الدمام – رشا العبدالله إسقاط البنت ولاية أبيها يسبب لها أزمات اجتماعية ونفسية طوال حياتها. أكثر من مليون و600 ألف سعودية عانس تجاوزنَ الثلاثين والعضل أحد الأسباب. بلغ عدد قضايا العضل في المملكة العربية السعوديّة 383 قضية في العام المنصرم 1433ه. وأشار مختصون إلى أنّ العضل، أو منع الولي من تزويج الفتاة، له انعكاسات مجتمعية ونفسية متعددة، مؤكدين أنّ الفهم التقليدي وعادات القبائل وموروثاتها الاجتماعيّة لاتزال تتحكم في تصرفات كثير من الأسر. وأبانوا أنّ بعض القضايا يزدوج فيها دور أحد الأطراف، إذ نجد الفتاة قد فُرض عليها الظلم سواء اتخذت سلوكاً سلبياً برضوخها لتسلط وليها وتجبّره، أو اتخذت سلوكاً إيجابياً بلجوئها إلى المحكمة ومطالبتها بإسقاط الولاية. في الحالة الأولى يكتفي المجتمع بالنظر إليها كضحية ويشجعها على أن تُكمل في دور المظلومة فهو أوجب وأولى لها من الخروج على طاعة وليها؛ وفي الثانية يبغضها المجتمع ويُنكر عليها حقها الذي أخذته بالمحكمة لتصبح «ظالمة» لهذا الولي. وهي الحالة التي تفسر قلة عدد قضايا العضل في محاكم المملكة مقارنةً بعدد الفتيات السعوديات اللاتي تعدين الثلاثين عاماً ومُنعن من الزواج. إسقاط الولاية وأشار المختصون إلى أنه رغم كثرة المحاولات التي قام بها القانونيون والقضاة والجمعيات الحقوقية وعلماء النفس والاجتماع للحد من هذه القضية حرصاً منهم على أن تظفر الفتاة بحقها في الزواج كما شرّعه لها المولى؛ إلا أنهم لا يؤيدون اتخاذها القرار بإسقاط ولاية والدها وليها لما ينطوي على ذلك من الأزمات الاجتماعية والنفسية التي لا تنتهِ عادة مهما مرّت السنوات. وفي كل الحالات تكون الفتاة بين حق ضائع أو حق مُبغض. أسباب العضل صالح اللحيدان يرى المستشار القضائي صالح اللحيدان أنه يتوجب على الفتاة ابتداءً إمعان النظر في الأسباب التي يركن إليها الولي عند رفضه تزويجها، فقد يراها تتعلق بشخص لا أخلاق ولا دين له، أو أنه سبق له الطلاق أكثر من مرة، أو كان شديد الفقر، أو لديه مرضٌ أخفاه وأظهرته تحاليل الزواج ويُخشى انتقاله بالوراثة، أو أن عليه سوابق وأحكاماً، أو غيرها من الأسباب الوجيهة. وكلها أسباب تؤدي إلى حدوث مسألة العضل ولكنا نراه عضلاً لمصلحة الفتاة لا يؤخذ بشكواها فيه. وعن تسلط الولي على الفتاة، يقول الشيخ اللحيدان: أما ما دون ذلك فلا يجوز للولي أن يمنع الفتاة من الزواج إن كان المتقدم ذا عقلٍ ودينٍ وخُلق حتى لا نفتح لها باب اللجوء إلى القضاء وهيئات حقوق الإنسان. يزيدون العنوسة ويقول الاختصاصي النفسي فيصل العجيان: إن الولي حينما يرى في المتقدم للزواج من العيوب ما يمنعه من تزويجها، فإنه بالتالي لا يدعي على نفسه عضلها، وإنما يبرر هذا العضل كونه أعرف بمصلحتها وبالأنسب لها، وهو نمطٌ فكري لأغلب الدكتاتوريين المتسلطين ممن يعتقدون أنهم يمارسون التسلط على من تحت سلطتهم مراعاةً لمصلحتهن. ونجد