القضاء. نقلا عن الاقتصادية