نيرون قالوا كان نموذجاً للحاكم الممتاز المحبوب، وحين عفا عن بعض المحكوم عليهم بالإعدام لم يهتز أحد.. فنيرون رحيم، وحين صب الثروات في أيدي الناس لم يهتز أحد.. فكل أحد قد اعتاد على أن نيرون رحيم.. لكن نيرون لم يكن سعيداً؛ لأن كل أحد يستطيع أن يكون كريماً، وكل أحد يستطيع أن يكون رحيماً، ونيرون كان يبحث عن شيء يتفرد به، ولا يشاركه فيه أحد.. وذات يوم كان يدندن لنفسه بأغنية وفتح الله على ابن حلال أن يقول: يا مولاي هذا صوت ملائكي، ونيرون يصرخ.. وجدتُها وجدتُها، فالإمبراطور وحده يستطيع أن يتفرد بالصوت الملائكي .. وبدأت الكارثة.. نيرون قرر أن يعرض موهوبته الفذة على الشعب، ونيرون وجيشه يزحفون على مدينة بعد مدينة، وهناك يحشدون الناس حشداً.. الكبير والصغير والمريض والسليم، لمشاهدة نيرون وهو يغني، ونيرون كان منصفاً فقد كان يُشرك آخرين معه في مسابقة حرة، لكن نيرون كان يصعد المسرح أولاً ويغني ويغني والمرضى يموتون في مكانهم، والحوامل يضعن في مكانهن ولا يسمح لأحد بالانصراف.. وفي الصباح المحكِّمون يعطون الجائزة الأولى لنيرون.. ويوم مات وزير نيرون الأول قرئت وصيته على نيرون، وفي الوصية كان الوزير يقول لنيرون: أغفر لك كل شيء، حتى إعدامك لولدي أغفره لك، لكنَّ شيئاً واحدًا لا أغفره لك أبداً، وهو إرغامي على الاستماع لصوتك القبيح.. وفي النهاية، نيرون قتلوه، والحكايات تقول: إن الناس لم يقتلوه لأنه أحرق روما ولكن لأنه يقول إنه فنان!. ونيرون مظلوم، فلحظة انتباه صغيرة تنظر فيها أنت إلى نفسك تجد أنك تريد أن تتفرد بمثلما كان نيرون يريد أن يتفرد!! ولعلنا نعيد هنا حكاية الياباني الذي وجد نفسه ضائعاً وسط مائة مليون شخص، خصوصاً أن كل أحد في اليابان يشبه كل أحد.. والرجل أراد أن يتميز، وأصبح يحمل في جيبه قنبلة، ويمشي وهو متأكد أنه لا أحد من الملايين هذه يحمل في جيبه قنبلة وأنه هكذا متفرد تماماً.. إلى أن كان يمشي ذات يوم ويجد زحاماً في طرف الطريق ويعرف أن أحدهم هنا انفجرت فيه قنبلة كان يحملها في جيبه!. لا تحمل قنبلة في جيبك. احمل شخصية في نفسك.. بعيداً عن محاولة الغناء، ترى كم فناناً عندنا يجرؤ على أن يغني لأهل روما..؟!