وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    خام برنت يصعد 1.3% ويصل إلى 75.17 دولار للبرميل    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    6 فرق تتنافس على لقب بطل «نهائي الرياض»    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العباس ل الشرق: «صُنع في السعودية» قراءة تحاول إطلاق الطاقة الكامنة للانعتاق من الوصايا


حاوره – علي فايع
ضحك السعوديين.. طوق نجاة يطفون به على مرارة الواقع
خالد عبدالرحمن بدوي أنيق.. و«قفزة ماجد» تاريخية بكل المقاييس
«أم الركب السود» و«أبو سروال وفنيلة» اختراق لسقف الممنوع
العباءة ليست لباساً احتشامياً بقدر ما هي لغة تخاطب اجتماعي
في كتابه الأخير «صنع في السعودية»، ينبش الناقد محمد العباس، في ظواهر سلوكية واجتماعية وفنية، «للبحث عن مكان مشترك يصلح للتفكير».
وكي تتشكل ثقافة المجتمع بشكل ملحوظ، فإن على الناقد أن يفحص الدليل السلوكي والأخلاقي والجمالي من منطلق تفكيكي أو من خلال إيجاد نص جدلي يوازي تلك الممارسات أو يساعد في التحريض عليها.
تنقل العباس في كتابه هذا، بين عباءة المرأة، وكرة القدم، والغناء، والأرز بوصفه الابن المدلّل للسعوديين، وغير ذلك من ظواهر، للمساعدة على «استظهار الشفرات المحلية التي تشكل سر الطراز الثقافي المعمول به أو المتبنى من قبل الجماعة».
«الشرق» التقت العباس في حوار للحديث عن هذا الكتاب، وحول مختلف الظواهر التي مرّر عليها مبضعه، فإلى نص الحوار:
كتاب صنع في السعودية
إطلاق الطاقة
* لماذا فضلت النبش في الظواهر المختلفة والمتباينة، في كتاب «صنع في السعودية»؟
- النبش في مختلف الظواهر السلوكية والاجتماعية والفنية، هو محاولة للبحث عن مكان مشترك يصلح للتفكير، فتلك بناءات ثقافية على درجة من التنظيم الواعي أو اللاواعي. وهو الأمر الذي يساعد على استظهار الشفرات المحلية التي تشكل سر الطراز الثقافي المعمول به أو المتبنى من قبل الجماعة. أي النسخة القياسية للمجتمع التي تنتج بدورها قيم البقاء والنماء في الوقت نفسه. وذلك يعني التماس مع المضاد الثقافي للمجتمع الذي يقاوم به قوى الهيمنة الخفية والظاهرة التي تحاول قولبته أو برمجته وفق خطط تعقيمية. والقراءة هنا تذهب إلى إطلاق الطاقة الكامنة في الفرد والمجتمع للانعتاق من الوصايا.
خلخلة أركان
* كيف يمكن أن تتشكل أمامنا ثقافة مجتمع الوعي واللاوعي وفق هذه الظواهر؟
- تتشكل تلك الثقافة المضادة، من خلال فحص الدليل السلوكي والأخلاقي والجمالي من منطلق تفكيكي. أي إيجاد نص جدلي يوازي تلك الممارسات ويحرض على رفع سقف التحدي لتقويض أوهام الخصوصية والطهورية. بمعنى زعزعة مفاهيم الهوية وخلخلة أركانها المادية واللامادية التي تقوم على التنشئة الاجتماعية والمدرسية. الأمر الذي يستدعي خلق حالة من التجادل البناء ما بين الصفة المكانية والصفة الاجتماعية داخل نص جمالي مفتوح على قيم النقد والسخرية الجارحة.
قيم التغيير
* هل يمكن لهذه الظواهر أن تشكل تنوعنا الثقافي وتعزز بقاءنا؟
- بالتأكيد، فأي إرباك لرومانسية الفكرة الوحدوية وما يتداعى عنها من المركزية والشمولية، سيفتح الباب واسعاً للتنوع والاختلاف والتشظي والتعدد، وهي القيم التي تقرها مفاهيم الثقافة الحديثة، التي تنأى بالذات والجماعة عن سذاجة العيش السطحي الانغلاقي الانعزالي إلى صيغة متقدمة من صيغ الإنتاج التاريخي، القائمة على قيم التغيير، وإعادة تشييد العلاقة داخل النسيج الاجتماعي من جهة، ومقابل الآخر من جهة أكثر انفتاحاً وتنوعاً. وهذا هو ما يفسر طبيعة السجال الحاد الذي يعكس الرغبة في الحركة واعتناق ثقافة الإبدال الثقافي، كما ينعكس كل ذلك في ملفوظات الخطاب المتداول ومضمراته.
