لقد تعودنا على كتابة كلمة موسيقى بالألف المقصورة أي موسيقى ولكني عندماكنت أبحث في هذا العلم وجدت أن العرب الأوائل كانوا يكتبونها بالألف وبادئ ذي بدء أحب أن أقول بأن مقالي هذا ليس لأحلل أو احرم أو أفتي في هذا الموضوع فإن هذا الموضوع قد انتهى فيه القول بالعمل فالدولة أعزها الله منذ عهد الملك عبد العزيز جعلت لهاكما للدول الأخرى موسيقا السلام الملكي مما يدل على أن هذا البلد موسيقيا، كما فتحت الاذاعات والتلفزيونات وسمحت بأن تعزف فيها الموسيقا كما يقرأ فيها القرآن، والحديث اليوم عن حل الموسيقا او حرمانيتها هو نكأ لجراح المتربصين والمدعين العلم والمتطرفين وانصاف العلماء والعازفين على ما يفرق الأمة ولا يجعمها وأولئك الذين يريدون أن يشغلوا الامة بالسفاسف. عندما كنت في مصر وكعادتي السيئة ابحث في المكاتب لأشتري ما أشتهي من كتب أجد فيها سلوى لنفسي وعلماً لعقلي وفائدة لحياتي اشتريت كتابا من كتب التراث اسمه "رسالة في علم الموسيقا" لصلاح الدين الصدفي واسمه خليل بن أبيك الصفدي والده كان من المماليك في مصر عام 696-764ه وهذه كانت مخطوطة درسها وحققها الدكتور عبد المجيد دياب والأستاذ غطاس عبد الملك خشبة وما قاما به من جهد ضمن جهود الهيئة المصرية العامة للكتاب مركز تحقيق التراث . والحقيقة أن كثر من المراكز في المملكة لديها مخطوطات مهمة ولكن للأسف لم يقم الدارسون بتحقيقها عدا ما تقوم به مؤسسة الملك عبد العزيز رحمه الله من جهد مهم في تحقيق الكثير مما يمت بالتاريخ لهذه الدولة السعودية حماها الله من كل سوء وكل ما أتمناها ان تقوم الجامعات والمراكز العلمية من الاستفادة من الثروة العظيمة من المخطوطات التي تملكها المراكز، مثل مركز الملك فيصل للدراسات الاسلامية وهو مركز رائد تابع لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، وحبذا لو قاموا بجهد في تحقيق الكثير من المخطوطات والتي الكثير منها موجود في مكتبة المركز وغيرها موجود في المكتبات العالمية في تركيا والمانيا وامريكا وبريطانيا وفرنسا. والحقيقة أن أجدادنا كانوا علماء عظاماً لا في علوم الدين واللغة فقط بل في كل العلوم الدنيوية واسوء عيوبهم انهم خلفوا أمثالنا من الكسالى " الكسلانين" فهل من يتولى مثل هذه المهمة ليطلعنا على عظمة آبائنا علنا نقتدي بهم في جدهم في تطوير العلوم بكل فنونها وفروعها. وعوداً لموضوع الكتاب " المخطوطة" ذكر المؤلف رحمه الله أن الناس ألفوا أن يكتبوا كلمة الموسيقا بالياء هكذا موسيقى ولعل الذي اوقعهم في هذا انها جاءت في كتب السلف بهذا الرسم موسيقى بالكسر وقد درج الناطقون على ان ينطقوها "موسيقى" بالفتح وحين ردت الأمور الى نصابها الحقيقي أي بالجروع الى اشتقاقها اليوناني عرف أنه موسيقى بالكسر لا بالفتح، والموسيقا لفظ يوناني معرب يطلق على فنون العزف على آلات الطرب وعلم الموسيقا: هو علم يبحث عن أصول النغم من حيث تآلفها وتنافرها وأزمنة تخلل النغم ليتم التلحين على أساس سليم والموسيقى أي المنسوب للموسيقا كعازف أوملحن وهي حرفته أي الموسيقا صنعة وعلماً. وقد أفتى مجمع اللغة العربية