مثل هؤلاء يعيشون في ظلمةٍ ووهمٍ كبير، ويعتقدون أن الآخرين جميعهم سيئون وغير أكفاء بهذه الفتاة، موهمين أنفسهم أنهم على صواب رغم قناعتهم الداخلية بأنهم يمارسون أحد وجوه العضل على الفتاة، وهو أمر لا نقبله ولا نشجع عليه كونه سلاحاً في يد الولي يؤدي إلى تفاقم ظاهرة العنوسة وضياع حق الفتاة في إتاحة الفرصة لها لإبداء رأيها والخوض في تجربة قد لا تكون هي الأسلم من وجهة نظر الولي؛ فعليه أن يكون ناصحاً مرشداً لا متعسفاً في إبداء رأيه للحد الذي يجعله يعضلها ويُلغي كيانها وشخصيتها، خاصة وإن كانت في السن التي تسمح لها باتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها وحقوقها. البر بالولي أولى صالح الصقعبي من جهته، يؤكد المحامي صالح الصقعبي أن صلة الرحم وبر الأب من أعظم الواجبات، الأمر الذي قد تضيع جميع معانيه بلجوء الفتاة إلى المحكمة في محاولة منها لإسقاط ولاية والدها أو أخيها. لذا فالأولى بها أن لا تتسرع في ذلك وأن تحاول إقناع الولي بالطرق الودية سداً لباب القطيعة. حجة الطمع في الراتب وقال الصقعبي إنه يستنكر على كثير من الفتيات خاصةً ممن يلجأن إلى المحكمة، تعذرهنّ بطمع الولي في راتبهن واستنادهن إلى ذلك بشكل أساس في طلبهن الإسقاط؛ حيث إنه يرى في العضل من الأسباب ما يكثر ويختلف باختلاف البيئة الأسرية والمستوى الثقافي، مما يقتضي بحق أن لا نظلم الآباء جميعاً باعتبارهم يرفضون تزويج بناتهم طمعاً في الراتب، حيث إن هذه الحالات نادرة والنادر لا يُقاس عليه؛ خاصةً وأننا بنظرة متعمقة إلى العانسات في مجتمعنا السعودي نجد أكثرهن ممن نشأن وسط أهل علم. تريّث القاضي ويتفق اللحيدان مع الصقعبي، ويعدّ إلقاء الجزاء على الأب بإسقاط الولاية عنه من الأمور التي تبلغ خطورتها، الأمر الذي يدفع القاضي للتريث والتتبع والبحث فيما لو كانت الفتاة المتقدمة بطلب الإسقاط تميل للانحراف الفكري أو الأخلاقي أو الأدبي، وذلك بسؤال الأقرباء والأصحاب؛ فإذا ثبت بعد ذلك صدق ادعائها وعضل الولي، يشرع القاضي في محاولة إقناعه، خاصة وأن كثيراً منهم يستجيب ويعترف بحق الفتاة دون الحاجة إلى إسقاط ولايته. قلة من النساء فيما يوضح العجيان أن من يصلن إلى مرحلة إسقاط الولاية قلة من النساء، لأن طبيعة مجتمعاتنا الشرقية تعيب على الفتاة خروجها ضد أبيها، ومن تتخذ قراراً بخرق هذه الضوابط الاجتماعية والأخلاقية إنما هي تبرهن على مدى التعسف والتسلط الذي تواجهه من قِبل الولي، وهؤلاء نعدّهنّ القادرات على وضع خياراتهن وتحديد وجهتهن بالشكل الذي يرينه الأنسب لهنّ لا كما رسمته الضوابط بأشكالها كافة أو رسمه من له سلطة التوجيه. قانون عقاب وعن المطالبة باستصدار قانون لمعاقبة الولي ليكون حلاً بديلاً عن لجوء الفتاة إلى إسقاط الولاية؛ فيتفق كلٌ من الصقعبي واللحيدان على أنه يصعب صدور مثل هذا القانون في المملكة، نظراً لما أولاه الشرع من قيمة عظيمة للأب