هاجس الطراز
* حدثنا عن العلاقة الخفية بين مغازي الإنتاج الثقافي وصيرورة الحياة الاجتماعية.
- كل مجتمع يحاول دائماً أن يعيش داخل طراز ثقافي. وهو هاجس يتم استظهاره في الأغاني والأكل والملبس، التي يشكل تراكمها الاستعمالي صندوق خبرة مشتركة. وما كل تلك المتوالية من الممارسات إلا أعراض نفسية ومادية لذات متأرجحة وراغبة في التغيير، تعبر عن إحساسها بنفسها، كما ترسم بموجبها علاقتها مع الآخر. وعليه يمكن التعامل معها كمروية تفسيرية لمعتقدات ومزاج المجتمع الذي يتبناها ويدافع عنها سلوكياً. فهي ميولات راسخة في الوجدان كتيمات ثقافية تتبدى بشكل صريح كحقائق تاريخية في النصوص الأدبية وفي المخاطبات الشفاهية. ومن واقع ذلك، الإنتاج الثقافي يمكن فهم صيرورة الحياة الاجتماعية وما يتأتى عنها من قيم السلم والاختلاف والتصارع.
ضحك سعودي
* لماذا يضحك الناس في السعودية؟
- يضحك الناس في السعودية لا لأنهم سعداء، ولكن لأنهم في طور تصحيح لأحوالهم الاجتماعية. فهم يعبرون أزمات حادة، وهذا ما يفسر انحيازهم للكوميديا والسخرية وكثرة المهرجين. يضحكون لأنهم يبحثون عن دواء لمآزقهم الحياتية المستعصية. يضحكون لأنهم يريدون تحويل الحياة إلى حفلة ترفيهية لنفوسهم المتعبة. يضحكون لأنهم يحاولون فكرنة الهزل وإنتاج مادة ناقدة. يضحكون لأنهم يريدون نقد مفاعيل المؤسسة دون أن ينالهم عقاب المجابهة الصريحة. يضحكون لأنهم يأملون في تحرير الجسد الاجتماعي من تكلساته وميكانيكيته. يضحكون لأنهم قرروا الفرار من لحظة التخثر التاريخي المزمنة. يضحكون لأنهم يعيشون حالة من انعدام الوزن. يضحكون لأن الضحك والسخرية والهزل تعبير عن الفردانية ومروق على سذاجة التابو الاجتماعي. يضحكون لأنهم يبحثون عن طوق نجاة يطفون به على مرارة الواقع. يضحكون لأنهم أدركوا أن الضحك «ميكانزم» دفاعي للذات المقهورة. يضحكون لأنهم صاروا أقرب إلى الفكاهة التدميرية حيث الواقع بالنسبة لهم مهزلة كبرى. يضحكون لإيمانهم بأن الضحك رسالة اجتماعية وأسلوب مواجهة على درجة من الفاعلية، ويريدون بالضحك تجاوز كل الخطوط الحمراء.
حيلة أنثوية
* كيف خرجت العباءة من حيّزها الاجتماعي العام إلى خصوصية وإغواء ثقافي كما تقول؟
- بحيلة أنثوية ذكية، حولت المرأة فكرة العباءة كلباس إلى خطاب، أو لسان. فبعد أن كانت قضية إشكالية على المستوى الديني والاجتماعي، أدخلتها المرأة في مفهوم الموضة، وبالتالي صار بمقدورها طرح كل ما تريده من وراء فكرة الجمال وليس المحظور والممنوع. وهكذا انتقلت العباءة من فكرة كونها وعاء محكم الإغلاق لتقنين وضبط مفاتن الجسد الأنثوي إلى فكرة تجريدية فيما يعني تسجيل خطوة واعية باتجاه تحطيم خطوط الدفاع الشكلانية العنيدة عن العقيدة.
