يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استعادة تفوقه الاقتصادي على الساحة العالمية من خلال استراتيجية جديدة تهدف إلى تحفيز الابتكار، والحد من الروتين، وتعزيز الصناعة النظيفة. وفي الوقت الذي تسعى فيه بروكسل إلى تحقيق النمو، يحذر نشطاء المناخ من تراجع التزامات أوروبا الخضراء. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في معرض تقديمها خارطة طريق تهدف إلى تعزيز تنافسية الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي: "يمتلك الاتحاد الأوروبي كل ما يحتاجه للمضي قدماً في السباق نحو القمة. ولكن في الوقت نفسه، يتعين علينا إصلاح نقاط ضعفنا لاستعادة القدرة التنافسية". وما يطلق عليها "بوصلة التنافسية" هي عبارة عن إستراتيجية اقتصادية تتضمن تحفيز الابتكار، وتعزيز الصناعة النظيفة وتقليص التبعية الخارجية كي يتمكن التكتل من منافسة القوى العالمية مثل الولاياتالمتحدةوالصين. وقالت فون دير لاين الأسبوع الماضي: "على مدى السنوات العشرين، إلى الخمس والعشرين، الماضية، اعتمد نموذج أعمالنا بشكل أساسي على العمالة الرخيصة من الصين، والطاقة التي يفترض أنها رخيصة من روسيا، وجزئياً على الأمن والاستثمارات الأمنية عبر التعهيد -الاستعانة بمصادر خارجية-. هذه الأيام قد ولَّت." ومن أجل تخفيف الضغوط على الشركات، وجذب استثمارات جديدة، تعهدت المفوضية بتخفيض "غير مسبوق" للإجراءات الروتينة لتقليص الأعباء الإدارية وتبسيط التزامات الإبلاغ أمام الشركات والمؤسسات الكبيرة بنسبة 35 %، و25 % للشركات الصغيرة. وبحسب ما ذكرته فون دير لاين، من شأن تقليص الإجراءات الروتينية توفير أكثر من 37 مليار يورو (5ر38 مليار دولار) للشركات الأوروبية سنوياً. وتستند خارطة الطريق التي أعلنتها المفوضية الأوروبية إلى تقارير صاغها العام الماضي اثنان من رؤساء وزراء إيطاليا السابقين، هما ماريو دراجي (2021-2022)، وإنريكو ليتا (2013-2014). ودراجي خبير اقتصادي مخضرم، شغل منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي خلال الفترة بين عامي 2011 و2019. ووفق تقرير دراجي، سوف يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى استثمار ما يتراوح بين 750 مليار يورو و800 مليار يورو سنوياً لسد الفجوة مع منافسيه وتحقيق نمو اقتصادي جديد. وعرَّفَ نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية لشؤون الازدهار والاستراتيجية الصناعية ستيفان سيجورني "بوصلة التنافسية" بأنها "العقيدة الاقتصادية" للسنوات الخمس المقبلة، وأوضح أنها ستترجم إلى "تبسيط أولوياتنا الاقتصادية والاستثمار فيها، وتسريع وتيرتها"، وهي "في قلب كل يورو نستثمره". وتتضمن "بوصلة التنافسية" سلسلة من المبادرات، لم يتم بعد تحويلها إلى مقترحات تشريعية ملموسة. وتتمثل الضرورة الأولى بالنسبة لبروكسل في سد فجوة الابتكار مع قوى مثل الولاياتالمتحدةوالصين، وخلق بيئة تشجع نمو الشركات الأوروبية الناشئة، خاصة في القطاعات الاستراتيجية، والتي تشهد تباطؤا في الوقت الحالي بسبب صعوبة الحصول على رأس المال، واللوائح التنظيمية المعقدة. وبحسب رئيس اتحاد الصناعات في جمهورية التشيك، يان رافاج، ركزت المفوضية في الآونة الأخيرة على التنظيم بقدر أكبر من تركيزها على دعم النمو الحقيقي لعمالقة التكنولوجيا الأوروبية. وقال رافاج: "لا توجد شركة أوروبية واحدة ضمن أكبر عشر شركات عملاقة في العالم". وقالت النائبة البلغارية في الاتحاد إيفا مايدل للموقع الإخباري البلغاري "كلوب زي": إن شركات الطيران والنقل في بلادها يمكن أن تستفيد من ذلك. والهدف الرئيس الثاني هو إزالة الكربون من