الضمير العالمي: تتكرر هذه الجملة وعدد من مشتقاتها ومرادفاتها في أحاديثنا اليومية وكثير من الوسائل الإعلامية المحلية والعالمية، هل تصف هذه الجملة مصطلحاً حياً ذا معنى متفقاً عليه عالمياً؟ هل للعالم مع تنوع ملله ونحله وإيديولوجياته وتطلعاته ضمير مشترك حي ونابض يتعالى على كل الاختلافات والحواجز؟ أو لعل هذا المصطلح هو بعض من إفرازات إحباطاتنا الإقليمية؟ أم هل هو محاولة مكشوفة للتهرب من مواجهة الذات والإسقاط على المجموع حتى يضيع دم الضحية بين القبائل؟ إذا سلمنا جدلاً بصحة هذا المصطلح وقبوله عالمياً فما هي ترجمته في الواقع؟ أم هل هو مجرد وخز عابر وتأنيب وقتي عقيم لا تتولد عنه مشروعات تغيير أو مخططات إصلاح؟ هل تجسد منظمات حقوق الإنسان العالمية والعفو الدولية وأطباء بلا حدود وسفن الحرية ومثيلاتها الضمير العالمي؟ هذه أسئلة مؤرقة تبحث عن إجابة وروح تبحث عن جسد، ولعلنا نطرح الموضوع في سؤال وصورة أكثر إحاطة بجوانبه: هل للضمير العالمي مفهوم واضح وترجمات متوافقة واستراتجيات موحدة وخطط عمل متناغمة الأهداف؟ أم هل يحتاج الضمير العالمي إلى ضمير وصياغة جديدة ومنظمة تدفعها يقظة نشطة ومتجددة تقدر حجم التحدي وتستثمر الجهد اللازم للتصدي؟ هل تعلمنا موافقة رسولنا الكريم لمبادئ حلف الفضول، الذي عقد قبل الإسلام، بأن الضمير البشري -في أصل فطرتة- يتألم للأسباب ذاتها فلا يرضى الظلم والعدوان وإن اختلفت العقائد والانتماءات؟ كيف تجذب هذه الصياغة الجديدة للضمير العالمي ضمائر الأحرار في كل العالم وتوحد كلمتهم وتفعل طموحاتهم المشتركة؟ أسئلة عديدة تحتاج إلى فريق عمل تطوعي عالمي يبدأ عمله في هذا المشروع العالمي ببناء الأسس القوية والقواعد الصلبة، و لعل من أهم هذه الأسس: 1 – اتخاذ الأخلاق والقيم السماوية المشتركة بين الشعوب: كأساس ومرجع أخلاقي تنبثق منه برامج العمل وتبنى عليه القرارات ويحتكم إليه في الخلافات. 2 – الوعي المبني على البحث الدؤوب والمنصف والموثق بالأدلة الدامغة والبراهين الساطعة، بحث جريء يعيد كتابة التاريخ بعد فضح مغالطاته وإزالة شكوكه وتلبيساته، ويستعمل القنوات الإعلامية العالمية بطريقة قانونية وفاعلة ومركزة لنشر الحقائق المصححة وإعادة تثقيف الضمائر المضللة واستمالتها للحقيقة ومطالبها المشروعة. 3 – التواصل الفاعل والمؤثر بين ضمائر الشعوب الحية بشتى الطرق والأساليب، وفي هذا السياق تذكر وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة المتصلة بالشبكة المعلوماتية العالمية، ولايشك كل ذي نظر سليم بأن العلم المنهجي -غير السطحي- بهذه التقنيات هو السبيل الصحيح لإعلاء مستوى الإفادة وإثراء النتائج المرجوة منها. 4 – إعادة بناء العملية الإعلامية العالمية أو التغلغل فيها بإنشاء إعلام قوي ومواز يقوم بتصحيحها تصحيحاً ممنهجاً من جذورها لمواجهة الإعلام المسيس والمغالط للحقائق. 5 – التفاعل مع كل القضايا العالمية العادلة تفاعلاً لا ينزلق وراء المزايدات الإعلامية المضللة التي تكيل بمكيالين فتضخم معاناة طرف وتغفل حقوق الأطراف الأخرى، و لعل هذا المسلك يستميل الآخرين لقضايانا العادلة عن طريق التفاعل مع قضاياهم ومناصرتها، فالمظلوم أخ للمظلوم لم تلده أمه، وتقوى رابطة الإخوّة الوجدانية هذه إذا كان العدو الظالم مشتركاً. 6 – دراسة تفاصيل ما يسمى بالقانون العالمي بهدف معرفة المداخل المتاحة والتناقضات التي تعطي لصوت الضمير وزناً وتأثيراً فاعلاً وتبين له الثغرات ومساحات العمل الممكنة، وهي بلا شك كثيرة، ودليل ذلك أن بشرية المصدر لهذا القانون ( لو كان من عند غير الله) ضمان إلهي لوجود الاختلاف في ثناياه (لوجدوا فيه اختلافا كثيرا). إن إعادة صياغة الضمير العالمي أمل يدغدغ خيال الكثير، فهل هو حلم من أحلام المدينة الفاضلة؟ أم هو مشروع ضخم قابل للتحقيق ينادي القادر ويوقظ النائم ويحي الأمل في غد مشرق يحركه ضمير عالمي حي ونابض ومنظم وفاعل؟ ضمير يبحث عن الحقيقة ولا ينحاز للون أو فئة أو قوة فليس هناك أقوى من وخز ضمائر الأحرار.