أن موسيقا تكتب في الشام والعراق والمغرب بالألف على قاعدة أن الأسماء الأعجمية إذا وقعت ثالثة أو رابعة يكتب ألفا مطلقاً مثل طنطا وشبرا وفرنسا وامريكا وزفتا وموسيقا. مما ذكرته المخطوط هو رأي الدين في مقدمة الكتاب ثم يقول ماهي الموسيقا وما تاثيرها وما حكمها وما موقف الإسلام والمسلمين القدماء منهم والمعاصرين - من الغناء والموسيقا، ويقول لقد أصبح من مكرور القول الآن أن الموسيقا وليدة الذوق السليم وهي علاج الذوق السقيم وكما يقول المؤلف الموسيقا هي حكمة عجزت النفوس عن اظهارها في الالفاظ فأظهرتها بالأصوات البسيطة فلما اردكتها النفس عشقتها وكانت هي حديث النفس، ويقول المؤلف " تصفوا القلوب عند سماعها من الأرجاس وتنبو عن الأدناس وتصعد النفس إلى عالم روحاني سام ترفرف فيه الملائكة ويسطع عليه نور الله لتحظى بالوحي والإلهام للعمل بالمعروف والنهي عن المنكر ثم يقول والأنغام باعث من بواعث السرور وظاهرة من ظواهره فالإنسان الناعم البال السعيد النفس يعمد الى الغناء والعزف يودعهما كثيراً من سروره فنسمع منه نغمات مرحة وطروبة .. حتى يقول والموسيقا مشجية مواسيه يبعث لون منها سروراً ويبعث آخر أشجاناً وهي تهز في مراكب الأنس ويسمع أنينها ونواحها في مواكب التشييع الى الرمس . والموسيقا تحرك ساكن الألم كما أنها مظهر من مظاهره .. الخ ثم يقول وخلاصة القول ان الموسيقا الفرحة تجلب الفرح والمحزنة تجلب الحزن. ثم تحدث المؤلف من تأثير الموسيقا في الحيوانات والحشرات فالنحل يطرب للغناء وأن الإبل تحب الغناء وترمل في سيرها وكذلك الخيل تشرب على الصفير كما أن الكثير من الطيور تغني وترقص على أثر انغامها وسرورها كما أن الكثير من ذكور الحيوانات تصدر اصوات لإغراء الأنثى للتزاوج. كما ذكر المؤلف أن الاسماك في الماء يجذبها الصوت الحسن وقد عرف العرب سحر الصوت الشجي فكانت العرب تغني لأطفالها ليناموا وكذا كان الماكري يغني للدواب لتسرع في المشي خاصة الإبل التي يؤثر فيها الحداء وهو نوع من أنواع الغناء وتستخدم الموسيقا في حظائر الدجاج لزيادة البيض المنتج أما تأثير الموسيقا على الإنسان فحدث ولاحرج ثم تناول المؤلف تاريخ الموسيقا وذكر أن العود والنغم عرف في عهد سيدنا نوح عليه السلام، وقد علا قدر الموسيقا عند اليونان وفي العهد العباسي بلغت شأنا لم تبلغه من قبل وقد ذكر أرسطو أن الموسيقا من العلوم المهذبة للعقل والخلق فهما اي الهرمونيكا والتواقيع ينفذان الى قرار النفس وينبهان فيها اشياء كثير فإذا ما اتحد معها الشعر فإنهما يقودانها الى الفضيلة ويبثان فيها الشجاعة لذا كانت الموسيقا حزء من جيوش الحرب واعتبر افلاطون ان الموسيقا هي الصفة الثامنة المتمة لصفات الفيلسوف الكامل اي ان يكون صاحب مزاج موسيقى منظم منسجم وعدت الموسيقا مادة من مواد التربية في مدارس اليونان مثلها مثل التربية الدينية أما الرومان فقد كان إمبراطورهم " نيرون" يحب الموسيقا فهو يعزف ويلحن ويرأس الفرقة الموسيقية. وقد سمي المتأخرون الموسيقا "بالغناء" لأن النفس تستغني به عن غيره من الملاذ البدنية في حال سماعه فقد غنى ارسطو