فى عام 1960 كنت طفلاً فى التاسعة إلا ربع من عمري حسب التوقيت المحلي لمصر، وكانت هناك وحدة بين مصر وسوريا وكانوا دائماً يغنون لها فى الراديو «وحدة ما يغلبها غلاب»، وكان أبي يعمل على باخرة تبحر بين «الإسكندرية» في مصر و»اللاذقية» في سوريا رحلة كل أسبوع.. وفي أحد الأيام أراد أبي أن يختبر الوحدة التي لا يغلبها غلَّاب فاصطحبني معه لإحدى الرحلات.. في الأسكندرية رفض الموظف صعودي إلى الباخرة بحجة عدم وجود «تأشيرة» فأخذني البحارة في قارب وصعدوا بي من جانب السفينة بالحبال بعيداً عن الموظف.. وأبحرت السفينة وكادت تلقى مصير السفينة «تايتانيك» داخل البحر المتوسط لكنها قاومت العواصف ووصلت سالمة إلى «اللاذقية» وهناك حاول أبي أن يُفهم الموظف أن هناك وحدة ما يغلبها غلَّاب قائمة بين مصر وسوريا وبالتالي من حق مواطني مصر أن يدخلوا سوريا بدون تأشيرة، لكن الموظف رفض نزولي وقال إن الرؤساء أحرار يتَّحدون أو يتفرقون كما يشاؤون لكنه يطبق القانون، وأن الوحدة لا يغلبها غلَّاب لكن يغلبها الموظف، فعدنا إلى الأسكندرية وهناك سأل الموظف عني ومن أين أتيت؟ ثم لاحظ أنني أرتدي «ساعة» فاقترح أن يحتفظ هو بالساعة وأن يحتفظ أبي بالطفل الذي هو أنا.. وفي الطريق إلى البيت سألت أبي (يقولون إن هناك وحدة فما هي الوحدة؟!) فقال لي أبي (الوحدة يا بني هي التي كانت تعاني منها أمك أثناء سفرنا)!