* لماذا تحولت العباءة عند المرأة إلى حيلة تتمرد من خلالها على ذاتها وقدرها؟
- لأنها واحدة من أبرز وأعتى قضايا التعبير عن الوجود الأنثوي. فهي ليست مجرد لباس احتشامي بقدر ما هي لغة تخاطب اجتماعي. ولذلك جاءت الإنزياحات الواعية بالعباية عن وظائفيتها الشكلانية إلى فضاء التمويض. بمعنى تحويلها إلى شكل من أشكال ما يعرف بالثقافة الحميمية. وهذا هو ما جعل الفكرة تتحرك على مستوى الخامة والشكل التي مسخت شكل العباية المتعارف عليه باتجاه تحويلها إلى فستان. كما بدا ذلك على درجة من الوضوح في رهافة القماش المستخدم، والتخصير والتلوين، والإكثار من الشقوق والفتحات الأمامية والجانبية والخلفية، حتى صار لكل عباية شخصيتها التي تعكس قيم الرفعة والذوق والأناقة العصرية والتحرر بطبيعة الحال.
محمد العباس
الأغنية الوطنية
* هل الأغنية الوطنية صناعة سعودية تستوجب رؤية ثقافية مثل «وطني الحبيب» لطلال مداح، و«فوق هام السحب» لمحمد عبده؟
- لا شك، فهي ليست مجرد حالة من التغني العاطفي. إنما هي مركب جمالي يتجاوب مع اللحظة والمزاج العام والإنجاز الوطني. فالأغنية التي لا تستند إلى رصيد تنموي على الأرض لا يمكن أن تسعفها العاطفة. على اعتبار أن الموسيقى هي جوهر الزمن. وهي صيغة من صيغ الوعي والتعبير عن الذات الفردية والجمعية على خط الزمن. ومن هنا برزت المفارقات بين أغنية «وطني الحبيب» لطلال مداح، وأغنية «فوق هام السحب» لمحمد عبده، كما ناقشتها القراءة، فالنص والإيقاع والروح كلها تتباين وتتفارق لأسباب موضوعية. حيث تم بناء كل أغنية وفق تفكير نغمي متولد من اللحظة. كما أن الخبرات اللحنية والصوتية والفكرية والروحية لكل أغنية تختلف عن الأخرى.
ظاهرة فنية
* لماذا تحول خالد عبدالرحمن من مطرب إلى ظاهرة اجتماعية وفنية لدى ناقد أدبي مثلك؟
- لأنه يشكل ظاهرة فنية واجتماعية، فهو البدوي الأنيق الذي يؤلف ويلحن ويؤدي أغاني الحب الأفلاطونية كطريد اجتماعي. فقد اختار له لقب «مخاوي الليل» ليضفي على ماهيته الإنسانية حالة من الرمزية. وقد نجح بالفعل في تلبس دور الشريد التائه وتثبيت صورة ذهنية خلابة عند محبيه. أي تخليق موديل قابل للتسويق الفني، وقابل للاقتداء من المنظور الشبابي. وقد كان لنبرته الصحراوية، وإكسسواراته التي يحرص على الظهور بها، أثرها في تكريس صورة البدوي المحدّث. فهناك ميل واضح لديه لتوطين متوالية من الوضعيات البصرية والنغمية في حواس المتلقي، التي تشكل مضمون وشكل هويته، لمناغاة السياق الصحراوي والتعبير عن هاجس شعبي عريض. أي تقديم نموذج شاعري أشبه ما يكون بالأغنية الشعبية المغسولة. أو هكذا يمكن قراءة دراما تمثيلاته البصرية والنغمية. فهو حقل خصب من العلامات المدروسة بعناية لاختراق المواقف المسكوكة في الوعي الجمعي. وتلك هي استراتيجية حضوره الجسدي القائم على لعبة تأثيرية فطنة غايتها التلويح بأسلوب حياة راقية وممكنة.
