تبذل الحكومة المغربية جهودًا هائلة لتطوير القطاع السياحي والخروج به من الأزمة والركود الذي حل به في فترة جائحة كورونا، إلا أن عددًا من المحللين والمسؤولين في هذا القطاع يرون أنه لا تزال هناك حاجة للتطوير وإعطاء ضمانات للمستثمرين حتى تكون النتائج مستدامة. وحقق قطاع السياحة العام الماضي قفزة غير مسبوقة، بزيادة 20 في المئة، بالوصول إلى 17.4 مليون سائح (نصفهم من المغاربة في أنحاء العالم)، وذلك ارتفاعًا من 14.5 مليوناً في 2023. وارتفعت عائدات السياحة إلى 112 مليار درهم بزيادة 7 في المئة مقارنة مع 2023، وزيادة 43 في المئة مقارنة مع 2019 (قبل انتشار الجائحة). وتمثل السياحة سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، وهي مصدر رئيس للعملة الصعبة إلى جانب تحويلات المغاربة في الخارج. ووضعت الحكومة المغربية خارطة طريق للفترة من 2023 إلى 2026 للوصول إلى 26 مليون سائح بحلول 2030، حيث سيستضيف المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال بطولة كأس العالم لكرة القدم. وفتح المغرب خطوطًا جوية إضافية، من بينها خطوط منخفضة التكلفة، أمام الأسواق السياحية الرئيسة، وقاد حملة ترويج لوجهات سياحية جديدة. كما وضع خطة لإعادة فتح فنادق أغلقت بسبب الديون والكساد أو خلال فترة جائحة كورونا وكذلك تجديد فنادق قديمة. وأطلق المغرب أيضًا في 2022 خططًا عاجلة لدعم القطاع السياحي بحوالي ملياري درهم (200 مليون دولار). وقالت وزيرة السياحة المغربية فاطمة الزهراء عمور لدى الإعلان عن تحقيق «النتائج المهمة» في القطاع السياحي «هذه علامة فارقة غير مسبوقة في تاريخ السياحة المغربية». وأضافت أن هذه الأرقام «تثبت تأثير خارطة الطريق التي وضعناها وخطوة نحو تحقيق هدفنا المتمثل في وضع المغرب ضمن أفضل 15 وجهة سياحية عالمية». قطاع واعد اعتبر زبير بوحوت، المحلل والمختص في الشأن السياحي، أن الرقم الذي سجله المغرب في 2024 في المجال السياحي (17.4 مليون سائح) يعود لمجموعة من الأسباب منها «فتح المجال الجوي على أسواق جديدة، وبصفة خاصة إدخال شركات نقل جوي ذات تكلفة منخفضة». وأضاف لرويترز «من أصل 17 مليون و400 ألف، 11 مليون و 800 ألف قدموا إلى المغرب جوًا.. وهذا يعني أن شركات النقل الجوي المنخفضة التكلفة أعطت أُكلها». ويرى أن «الترويج للمغرب إبان مشاركة المنتخب المغربي في كأس العالم التي أقيمت بقطر في 2022 والنتائج الجيدة التي حققها بالوصول إلى المربع الذهبي.. أعطت إشعاعًا كبيرًا للمغرب إذ إن مؤشر البحث 'جوجل' سجل البحث بصفة غير مسبوقة عن كلمة المغرب». وتابع «كان عادة ما يتم البحث عن كلمة المغرب في أي سنة عادية 500 ألف مرة، بينما وقت مشاركة المنتخب المغربي في قطر، جرى البحث عنها 13 مليون مرة في ظرف شهر، يعني في شهر واحد عادل البحث 26 عامًا». وعزا النتائج الإيجابية المسجلة في القطاع السياحي أيضًا إلى «الحملات الترويجية للمكتب المغربي للسياحة والمعارض الدولية» لكنه أكد أنه رغم كل هذه المؤشرات الإيجابية مازال القطاع يحتاج إلى تطوير.