مفهومنا للمواطنة كما نصت عليه الشريعة، يقوم على مبدأ حقوق الانتماء والعلاقة بين الراعي والرعية، مبينة أن على الرعية طاعة ولاة الأمر، وعلى الراعي أن يخاف الله في رعيته. وهذا ما أرسى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، قواعد الدولة الإسلامية الأولى، فوضع وثيقة الحقوق والواجبات للمواطنين المستوطنين في المدينة، ومما نصت عليه الوثيقة أنه من حق المواطن أن يعيش حياة كريمة، تقوم على السلم والمساواة ورغد العيش والأمن والعدالة. ومن واجب المواطن أن يكون مواطنا صالحا، يعمل للخير، ويؤلف بين القلوب، لتسود الرحمة والتآخي والتعاطف والإحسان بين الناس، والإخلاص في العمل، والنية الصادقة في أن يكون حصنا منيعا لوطنه، مدافعا عنه وعن دينه، والتصدي لكل ما يُلحق بوطنه الضرر، أو يشيع فيه الخراب، أو يوقظ الفتنة ويسعى للشقاق والخلاف، وهو من أسباب الاضطرابات وعدم الاستقرار في الدول متعددة الفرق والمذاهب، بما يهدد أمنها عبر صراعات مذهبية وعرقية. ما الذي نقصده بحقوق الوطن وواجبات المواطن؟ لكي نتفق على صيغة لذلك المفهوم، علينا أن نعرف الجوهر لمعنى (الوطنية) و (المواطنة) وأبعاد ثنائيتهما، ولابد من إيضاح الفرق بين معنى المصطلحين، حتى نصل إلى مفهوم واضح لحقوق الوطن وواجبات المواطن، فالمواطنة تعني الانتساب للوطن، أما الوطنية فهي المشاعر التي يكِّنُها المواطن للتعبيرعن انتمائه لوطنه. وبين الحقوق والواجبات يتبيّن لنا مفهوم الانتماء الحقيقي للوطن، في السلوك والأخلاق والفكر والإخلاص والإحساس، قولا وعملا، لأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وليكون من أهل البر والتقوى، فهل يكون المؤمن مؤمنا إن أفسد أو ظلم أو اغتصب أو تعدى على حقوق الغير، أو آذى مسلما أو ذميا أو مستأمنا في وطنه؟ لن يكون المجتمع في الوطن متضامنا موحدا، ما لم يسُده العدل، والقضاء بالعدل، ورد الحقوق، وإنصاف ذوي المظالم. والتعاون بالبر والإحسان. .. ولكن إذا أُعطي المواطن حقوقه في التصويت في الانتخابات والمشاركة في الحوارات الوطنية والشورى، ونعِم بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وعاش في رخاء واستقرار، فإن للوطن حقا عليه وهو أن يؤدي واجبه في الانتماء إليه، مواطنا مخلصا فاعلا، يعطي ليأخذ، ينتج ليساهم في بناء وطنه وتنميته، عينا ساهرة على أمنه كجنوده، غيوراعلى سمعته، مؤتمنا على إخوانه أبناء وطنه والمقيمين فيه. لا يكون عنصرا من عناصر الفتنة والخلافات والتنابذ بالألقاب، والتفاخر بالقبلية، والعنصرية (المناطقية) المقيتة، فتتسع شقة الاختلاف، بإثارة الضغائن والأحقاد، لأن الأهم أن يكون انتماؤنا لكيان الوطن لا للقبيلة أوالمنطقة أو المذهب. وهنا يكمن جوهر الرؤية المستنيرة، لغرس مفهوم المواطنة والوطنية بين المواطنين.