«وسيصنع الناس عربات تنقلهم من مكان إلى آخر دون خيول .. وسيطيرون في الهواء من خلال عربات تطير في السماء «. هذا نص من كتاب اسمه (New Atlantis)« إطلانطس الجديدة « لفرانسيس بيكون. المذهل أن هذه الرواية الخيالية قد كتبت في عام 1624 باللاتينية. ثم عاد بيكون وكتبها بالإنجليزية في عام 1627. هو لم يتنبأ فقط بصناعة الطائرات والسيارات بل تنبأ أيضاً بالتكييف المنزلي. وكذا تنبأ باختراع التليفزيون. وكذا الغواصات البحرية. ومر تقريباً على معظم الاختراعات الحديثة. لا تظن أن هذا الرجل كان ولياً من أولياء الله. بل لقد كان رجلاً فاسداً. لقد اتهم بتعاطي الرشاوى أثناء عمله في الحكومة. وقد أودع السجن لذلك. ومع هذا فتلك التوقعات التي حدثت منذ ما يقارب 400 سنة تحتاج أن نتوقف عندها قليلاً. لا تدعها تمر دون تأمل وتدبر وتفكّر. عندما تركب طائرة البوينج 777 بضخامتها ورفاهيتها وتجلس على مقعدها الوثير وهي تحلق في أعالي السماء بكل انسياب وراحة بحيث لا يشعر الراكب بطيرانها. لقد كانت مجرد فكرة في ذهن رجلٍ يركب الحصان والبغل وتهتز به العربة طوال الطريق في رحلة مرهقة مضنية. في ظل هذا التعب حلم بوسيلة سفر أكثر راحة. نعم، لقد كانت مجرد حلم. لكنه حلم تحقق. هذا ينطبق انطباقاً منطقياً على كل شيء. كل ما نريد تجلّيه في الواقع، على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، هو فكرة قابلة للتحقق. لقد وجد فرانسيس بيكون من يحتفي بكتاباته تلك وبفكره وبمنهجه الاستقرائي وأدلته التجريبية، ومن يزيد الفكرة ضخامة، وينتقده فيما أخطأ فيه. يصحح الأخطاء ولا يهدم البناء. حتى ظهرت أفكاره في شكل تقدم حضاري وحضور سياسي طاغ استعماري. الغربيون تقدموا في مجالات وفشلوا في أخرى، كالمأزق الأخلاقي مثلاً: يتباكون على كلب وقط ويغضون الطرف عن جثث ترتعش بسبب استهدافها بالسلاح الكيماوي. فلندعهم فهذه مشكلتهم ولنبق في مشكلتنا. ففي المقابل نحن محبطون ولا نحلم. وعندما يحلم أحدنا، فإننا نسخر منه ونخاصمه. هم – الغربيون – يمجدون مفكريهم ويعتبرون ما بنوه بيتاً للجميع مع احتفاء وتقدير للباني الأول، بينما نحن نطارد من يفكر ونرجمه بالحجارة. نحن أمة تملك كل شيء. المال في زمن أفلست فيه كثير من الأمم. والشباب في حين أصبحت كثير من الأمم، أمماً عجوزة بسبب تحديد النسل. نحن أمة الشباب والصحة والمال. إننا نملك كل مقومات سيادة العالم كله. ما نفتقده هو الروح. الروح التي كانت لنا في زمن من الأزمان وضاعت منّا ذات غفلة. الفكرة هي أول الأشياء. والتحرر من الأوهام هي الخطوة التي تليها. كل ما يعيق الوصول للغايات النبيلة هو أوهام فاسدة. هذه الأوهام ليست مغالطات سوفسطائية ولا أغاليط استدلالية وإنما هي عيوب في العقل نفسه. ليست عيوباً أصيلة فيه، بل زرعتها التجارب في العقل في لحظات ضعف منه. فإذا تحرر منها فإنه بذلك يستبعد أسباب الخطأ ويخطو خطواته الأولى باتجاه معرفة الطبيعة والسيطرة والسيادة عليها، فالطبيعة قد خلقها الله للإنسان لهذه الغاية. هكذا هي الأشياء.