حين قراءتي لمقال الزميل الأستاذ عبدالرحمن الشهيب (بلديات «يبي لها وزن أذرعة») المنشور في الأسبوع الماضي عن كثرة الحفر في الشوارع كمسبب لأعطال السيارات، والتلف الذي يلحق بها، وخصوصاً في «أذرعتها» و»مقصاتها» وجدت نفسي منجذباً لهذا الموضوع، فقررت أن أواصل ما بدأه الزميل من إثارة لهذه المسألة المهمة. لدينا الآن في بلادنا عشرات الآلاف من الكيلومترات تصل بين منافذها وأطرافها المترامية، ورغم ما بُني منها حتى الآن فلا نزال في حاجة لمزيد منها، حيث لا تزال هناك بقاع كثيرة مأهولة لم تعرف بعد طريق الإسفلت، أضف إلى ذلك ما يحتاجه كثيرها من تحسين وتجديد. إن عوامل التعرية المنبثقة من قساوة المناخ المتحالفة مع الفساد وسوء التنفيذ، والإخلال بمعايير الجودة لا تترك لهذه الطرق فرصة العيش سليمة معافاة لفترة طويلة. فلا تمضي أشهر معدودات بعد الانتهاء منها، إلا وقد أصابها التجرح وابتدأت طبقاتها السفلى في الصعود إلى الأعلى، وكأنها مبنية منذ «أيام الغوص». ثم يأتي انعدام التخطيط والتنسيق بين الجهات المسؤولة عن بنائها وصيانتها الذي يبرز كعلامة ناصعة لهيمنة البيروقراطية وفردية القرار، فلا يُنتهى من بناء طريق جديد أو تجديد لآخر قديم (عانى الناس كثيرا من إغلاقه)، إلا وإعلان يُنبئ عن أن الطريق سيغلق لُيبنى عليه جسر جديد (وهو الطريق الذي لم يكمل عامه الأول) ، فهل فكرة الجسر انبثقت بعد الانتهاء من إصلاح الطريق؟ أم أن من سوَّف قرار بنائه لا يكترث بمعاناة الناس التي ستجددها الاختناقات المرورية والتحويلات التي سترافق إغلاق الطريق مرة ثانية!. أما جودة شوارعنا الداخلية فيقاس عمرها بالأيام، حيث لا يمضي الحول على أغلبها إلا ويتحول الشارع الواحد منها إلى طريق بعدة طرق، كل واحد يمتلك تضاريسه الخاصة به، فيصبح السير عليها وكأنه سير على سفح جبل، مسار مرتفع، وآخر منخفض، وثالث بحفر. فالمقاول الذي حفر الشارع لتمديد أو أصلاح أنابيب أو أسلاك، لا يعنيه جودة الطريق وصلاحيته للسير الآمن عليه، قدر ما يعنيه ردم ما نبشه وتغطيته بالإسفلت الذي يغدو لا قيمة له إلا شكله. مقابل هذا الإهمال واللامبالاة بمصالح الناس تنتصب أمامنا ورش تصليح السيارات التي أصبحت وكأنها ركن في بنيتنا التحتية. هذه الورش اعتادت استقبال المركبات المعطوبة لإصلاحها، ولكن ما يحدث أن معظمها لا يفقه في الصيانة شيئاً، وليست ورش الوكالات باستثناء، فكل ما تقوم به هو إزاحة قطع الغيار القديمة واستبدالها بجديدة. لذا لا عجب أن تكون تجارة قطع الغيار أكثر ربحاً من تجارة السيارات. ورغم ما يقال عن أن قطع الغيار الأصلية لديها القدرة على الصمود الطويل في وجه تضاريس طرقاتنا، إلا أن الواقع غير ذلك، فهناك علاقة عكسية تربط بين جودة طرقاتنا وبين استهلاكنا المتزايد لقطع الغيار التي أصبحت تستنفد من جيوبنا حين تراكمها مبالغ أكثر من قيمة المركبة نفسها.