وبقراط وجالينيوس كما غني من بني العباس إبراهيم المهدي وابوعيسى بن الرشيد والهادي وابو جعفر المنصور والمعتصم ومن بني أمية غني يزيد بن عبد الملك ورزين أخو يزيد بن معاوية .. يتبع. الموسيقا "2" لقد كان للعرب في عصر نهضتم قصب السبق في الموسيقا فكل آلات الموسيقا التي انتشرت في اوروبا وبالذات في ممالكها الجنوبية كانت آلات عربية جاءتهم من الأندلس وقد كان العود الآلة الرئيسية حتى اخترع البيانو والكمان وقد ذكر المستشرق خوليان رييرا ان الموسيقا الاوروبية الحديثة هي تطور جدي للموسيقا الاندلسية وان كثيراً من الآلات الموسيقى العربية انتقلت باسمائها وألحانها إلى اوروبا كالعود والربابة والناي والقيثارة والنفير والبوق والدف ومن أعلام الموسيقيين العرب ابو يوسف بن اسحاق الكندي عام 120ه وله سبق مؤلفات في العلم الموسيقية ولا تزال هناك مخطوطات له في هذا العلم لم تحقق ، كما كان أخوان الصفا 350ه لهم رسائل تقول بأنه استخرجتها حكمة الحكماء وقد استعملوا الموسيقا في الصلاة والدعاء والتسبيح كما ان الحسن بن احمد الكاتب له مؤلف عام 652ه اسمه كتاب "الموسيقا كمال أدب الغناء" كما أن صفي الدين الحلي البغدادي 655ه له كتاب اسمه " الرسالة الشرفية في النسب التأليفية" وهو يشرح فيه كيفية حدوث الاصوات وما تتميز به النغمات المختلفة وقد عالج فيه قواعد الصوت والابعاد والاجناس والادوار كما ذكر ان محمد بن عبد الحميد اللأذقي له كتاب اسمه " رسالة الفتحة في علم الموسيقا" وهو يعالج علاقة الموسيقا بالرياضيات وكان ذلك في عام 920ه أما الموسيقين من غير العرب اي من المسلمين فذلك ابن سيناء عام 428ه وأبونصر محمد بن طرخان الفارابي عام 300ه وفي كل ما كان من كتب ستجد أن الحجاز كان له انغام مخصوصة وكان غناءه رائع ومطلوب خاصة من الخلفاء وكان إبراهيم الموصلي في عهد الرشيد من ابرع من غنى الأنغام والالحان الحجازية. ثم عقب المؤلف على موضوع الموسيقا والغناء عند القدماء فقال " تسمى الموسيقا عند العرب بالقضب والاوتار والقضب هو جمع قضيب والاوتار هو جمع وتر وذلك مما يحدث صوتاً اذا تقابل مع آخر او بالنفخ فيه مثل الزهارة أو الاسلامية او الاغول مما يخرج صوتا حسنا يتسحسنه الانسان ويستلذه ومن بين ما يستمتع القدماء في سماعه العندليب والاغاني والحداء وكلها لم يرد فيها اي نص بالتحريم ولا بالاباحة وبالتالي تبقى كلها الى الاباحة والإسلام لا يحرم الطيبات ولا السماع البريء يقول الإمام الغزالي في كتابه الاحياء " ومن لم يحركه السماع فهو ناقص .. مائل عن الاعتدال .. بعيد عن الروحانية .. زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور بل على جميع البهائم فإنها جميعها تتاثر بالنغمات الموزونة". وقد سمع رسول الله بنات بني النجار يغنين ويضربن على الدف مرحبين به ولم ينكر عليهم ذلك بل سألهم هل تحبونني قالوا نعم قال يشهد الله أنني أحبكم، وحديث عائشة في البخاري عن الجارتين اللتان كانتا تغنيان في بيت رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجي ونهرهما أبوبكر فقال له رسول الله " دعهما يا أبابكر فإن