لا يمكن انتزاعها منه لحل بعض القضايا أو الأزمات التي يمكن حلها بالطرق الودية السليمة، باستثناء الأخ أو الوصي أو العم ممن يمكن معاقبتهم على القمع والتسلط الموجّه من جانبهم. لجنة التكافل الأسري وأشار رئيس لجنة التكافل الأسري غازي الشمري، إلى أنه من خلال تجربتهم في التدخل لحل مشكلات العضل باستدعاء الولي وتخويفه بالله حرصاً على عدم وصول الفتاة إلى المحكمة، يجد استجابة كبيرة من الأطراف للقبول بالصلح دونما الحاجة إلى اللجوء للقضاء، مما يدل على تعاظم الخير لدى أفراد مجتمعنا، وأنهم فقط يحتاجون من يسمع إليهم ويفند مشكلاتهم ويعرض عليهم الحلول المناسبة، مما يؤكد على ضرورة وجود مكاتب صلح في المحاكم، خاصة مع تزايد القضايا الأسرية التي تحتاج إلى من ينظرها من المصلحين؛ حيث إن وجود هيئات النظر ليست كافية لحل كل هذه المشكلات. كما يشير إلى أن مسألة تأخر النظر في القضايا من الأمور التي تزيد من عمق المشكلة وتؤدي إلى نتائج لا يمكن تداركها فيما بعد. الأثر النفسي ومن الناحية النفسية، يرى العجيان أن بعض الآباء يتبنون أفكاراً تعدّ الفتاة عورة للحد الذي يصعب معه إقناعه بتسليمها إلى شخص ما يكون زوجاً لها، فكثير منهم يتمنى أن لا تخرج ابنته من المنزل خاصة في الفترات التي تظهر فيها أنوثتها وتصبح مطلوبة للزواج مما يزيد من غيرته عليها لدرجة أنه يحاول إخفاءها؛ أو يبدأ يعيب على الآخرين باعتبارهم غير أكفاء، وذلك للتخلص من الشعور السلبي الكامن في اللاشعور لديه. اضطرار الفتاة وأشار العجيان إلى أنّ ذلك يؤدي بالفتاة إلى أحد أمرين: إما أن تسلم أمرها لهذا الولي الذي لا يكترث بمصلحتها وتضحي بحقها في الزواج؛ وهي حالة لا تمكث على التحمل طويلاً، وقد تنكسر بعد فترة من الزمن، خاصةً بعد أن تكتشف أن تضحيتها لأجل غيرها لم تكن عوضاً لها عما ضاع منها. أو أن تقرر الذهاب إلى المحكمة؛ الأمر الذي يُحدث ما هو أشبه بالانقلاب؛ ويكون أشد على الأب من انقلاب الشعب على حاكمه، لأن الحاكم لم يُنجب هذا الشعب، بينما يعيش الأب أزمة نفسية شديدة لأنه هو من أنجب هذه الفتاة التي يرى من وجهة نظره أنها تسلبه جميع القيم الأخلاقية والدينية التي مُنحت له. آثار سلبية على حياتها ويضيف العجيان: من ناحية الفتاة فنجدها تأسف عادةً على وصولها إلى المحكمة وحصولها على حقها في الزواج بإسقاط ولاية والدها، الأمر الذي لا تنتهي معه الآثار السلبية على حياتها، وقد يكون أيضاً على زوجها، خاصةً حينما تكتشف أن اختيارها الذي خرجت به عن المألوف من أجله لم يكن هو الاختيار السليم؛ مما يجعلها تتساءل: هل هذا هو الزوج الذي اخترت من أجله أن أقف أمام المجتمع والأب والعائلة؟! إلا أنها سرعان ما تقنع نفسها بالتخلص من هذا الشعور السلبي بأنها اتخذت قرارها وحققت رغبتها وحاربت الاستخدام السيئ للسلطة التي أطلقها الشرع والقانون للولي مما أتاح لهم فرصة العضل. حلول مقترحة ويؤكد العجيان