سقوط «طاش»
* لماذا سقط «طاش ما طاش» من كونه خطاباً ثقافياً اجتماعياً للتغيير إلى مجرد مشاهدة أشخاص يمثلون دورنا السلبي تجاه الحياة؟
- لأن القائمين عليه سقطوا في حالة تقليد أنفسهم، ولم يستثمروا كل ما أتيح لهم من سند رسمي وجماهيري. وفضلوا أن يتعاملوا مع ذلك المسلسل كفاصل ترفيهي. رغم أن كل الدلالات كانت تشير إلى فرصة مثاقفة تاريخية للواقع. إذ لم يأخذوا مسألة النص بجدية، بل أوكلوه إلى هواة. كما أنهم حبسوا طاقاتهم في شخصيات أقرب ما تكون إلى القوالب، وبالتالي صاروا يعيدون ويكررون ذات المشاهد والتيمات. ومنذها تغير الوسط المستهدف وتبدلت رسالة الوعي القائمة على تفكيك الظواهر بفكاهة فكرية إلى فواصل تهكمية ساخرة. بمعنى أن الإشارة الاجتماعية التي كانت تتميز بها تلك الكوميديا قد انطفأ بريقها، وقل وخزها للضمير الاجتماعي. وهذا يؤكد أن المسلسل لم يعد قادراً على مسرحة الحياة بقدر ما نذر نفسه للسخرية من أبطالها المقهورين. وكل ذلك نتيجة طبيعة لعدم الدراية أو العناية بنظريات الضحك والكوميديا، وانجراف المسلسل إلى لعبة التسويق والإعلانات التجارية والنجومية. إذ لم يعد لدى المتفرج سوى حق التفرّج على مآسيه وسلبياته، فالمسلسل لا يسعفه بأية وخزة وعي ثقافي.
«تاريخية» ماجد
* قلت ألا عذر لإدواردو غاليانو صاحب كتاب «كرة القدم في الشمس والظل»، في «تحقير الجماهير الرياضية ولاعبي الدول الموصومة بالنفط»، فهل قلت ذلك لأنه لم يستعرض قفزة ماجد عبدالله الشهيرة ويخلدها في ذاكرة الملاعب، وقد اعتبرت القفزة تاريخية خالدة، في كتابك؟
- بل لأنه لم يجد في ملاعبنا ما يستحق الإشادة والتمجيد، وكأن إستادات ويمبلي وماراكانا وميونيخ هي وحدها من تستأثر بالأمجاد. وهي نظرة استعلائية تحقيرية من قبل الآخر لنا، ولما نوصف به، كعوالم نفطية. ففي تصوري حتى ملاعب الحواري فيها ما يستحق التخليد. أما قفزة ماجد فهي بالفعل تاريخية بكل المقاييس الرياضية والفنية. وقد جادلتها من واقع ما قيل عنها من كلام أسطوري تحول مع التراكم الزمني إلى شكل، لأنها بالفعل جديرة بذلك الوصف، وغير قابلة للانمحاء أو الاضمحلال. وكل يوم تتعزز الفكرة حول تلك القفزة الماجدية التي تجسد بالفعل الأفكار المشكلنة. وتجعل من اللغة الواصفة سنداً جمالياً لرصيد واقعي ولنسق كروي.
دراما هجائية
* هل تعتقد أنّ عبارتي «أم الركب السود» و«أبو سروال وفنيلة» تستحقان أن تتحولا، كما تقول، إلى لعبة خطاب حجاجي له ظاهر، وله باطن؟
- بالتأكيد، فهي بمنزلة الدراما الهجائية التي يمسك من خلالها كل طرف بالدليل لتهشيم صورة الآخر. فظاهر تلك المجابهة يبدو كلعبة تهريجية، ولكن باطنها ينم عن قدرة ورغبة لاختراق حميمية الآخر، ودفعه إلى أقصى نقطة دفاعية عن هويته. لأن الفكاهة تقوم على التباري الناقد الذي لا يخلو من رغبات كامنة في التقارب والتماس اللفظي الذي يقود بدوره إلى الجسدي. أما إعابة البنية الشكلية فهي بمنزلة بيان القوة الذي يعتمده الرجل قبالة المرأة والعكس. أو هكذا يمكن قراءة دلالات التوبيخ الاجتماعي ومنازعها الرومانسية القائمة على التخليق والاستيهام والغزل المبطن. وإذا كانت لعبة التجابه تلك تحمل الرغبة في فتح مسارات السرور، فهي تستبطن حالة مما يعرف بتهوية التابو الاجتماعي، أي اختراق سقف الممنوع، والاحتيال على المحرم الاجتماعي بوابل من الإشارات والألفاظ التي تفتح مكامن الهوس التاريخي والثقافي للرجل بالمرأة. وهنا تكمن البراعة في تحريك منظومة القيم «السوسيوثقافية» من خلال الإيحاءات والإحالات الرمزية الملذوذة.
