رحمك الله أيها الرجل من بني وطني، رحمك الله أيها الرجل الخالد في عالم ذكرياتنا، رحمك الله أيها الرجل الذي نشهد على خدمة وطنه وشعبه، رحمك الله أيها الرجل الذي ما خفي من جميل صنائعه أكبر بكثير مما نعلم، رحم الله الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز، الذي وافته المنية، ليترجل فارس من بني عبدالعزيز، وما ترجل منهم فارس إلا واعتلى من قبله وبعده فرسان أكفاء أقوياء بالحق، في مثل محمد بن فهد يكون الوصف تعجيزاً في الرثاء، ومثله من بين وطني كثر، فرثاء في محمد بن فهد رحمه الله، هو رثاء في كل رجل عشق السعودية، وأفنى عمره خدمة لها وولاء وانتماء لقيادتها. رحل الإنسان قبل الأمير، تاركاً خلفه الكثير من الأعمال الإنسانية، خيراً صامتاً، وهو رجل دولة بامتياز، خدم وطنه وقيادته، بحكمة ورجولة وتفانٍ، هو من ذلك الجيل الذي ساهم في نهضة الوطن، الجيل الثاني من آل عبدالعزيز، مدرسته الأولى كانت سيرة المؤسس عبدالعزيز رحمه الله، ونهل علمه بعد ذلك من نبع فهد الدولة رحمه الله، عاصر جل الأحداث الرئيسية في حياة المملكة من مطلع ثمانينات القرن الماضي، وعاش ليرى بأم عينه ويشهد كما شهدنا، السعودية في عهد عمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، عهد النهضة المتجددة، عهد الرؤية المباركة، عهد التنمية الشاملة التي استحقت معها المملكة مسمى السعودية العظمى. عزاؤنا لخادم الحرمين الملك سلمان ولسمو ولي العهد الأمين -حفظهما الله- ولكل أبناء الملك عبدالعزيز وأحفاده، ولأهل الفقيد الكبير خاصة إخوته وأبناءه. الحديث عن مآثر وإنجازات الفقيد -رحمه الله-، حديث يطول ويطول، والحديث عن المهام التي تولاها، والأمانات التي حملها تحتاج إلى مجلدات، ولكننا حضرة الموت لا يسعنا إلى أن نحمد الله على كل شيء، وأن نرفع الأيادي ندعو الله له بالمغفرة والرحمة، وأن يسكنه فسيح جنانه، فصانع الخير لا خوف عليه، والكريم حبيب عند الله، والضارب العامل في خدمة دينه ووطنه وشعبه وأمته لا خوف عليه، فلا يضيع عند العدل الحي القيوم شيء، وستلقى يا بن فهد رحمك الله إن شاء الله عند ربك ما يشفع لك، من كل خير عملته وصنعته، ومن كل جهد بذلته، فلك الجنة بإذن الله تعالى. في رحيل محمد فهد يوم الدفن، وتلك الجموع التي حضرت معزية باكية ترثي الفقيد رحمه الله، وتلك المواقف التي شهدها العالم كله، خاصة مشاهد أبناء عبدالعزيز وهم يعزون بعضهم، احترامهم لبعض، كبير العمر يعزي الصغير عمراً، وصغير العمر يقبل يد الأكبر منه عمراً، وكلهم في القدر والمكانة كبار، مدى تأثر سمو سيدي محمد بن سلمان كان واضحاً على رحيل ابن عمه الأكبر منه عمراً، سمو سيدي ولي العهد وهو يقبل أبناء عمه الأكبر منه سناً، هي رسالة إلى كل العالم، أن بلاد الحرمين الشريفين، قد سخر الله لها قيادة حكيمة رشيدة، يتحدون العالم كله لمصلحة الوطن والإنسانية، لكنهم في الاحترام بينهم يضربون أروع الأمثلة، ويؤكدون على عمق الطبيعة العربية الأصيلة فيهم. ترحل الأجساد لكن الذكرى تبقى للأبد، ومحمد بن فهد -رحمه الله- نقشت حروف اسمه على لوح الخلود في ذكريات الوطن السعودي، رحمك الله أيها الفارس الذي ترجلت، أحببناك واليوم نبكيك، فمثل محمد بن فهد يستحق أن تبكيه العين وتذرف على فراقه ورحيله الدموع.