حث الأزهر المصريين على التوافق حول وثيقته الشهيرة التي أصدرها قبل نحو أربعة أشهر من أجل الوصول لتوافق مجتمعي لإنقاذ البلاد من الصراعات والتناحر حول مستقبل البلاد السياسي بخاصة في مرحلة ما بعد الثورة. وقال الأزهر إن وثيقته الصادرة في 19 من يونيو الماضي تمثل مساهمة كبيرة في رسم صورة مصر المستقبل، وقد لاقت منذ صدورها اهتماماً من القوى السياسية والفكرية في مصر، والدوائر البحثية والإعلامية والسياسية في العالم العربي، وخارجه، وهذا يستوجب مواصلة الحوار حولها للوصول لتوافق مجتمعي بشأنها. وكان الأزهر قد أصدر في 19 يونيو الماضي وثيقة توافق عليها مع نخبة من المثقفين والمفكرين المصريين من مختلف التيارات الفكرية لتحديد المرجعية الفكرية والأسس الفكرية العامة التي تحدد مستقبل مصر لمرحلة ما بعد الثورة. وخرجت الوثيقة التي أعلنها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أمس في مؤتمر صحفي بحضور نخبة من المثقفين والمفكرين بمشيخة الأزهر وذلك بعد سلسلة من اللقاءات والحوارات المشتركة في رحاب الأزهر على اختلاف الانتماءات الفكرية والدينية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين في الأزهر. وتضمنت الوثيقة ما توافق عليه المشاركون في الحوار من دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة. ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية. وشدد المشاركون على الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن، ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، دون أية تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. كما نصت الوثيقة على تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الإنسانية، المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري في عصوره المختلفة، وما قدمه من نماذج فائقة في التعايش السلمي ونشدان الخير للإنسانية كلها. وأكدت الوثيقة على ضرورة إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة، وبما يفجر طاقات المجتمع وإبداعاته في الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية؛ على أن يأتي ذلك على رأس الأولويات التي يتبناها شعبنا في نهضته الراهنة، مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجادة واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعاً. ونصت الوثيقة على تأييد مشروع استقلال مؤسسة الأزهر، وعودة "هيئة كبار العلماء" واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر، والعمل على تجديد مناهج التعليم الأزهري؛ ليسترد دوره الفكري الأصيل، وتأثيره العالمي في مختلف الأنحاء.