حالة رهاب
* المغردون في «تويتر» كان لهم نصيب في كتابك، قرأت من خلاله خانة التعريف. هل لك أن تحدثنا عن النتائج التي وصلت إليها في وعي المغردين السعوديين بذواتهم؟
- النتائج كثيرة، وأبرزها هو ذلك التقنع والتواري خلف الأسماء والسير المستعارة التي تعكس حالة الرهاب المزمنة في المجتمع. كما أن هناك ذوات تحضر بنبرة رسولية رائية نتيجة ارتهانها لوهم اعتباريتها الاجتماعية أو الرسمية أو الأكاديمية. وبعضهم يكتفي بذكر اسمه، وكأنه أشهر من أن يعرف بذاته. فيما يتعمد بعضهم تقديم سيرته باللغة الإنجليزية وهكذا. وكل تلك أعراض لحالات من الغياب وعدم استيعاب فن سرد الذات من جهة، أو عدم وعي القيمة التفاعلية التشاركية لموقع «تويتر» من ناحية أخرى. حيث الإفراط في تعداد مآثر الذات أو تصعيد الهوية بكل معانيها المكانية، والاعتقادية وما يتداعى عن ذلك التعنت من رغبات صريحة لتعقيم الآخر ومحاججته. وهو الأمر الذي ينعكس بشكل صريح في المهاترات والتعصب والنعرات والأوهام. وأظن أن الوقت كفيل بتعليم كثيرين فن كتابة (البايو) من واقع التفاعل داخل الموقع وليس من خارجه. فهذه الخانة الصغيرة ليست محلاً لاستعراض تورمات الذات وانفعالاتها وأوهامها بل هو المكان الافتراضي الذي يعكس واقعية الشخصية وقابليتها للتفاعل الحر المنفتح مع الآخر.
«توطين» الأرز
* كتبت عن «الأرز» بوصفه ظاهرة اجتماعية نادرة، واعتبرته ابناً تاريخياً مدللاً للأسر السعودية، كيف استطاعت هذه الصور السطحية التسرّب إلى عمق المجتمع؟
- تسرب مفهوم العضوية الأسرية للرز من خلال حملات الإعلان الفنية. حيث تم اللعب على قيم الوراثة والأصالة الاجتماعية. وبكثرة الطرق على هذا المعنى تم توطين الرز في السلوك الغذائي والميزان القيمي. إذ لعبت العاطفة دوراً مهما في هذا التوطين خصوصاً في الجانب الغريزي. حيث تمت أنسنة كيس الرز واستدامجه في الحيز الأسري، فهو حسب الهيكل المرجعي بمنزلة الابن الذي يُشتاق إليه. وهذا ما قامت به النظرية السلوكية التي تخاطب الجانب اللاواعي في الفرد. وقد عاضدتها في ذلك النظرية الاجتماعية التي تعزز قيم الانتماء، بالإضافة إلى النظرية الاقتصادية التي تراعي القيمة والمكانة الاجتماعية والمنزلة الطبقية. وكل ذلك تم العمل عليه من خلال حملات إعلانية مكثفة ومدروسة لتحريك مخزون المقولات الاجتماعية لعادات التهام الرز والاحتفاء بموائده. فهو خطاب يقوم على التمويه والإلغاء والحذف والتعتيم والحلم ومسرحة المواضيع المتعلقة بعادات تناول الرز. أي إخضاع الفرد لمتوالية من الإرساليات اللسانية والبصرية المتحولة إلى قوة إقناعية وفق استراتيجية إبلاغية ساطية ومجازات لفظية اختراقية للحواس ومربكة لنظام القيم.
* أخيراً، هل بقيت لديك ظواهر اجتماعية تستحق أن نطلق عليها «صنع في السعودية»؟!
- ما أكثر الظواهر المغرية بالمجادلة، الملحة على البال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.