لكل قوم عيد وهذا عيدنا وليعلم اليهود أن في ديننا فسحة " وما رواه البخاري أن عائشة رضي الله عنها زفت جارية يتيمة كانت في حجرها لرجل من الانصار فدخل رسول الله ولم يسمع الغناء فقال يا عائشة الا بعثت معها من يغني .. فإن الانصار قوم يحبون الغناء .. أو يحبون الغزل فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم رواه البخاري وابن ماجه والحاكم في المستدرك. وعن عائشة رضي الله عنها قالت سافر رسول الله سفرا فنذرت جارية " اي فتاة" من قريش اذا رده الله عز وجل ان تضرب فبيت عائشة بدف.. فلما رجع رسول الله جاءت الحارية فقالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم : هذه فلانة بنت فلان نذرت إذا ردك الله تعالى ان تضرب بدف في بيتي فقال صلى الله عليه وسلم فلتضرب. أخرجه احمد والترمذي وصححه وغنت الغناء وهي تضرب بالدف والرسول يسمع. أقول وبالله التوفيق بأن كل مباح من الطيبات له ميزان فإن أفيض فيه وكان بألفاظه وموسيقاه ما يهذب النفس فذلك لا شك مباح كله إن كان غير ذلك فهو مكروه كله خاصة أذا كان يدعو للمجون وسوء الخلق والتعدي سواء كان ما يخرج من حنجرة الانسان او ما تقوم به الالات الموسيقية. ومن أهم من كتب في موضوع السماع الإمام الغزالي وابن العيسراني محمد بن طاهر المقدسي المتوفي سنة 507ه وللإمام ابن حزم وهو فقيه لايشق له غبار في الاندلس له كتاب اسمه "المحلي" تعرض فيه في الجزء التاسع من هذه المسألة بالتفصيل أي للغناء والمزامير والعيدان والمعازف والطنابير وذكر أن بيعها حلال كله. وفي هذا الباب استعرض من ابن حزم أدلة من قالوا بتحريمها وحلها وذكر وجوه ضعفها وعدم صحتها وأحداً واحداً خاصة ما جاء في قوله الله تعالى : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث" سورة لقمان والآية نزلت في النفر ابن الحارث وهو من ألد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يمشي بين الناس بالحكايات التي فيها كل الخرافات ليصرف الناس من السماع لسيدنا رسول الله لذا فإن الحكايات الخرافية والتي تشد كثيرا من الناس هي المقصودة بلهو الحديث " أولئك في ضلال مبين" رحم الله ابن حزم والغزالي وابن العيسراني ، وبناء على ما قال هؤلاء فلا دليل على الحرمانية وما لم يحرم فهو مباح، أما ما يصاحب الموسيقا من شرب للخمر وممارسات شهوانية فهي حرام ولادخل للغناء والموسيقا بتصرفات المستخصمين لهما، اما من المعاصرين فالشيخ محمد الغزالي رحمه الله له في هذا بيان ورأي صائب بإذن الله وروى حديث رسول الله : لا تشددوا على أنفسكم فيشد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والأديرة رهبانية ابتدعوها وماكتبناها عليهم. ويقول رحمه الله أما الغناء مادام حسنه حسن وقبيحه قبيح ومن غنى أو استمع الى غناء شريف المعنى طيب اللحن فلا حرج عليه وما نحارب إلا غناء هابطاً المعنى واللحن. ويقول سيدنا رسول الله : " روحوا عن القلوب فإن منع القلوب إذا أكلت عميت" صدق سيدنا رسول الله إذا فلا تطرف في السماع ولا الإفراط فيه بما يلهي الناس عن واجباتهم الدينية والدنيوية. وبالله التوفيق