على ضرورة أن تكون الفتاة أقدر على توكيد الذات، وأن تستطيع مجابهة وليها بقول ما تريد ورفض من لا ترغب في الزواج منه دون إحداث شرخ أو مشكلات داخل الأسرة. معيباً على كثيرات منهنّ عدم قدرتهن على قول (لا) وصمتهن تجاه العضل ادعاءً للخجل أو خوفاً من أن توصف بأنها عاشقة ومحبة للزواج؛ باعتبار ذلك نوعاً من أنواع الاحترام، وهو ما يسمى لدينا ب»ضعف التوكيدية» الذي نأبى للفتاة أن تتصف به حتى لا تكون صنعت بنفسها ولياً معضلاً. احترام رأيها وأشار العجيان إلى أن الفتاة التي تكون أكثر قوة وقدرة على اتخاذ القرار تستطيع أن تواجه العضل بشيء من المشاكسة والصراع مع الولي، ويمكنها أن تحث الشاب بطريقةٍ أو أخرى على الانتظار إلى أن تجد مخرجاً مع وليها لإقناعه بتزويجها دون اللجوء إلى المحكمة، التي قد تؤتي من النتائج ما يُعدّ بمثابة كارثة على المستوى الاجتماعي والأسري. كما أكد على أهمية أن يكون دور الولي منصباً على محاولته إنضاج اختيارات الفتاة وترسيخ المعايير السليمة للاختيار، دون أن يتعسف في رأيه أو يقف ضد رغبتها، تاركاً لها المجال لتعيش تجربتها الخاصة احتراماً لكيانها ورأيها الذي ينبغي الأخذ به. تجارب الواقع وعن تجارب الواقع، يقول الصقعبي: اطلعتُ على إحدى القضايا التي تم عرضها عليّ للنظر في أمرها، كانت حادثة قتل؛ فاستوقفني فيها ما جعلني آمُل أن ينهض المجتمع بأكمله لمحاربة العضل، خاصة حينما يتعلق بالقاصرات. ويقول: القضية تتعلق بمقتل رجلٍ متقدمٍ في العمر، كان من ضمن من لهم الحق في دمه زوجة عمرها أقل من أربع سنوات، يطالب لها والدها بهذا الحق على اعتباره وليها. وهو الأمر الذي يقتضي الوقوف على أمر تزويج مثل هذه القاصرة باعتباره من أشد وأعنف حالات العضل التي استخدم فيها الولي طغيان سلطته في الولاية. مليون و600 ألف امرأة غازي الشمري ويقول غازي الشمري: لدينا في المملكة أكثر من مليون و600 ألف امرأة سعودية تجاوزن الثلاثين دون زواج وفقاً لإحصائية وزارة التخطيط، وهو ما يستدعي الوقوف على قضايا العضل كأحد أهم أسباب العنوسة في مجتمعنا. قسوة الولي أما العجيان فيقف من خلال إحدى الحالات على شدة قسوة الولي، التي تجبر الفتاة على اللجوء إلى المحكمة رغم رفضها ابتداءً ذلك، ويروي قصة من الواقع فيقول: أذكر قصة امرأة عانت من العضل سنوات عدة، وكانت تأبى على والدها أن تُسقط ولايته عنها، فحاولت اتخاذ بعض السبل السلمية في محاولةٍ منها للضغط على هذا الوالد المتعسف، وقررت الامتناع عن المأكل والمشرب لمدة شهرٍ كامل؛ أملاً منها في أن يلين قلبه، وما وجدت منه إلا ازدياداً في القسوة وفتوراً في العاطفة، مما ترك أثراً سيئاً في نفسها كونه لم يهتزّ له جفن ولم يُشعرها بخوفه عليها، وهو أقل ما كانت تتمنى أن تجده منه حتى ولو بقي على رأيه لشدة احتياجها لأن تشعر بمحبته لها وقيمتها لديه، الأمر الذي دفعها على كراهيته وعدم قدرتها على مسامحته.