تدرّج الكفيف أنور محمد النصار في السلم الوظيفي منذ عام 1987م، مبتدئاً بوظيفة معلم في معهد للمكفوفين، مروراً بمدير لإدارة العوق البصري، وأخيراً مكلفاً بإدارة مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم، وبين أول منصب وآخره، يلخص ل»الشرق» أهم ما به وما كان يطمح فيه، إضافة إلى رؤيته حول تطوير الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى رأسهم المكفوفون، ومن بينها مطالبته بأن يمثل المعاقين عضو في مجلس الشورى، وإيجاد مظلة قانونية تحميهم من تسلط الآخرين. * في عام 1381ه رفضت المدارس الحكومية قبول المكفوفين، هل يعود ذلك إلى عدم الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة؟ وكيف تجد الوضع الآن؟ مع بدء انطلاقة التعليم الأساسي في السبعينيات الهجرية، فُتح التعليم أمام المكفوفين، وبعد اعتماد طريقة «برايل» في وزارة «المعارف»، افتُتح معهد النور للمكفوفين في الرياض في 1380ه، وشهد ذلك الوقت توجهاً عاماً لافتتاح مؤسسات تعليمية خاصة في معظم الدول العربية، وكان متبنوها يعتقدون أن تعليم المكفوفين ينبغي أن يكون في أماكن معزولة، وهو اعتقاد تجاوزه الغرب. كانت المناهج في معهد النور من مقررات التعليم العام، ولعدم وجود خدمات تربوية مساندة للمكفوفين في التعليم العام، أُلزم المكفوفون بالالتحاق بالمعاهد الخاصة، التي توالت في الافتتاح للذكور والإناث. تطورت الخدمات التعليمية، وتم دمج المكفوفين في المدارس العامة، وتزامن ذلك مع اعتماد استراتيجية للدمج التربوي، والتوسع في افتتاح برامج الدمج في المدارس العادية. ولضمان جودة المتابعة افتُتحت أقسام للتربية الخاصة في إدارات التربية والتعليم. وفي عام 1422 صدرت «القواعد التنظيمية لمعاهد وبرامج التربية الخاصة». * كيف تقارن وضع الطلاب المكفوفين في أمريكا والمملكة في ضوء ابتعاثك؟ إن المقارنة بين الخدمات التربوية عموماً وخدمات التربية الخاصة على وجه الخصوص في أمريكا وفي المملكة أمر مجحف بالنسبة لبلادنا، ففي البلاد الغربية يعمل التربويون على تطبيق البحث العلمي بالدرجة الأولى للوصول إلى أفضل الطرق التطويرية، ومن ذلك أن اختيار معلمي التربية الخاصة يخضع لضوابط صارمة، ويملك مدير المؤسسة التعليمية حقاً كبيراً فيها، فيحق له استقطاب الأفضل منهم وإقالته عند تدني مستواه. أما في بلادنا فنفتقر إلى التطوير المبني على البحث العلمي. * هل صحيح أن المملكة تفتقد إلى قاعدة معلومات وإحصاءات عن عدد المعاقين فيها؟ صحيح، فكل قطاع من القطاعات له إحصاءاته الخاصة بالمستفيدين من خدماته، المختلفة عن الأخرى، ما نحتاجه توحيد الإحصاءات في قاعدة بيانات، لتتوحد جهود الدولة في نوع وكيفية تقديم الخدمات الخاصة بالمعاقين، وأتمنى أن يكون للأحوال المدنية دور فعال في رصد الحالات. * في رأيك ما أبرز الاحتياجات التي ينتظرها المكفوفون؟ أبرز ما يحتاجه المكفوفون على مستوى القوانين والتشريعات أن يمثلهم أحد المعاقين بصرياً كعضو في مجلس الشورى، ليكون صوتاً يطالب بحقوقهم ويوضح احتياجاتهم قبل الموافقة على أي قانون أو تشريع، وقبل رفعه إلى المقام السامي لاعتماده. كما يحتاجون إلى مظلة قانونية يحتكمون إليها، فلا توجد حتى الآن جهة تشريعية عليا يحتكم إليها المعاقون. * ما أبرز القضايا التي يجب أن توليها الجمعيات الخاصة بالمعاقين؟ في المملكة ثلاث جمعيات خاصة بالمعاقين بصرياً: جمعية إبصار في جدة، وجمعية العوق البصري في القصيم، وجمعية المكفوفين الخيرية في الرياض. وتوجد فروع ملحقة للمعاقين بصرياً في بعض الجمعيات العامة كجمعية مضر في القطيف. لكنها غير كافية، ونجد محافظات لا يمكنها تلبية متطلبات تأسيس الجمعيات المعتمدة من قِبل وزارة الشؤون الاجتماعية، أعتقد أننا بحاجة إلى توحيد جهود الجمعيات في مركز واحد وله فروع في المحافظات. * هل أنت راضٍ عن أداء الوزارة وخصوصاً قسم التربية الخاصة؟ عندما كنت طالباً في معهد النور ثم معلماً فيه، لم ألاحظ تغيراً في الخدمات المقدمة من وزارة «المعارف»، انحصرت في توفير الكتب والأدوات، بعد التوسع في دمج ذوي الإعاقة في التعليم العام، صارت الحاجة إلى الدعم المعنوي والمادي أكثر، إلى أن أصبحت خدمات التربية الخاصة معتمدة ضمن أبرز التجارب الناجحة في الأممالمتحدة باسم (النموذج السعودي). أما الآن فلنقصِ الثقة في مشرفي التربية الخاصة من قِبل بعض أصحاب القرار في وزارة التربية والإدارات، صارت التربية الخاصة تحت الوصاية، وتعثرت طموحات واستراتيجيات المشرفين التربويين، وتحوّلت التربية الخاصة إلى بيئة طاردة للمختصين. ويبلغ عدد المستفيدين لهذا العام 39745 طالباً وطالبة، موزعين على 2855 معهداً وبرنامجاً. سيرة ذاتية مبصرة فقدت البصر في مرحلة المراهقة، بسبب مرض في شبكة العين، لم تكن للنظارة الطبية أي مفعول، بعد تزايد المرض في نهاية المرحلة المتوسطة، أخافني المستقبل المجهول بسبب العجز البصري، كان العمى يخيفني في عالم، لم تكن هناك خدمات تأهيلية لفاقدي البصر. أنهيت المرحلة المتوسطة، ثم، بعد زيادة ضعف البصر، التحقت بثانوية معهد النور للمكفوفين، تضاربت مشاعري في تلك البيئة بين القبول والرفض. أحسست بالأمان لقلة عدد الزملاء، كانوا خمسة طلاب. خفت، لأن بعض الزملاء يكبرونني بسنوات، قلة العدد جعلت الحياة الاجتماعية في المعهد مملة، كنت اجتماعيا وأحب التنويع والإكثار من الصداقات، أما في تلك البيئة المعزولة كنت ملزما بالارتباط بعدد محدود من الزملاء. عدت إلى المملكة من الولاياتالمتحدةالأمريكية نهاية عام 1987م، لم أستطع دخول العمل التربوي، بحثت عن وظيفة، لكن دون جدوى، رفض المسؤولون استلام ملفي، بدعوى أن وظائفهم لاتصلح لمن لديهم كف بصر. أخيرا، عملت مترجما فوريا في عيادة الأسنان الخارجية في المستشفى العسكري بالرياض، لم أستمر في الوظيفة طويلا، فقد صدر تعييني كمعلم في أحد معاهد المكفوفين. * تدرج في المناصب: مدير معهد النور بالرياض مشرف تربوي بالإدارة العامة للتربية الخاصة. مدير لإدارة العوق البصري. مكلف بإدارة مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل. يعمل محاضرا بقسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود أكثر من 14 عاما. يشغل منصب نائب لمجلس إدارة جمعية المكفوفين بالرياض. مدير تحرير مجلة الفجر الشهرية بطريقة برايل. * قضايا يعمل على تحقيق بعضها: تفعيل اتفاقية حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة التي صادقت ووقعت عليها المملكة عام 2007م، وتعديل نظام رعاية المعوقين بناءً عليها ليصبح نظام حقوق المعوقين بالمملكة. تشكيل المجلس الأعلى للإعاقة المعطل منذ صدور النظام عام 1421ه. تمكين المعاقين من تمثيل إعاقاتهم في جميع المحافل المحلية والدولية، وفي لجان القطاعات الحكومية. العمل على تنويع عناوين المطبوعات بطريقة برايل.