فعلى الرغم من زيادة عدد الوافدين فإن العائدات من العملة الصعبة «بالكاد تصل إلى 11 مليار دولار». وقارن بوحوت هذا الرقم مع إسبانيا، الجارة الشمالية للمغرب، التي «اختتمت العام بتحقيق 130 مليار دولار، بزيادة 24 في المئة من العائدات بينما انتقلت من 111 مليار دولار في 2023 إلى 130 مليار دولار في 2024 في الوقت الذي زاد فيه عدد السياح من 85 مليونًا في 2023 إلى 94 مليونًا في 2024». وأضاف «عكس ما وقع في المغرب إسبانيا ارتفعت لديها المداخيل (العائدات) 24 بالمئة والسياح تسعة بالمئة». واستخلص بوحوت أن «هذه الزيادة وهذه الطفرة نسبية إذا ما قرأنا المؤشرات،.. هنالك مؤشرات كثيرة يجب تحسينها». وقال: إن «العامل المهم الآخر هو الرقم الذي يتم على أساسه احتساب نسبة الزيادة». ويراهن المغرب على عدة إنجازات في البنية التحتية والثقافية وحدثين رئيسين في القطاع الرياضي. والحدثان هما كأس العالم المشترك مع إسبانيا والبرتغال وكأس أفريقيا أواخر العام الجاري ومطلع 2026. وبدأ المغرب في إنجاز «ملعب كبير» في مدينة الدار البيضاء سيكون أحد ملاعب 2030 الذي ستقام عليه بعض مباريات كأس العالم المقبلة. ومن المتوقع أن يكون أكبر ملعب كرة القدم في العالم، بسعة 115 ألف متفرج. ويأمل المغرب أن يستضيف المباراة النهائية لكأس العالم حيث يتنافس مع ملعب سانتياجو برنابيو وكامب نو في إسبانيا. وقال بوحوت: «إنجاز قطر لم يأتِ بالسياح ولكن خلق الرغبة لدى السائح لاكتشاف هذا البلد». وأضاف: «لا يجب أن ننتظر 2030 لتحقيق الإنجازات الكبيرة اليوم يجب أن نستثمر هذا الزخم الموجود عند المغرب لنفتح بلادنا للاستثمار الكبير ليأتي، لأن الأساس الذي سيطور القطاع هو الاستثمارات». واعتبر أن المراهنة على الأحداث الرياضية، خاصة كأس العالم «هو عامل سيكولوجي محفز، ليس هو من سيعطينا النتائج الإيجابية، بل هنالك تحفيزات كبيرة للاستثمار من طرف الدولة في القطاع السياحي». وبالإضافة إلى الدعم المادي وخطة النهوض بالقطاع السياحي، خفضت الحكومة من الفوائد بالنسبة للمستثمرين في القطاع، وانفتحت على أسواق جديدة كما عززت الأسطول الجوي بطائرات جديدة. وقال بوحوت: «هنالك أمور مشجعة.. حتى الخطوط الجوية المغربية لها برنامج طموح لأنها ستضاعف من أسطولها». وأضاف «الطائرات المتوفرة في 2023 كانت في حدود 50 لكنها سترفع الحصة إلى 200 طائرة في حدود 2037.. بمعنى سنزيد 150 طائرة في 15 عامًا، بينما تم إنشاء الخطوط منذ 70 سنة، ولم تراكم سوى 50 طائرة». واعتبر ذلك «إشارة كبيرة لتطور قطاع السياحة». مزيد من التطوير من جهته قال محمد بامنصور، رئيس «الفيدرالية(الاتحاد) الوطنية للنقل السياحي بالمغرب» لرويترز: إن «مجهودات الحكومة لتطوير القطاع وإنعاشه، خاصة بعد أزمة كورونا غير مسبوقة واستثنائية». وأضاف أن «خطة السماء المفتوحة، وإعادة الثقة للمستثمرين بعد نكسة كورونا، كان عملاً جبارًا أعطى أُكله.. لكن يجب الاشتغال أيضًا على الإطار القانوني بإعطاء ضمانات للمستثمرين حتى لا يفقدوا الثقة». وقال: إن العمل «لا يجب أن يتوقف عند الترويج.. لدينا بنية تحتية جيدة تسمح باستقطاب مزيد من السياح». وأضاف «بجب الانتقال إلى تجويد الخدمات والتكوين العالي الجودة.. أما كأس أفريقيا وكأس العالم ما هما إلا محطتان في طريق تطوير القطاع الدائم». واعتبر أن الاهتمام «لا يجب ان ينصب على القطاع السياحي دون القطاعات الأخرى، لأنها قطاعات مترابطة، وألا يكون الاهتمام بقطاع على حساب آخر». ودعا بوحوت أيضًا إلى «تطوير برامج أخرى لها علاقة بالترفيه والتنشيط، وكذلك سياحة المؤتمرات والأعمال.. كالهندسة والطب والذكاء الاصطناعي والبيئة بالإضافة إلى مهرجانات دولية وتطوير تقنيات ألعاب الفيديو».