الصناعة. وتتمثل القوة الموجِهة الرئيسية لهذا الهدف في خطة لصناعة نظيفة، ينتظر أن تكشف بروكسل النقاب عنها أواخر شهر فبراير الجاري. ومن المقرر كذلك وضع خطة عمل من أجل "طاقة ميسورة التكلفة"، وتحديث قانون المناخ الأوروبي. وتتضمن التدابير المدرجة في هذا الفصل: مراجعة الضريبة المناخية على واردات ثاني أكسيد الكربون، والترويج لقانون يتعلق بالاقتصاد الدائري، ونشر استراتيجية الموانئ، ومواصلة الحوار الذي بدأ مع قطاع صناعة السيارات. وقال ممثلون عن السياسة في سلوفينيا، وبنك الاستثمار الأوروبي، وأيضاً خبراء اقتصاد، وعلماء في حلقة نقاشية نظمها مؤخراً "مكتب اتصال البرلمان الأوروبي في سلوفينيا": إن الابتكار في هذا القطاع تأخر بشكل رئيسي بسبب القرارات السياسية على مستوى الاتحاد الأوروبي. وأشاروا إلى ضرورة تكييف مثل هذه التدابير. ويتمثل الهدف الثالث، بحسب المفوضية، في علاج التبعية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي، وسط "نظام اقتصادي عالمي ممزق بسبب المنافسة الجيوسياسية والتوترات التجارية"، حيث يواجه الاتحاد منافسة غير عادلة من القوى التي تقيد الوصول إلى أسواقها في حين أنها تغرق السوق الأوروبية بالسلع التي يتم إنتاجها استناداً لدعم حكومي هائل. ومن أجل تمويل سبل تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد، أوصى دراجي بأن يقوم التكتل بتمويل الاستثمارات جزئياً عبر الاقتراض المشترك، على غرار أداة "الجيل القادم" التاريخية التي جرى تصميمها من أجل التعافي من تداعيات جائحة كوفيد - 19. ولطالما دعا رئيس وزراء البرتغال لويس مونتينيجرو، على سبيل المثال، إلى زيادة موازنة الاتحاد الأوروبي بمزيد من مساهمات الدول الأعضاء، وبإصدار دين مشترك جديد، ومن خلال المزيد من الأموال الخاصة حتى يتمكن الاتحاد الأوروبي من الاستثمار في المجالات ذات الأولوية. وطلب مونتينيجرو في رسالة بعث بها إلى فون دير لاين الخريف الماضي، تعزيز الإطار المالي متعدد السنوات للاتحاد الأوروبي (موازنة الاتحاد الأوروبية طويلة الأجل)، اعتباراً من عام 2028. ورغم ذلك، لطالما ساورت الشكوك دولاً مثل ألمانيا وهولندا بشأن تحمل المزيد من الديون المشتركة. وفي الوقت الذي يحول فيه الاتحاد الأوروبي تركيزه إلى تعزيز القدرة التنافسية لدوله الأعضاء ال 27 في مواجهة التحديات العالمية، يحافظ نشطاء المناخ والبيئة على يقظتهم فيما يتعلق بتوافق التدابير الجديدة مع الطموحات الخضراء طويلة الأمد للتكتل. ووفقاً لوزير البيئة البولندي السابق، مارسين كوروليتش، فإن بوصلة التنافسية "لا تعالج بوضوح الحاجة إلى الاستثمار الواسع في التكنولوجيا النظيفة، وحلول الطاقة الرخيصة". ويرى رئيس الاتحاد، يان رافاج، أنه لا يمكن إزالة الكربون من جميع القطاعات بالسرعة التي تتطلبها التشريعات الأوروبية الحالية. وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين على أن الاتحاد لن يغير مساره، بل إنه سوف يلتزم بهدفه المتمثل في أن تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2025. وقالت فون دير لاين: "أود أن أكون واضحة جداً.. دون شك، سوف يتمسك الاتحاد بمسار أهداف الاتفاق الخضراء". ومن أجل تعزيز تنافسية الاتحاد في مجال تقنيات الحياد الكربوني، المعروف باسم "صافي صفر انبعاثات"، من المتوقع أن تكشف المفوضية عن "اتفاق الصناعة النظيفة" - والذي يركز في المقام الأول على الانتقال إلى التكنولوجيات النظيفة مثل مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى خطة لخفض أسعار الطاقة بشكل واسع. وينتظر أن تكشف المفوضية عن اتفاق الصناعة النظيفة يوم 26 فبراير الجاري.