الاعتداءات على ساهر، وفي مختلف المناطق، هي حالة لافتة تدعو للتحليل وكشف الأسباب خصوصاً أنه الجهة الوحيدة التي يجيء الاعتراض عليها عبر العنف المتعدد المستويات الذي يتخذ طابعاً إجراميا مغموساً بالدم وينهي حيوات موظفين بسطاء يؤدون عملهم المناط بهم. وهو عنف يتسم بطابع التشفي والحقد إلى درجة أن بعض المخربين يصورون اعتداءتهم ويبثونها أيضاً. السؤال: لماذا “ساهر”؟ وأين مكمن الخلل؟ وما سبب هذه الغضبة عليه؟ بدءاً فإن “ساهر” هو المؤسسة الصارمة الوحيدة في البلد التي كسرت قواعد الواسطة، وألغت امتيازات القرابة والمعرفة، وأنهت سلطة النفوذ الفردي؛ إذ أن حكمها بالمخالفة لا يمكن إلغاؤه إلا بدفع الغرامة. وأن أدلتها لا تحتمل الخطأ أو تقبل الإنكار. وهذه صدمة ثقافية لمجتمع اعتاد التحايل على الأنظمة، وينظر إليها على أنها أحد أبواب استعراض النفوذ، وحجم الصداقات المرورية، يضاف إلى ذلك أن السرعة وقطع الإشارة سلوك شائع لدى شرائح عريضة من الشباب استناداً إلى سهولة إسقاط المخالفات. لا يمكن الاكتفاء بتجريم عمليات التخريب مع أنها إجرامية بكل المعايير، بل لابد من الالتفات إلى سبب هذه النقمة والتعاون عليها لأن أي فعل لا ينشأ من فراغ وإنما هو مرتبط بملابساته الاجتماعية الأخرى. السؤال الأساسي الذي يتكرر طرحه هو: لماذا تطبق العقوبات بسرعة بينما تتأخر الحقوق؟ الشاب الذي يركض بملفه من جهة إلى أخرى بحثاً عن وظيفة لا يحصل عليها بينما يعود محملاً بفواتير ساهر. المريض يبحث عن ألف واسطة ليضمن علاجاً سريعا أو سريرا ضروريا ويطلب منه أن يتفهم الصعوبات والازدحام ونقص الأسرة، بينما ساهر لايعترف بغير الدفع دون تأخير وإلا بلغت الغرامة قيمتها القصوى. ساهر يخاتل الناس بدل أن يعلمهم فكأن القصد هو الاصطياد وليس التوعية علماً أنه غير مطبق بشمولية تجعله واقعاً مفروضا في كل مكان، ولم يطبق تدريجياً لمنح الفرصة لاستيعابه. لو أخذ الناس حقوقهم كاملة لغدا ساهر جزءا من البيئة ومتكاملاً معها وليس شذوذا وتفردا، تجعل النظام مجرد واجبات دون حقوق.