الدمام – سحر أبوشاهين الجحلان: بعض المواقع تُغلَق من وجهة نظر معينة فحسب. البازعي: الحجب فرض للوصاية الفكرية على الناس.. والتاريخ تجاوزه. أبوعايشة: 300 طلب حجب يَرِد إلى هيئة الاتصالات يومياً يعرّضها للأخطاء. الخويلدي: لا حجب إلا بالقانون.. وعلى الهيئة توضيح الحيثيات لنفي شبهة الانتقائية. الشريف: من حق من أُغلق موقعه دون إنذار التظلم والمطالبة بالتعويض. رفضت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، كجهة رقابية على المواقع الإلكترونية في المملكة، الإدلاء بأي تصريح ل»الشرق» حول معايير وشروط حجب، أو فتح، أي موقع إلكتروني؛ كذلك حول عدد المواقع الإلكترونية المحجوبة، متعللة بأن التعليمات لديها تقضي بعدم الحديث بتاتاً عن موضوع الحجب. فيما يعدّ إعلاميون ومثقفون الحجب نوعاً من الوصاية الفكرية على الناس، وأسلوباً تجاوزه العصر، ومفعوله وقتي وقصير المدى، كون فك حجب تلك المواقع أصبح سهلاً، وفي متناول أصغر مستخدم للإنترنت، وكون الحجب يروّج للموقع المحجوب بناء على أن كل ممنوع مرغوب. ويرى هؤلاء أن الحل ليس في الحجب في حد ذاته، بل في التثقيف والتوعية وتنمية الحس بالمسؤولية الاجتماعية، وإن كانوا لا يختلفون على أن المواقع الإباحية واجبة الإغلاق، ولا خلاف عليها، ويصرّون على أن الحجب لا يجب تركه لاجتهادات شخصية قد تحمل شبهة الانحياز، بل يجب تفعيل قانون وزارة الثقافة والإعلام القاضي بأن الحجب لابد أن يكون قانونياً، كي تحفظ حقوق الأفراد والجماعات، وكي يحق لكل متضرر التظلم إذا تم حجب موقعه دون تبرير: الحجب والعصر سلطان البازعي يرى المستشار الإعلامي سلطان البازعي أن الحجب تجاوزه التاريخ، فأصغر طفل يملك تقنيات ووسائل لفك الحجب، وكثير من متخذي القرار لا يدركون حقيقة أن حجب بعض المواقع يفيدها أكثر مما لو كان الموقع متاحاً. مضيفاً «ذلك يزيد من رغبة الناس في الوصول للموقع المحجوب، حيث تتوافر برامج على الإنترنت تسهل فك الحجب، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي سهلت الوصول للمواقع المحجوبة، لأن فيها بروكسي يفتح رابط الموقع المحجوب عندما يوضع فيها»، ورأى أن الحجب هو نوع من الوصاية الفكرية التي لم تعد مقبولة في هذا العصر، فالوصول للمعلومة متاح، وحالة الإغلاق الكامل غير ممكنة. ورغم أن بعض الدول تفرض قوانين حجب صارمة جداً، فإن الناس فيها مازالوا قادرين على الوصول للمعلومة، ويقع على عاتق الأهل تربية أبنائهم تربية سليمة وتوعيتهم، وتثقيفهم، ما يوجِد في داخلهم رقابة ذاتية. تجاوز الحجب هيثم أبوعايشة ويخالف المدير التنفيذي لشركة «صحارى نت»، ورئيس لجنة الاتصالات وتقنية المعلومات في غرفة الشرقية، هيثم أبوعايشة، الرأي القائل بسهولة فتح المواقع المحجوبة، ويقول إن ذلك ليس بالأمر السهل، وينحصر في فئة قليلة من الناس، ومن غير المعقول ترك المواقع غير المقبولة في عرف الدين، أو المجتمع، مفتوحة، لمجرد وجود من هو قادر على فك الحجب، ففائدة الحجب عامة، وفيها حماية للنشء من الوقوع في براثن الإباحية، والتشدد، والانجراف وراء الأفكار الهدامة، أما ضرر فتح المواقع فمقتصر على فئة قليلة، نافياً وجود عشوائية في حجب المواقع، بل هي أخطاء غير مقصودة، لكثرة طلبات الحجب التي ترد إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، والتي تصل إلى 300 طلب في اليوم الواحد، ونتيجة لكثرة المعايير التي تحجب المواقع على أساسها، فقد يحجب موقع ليس لمحتواه، بل للإعلانات المنشورة فيه، لافتاً إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المسؤولة عن الحجب، حيث تطور من تقنياتها باستمرار، مضيفاً «لو أوقف التطوير شهراً واحداً لأحدث ذلك خللاً في فعالية الحجب، ويتلقى الفريق الفني القائم على الحجب في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات رسائل من المستخدمين تشرح وتبرر عدم صحة حجب موقع معين، وقد يقول قائل إن الدولة لا تملك الوصاية على المواطنين، وهذا أمر فيه خلاف، ويحتاج إلى تفصيل وتأصيل شرعي، فالراعي مسؤول عن الرعية أمام الله، ومن واجباته حماية الرعية من الفساد والإفساد، ويقتضي الحال عدم المساس بحرياتهم الشخصية، التي لا تتعدى قيم المجتمع»، مؤكداً أن الأموال التي تنفقها المملكة على الحجب في محلها، ولا تذكر مقارنة بالفائدة، والحجب أمر لم تبتدعه المملكة، وسبقتنا إليه ألمانيا، وماليزيا، ودول كثيرة غيرها، وتدور في برلمانات هذه الدول معارك ومشادات كلامية كثيرة في هذا الخصوص، مشيراً أن عملية الحجب المستخدمة واحدة، وهي طريقة القائمة السوداء، بمعنى أن تكون جميع المواقع مفتوحة، ويتم إغلاق قائمة من المواقع التي تخالف الأنظمة والمعايير الموضحة على موقع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات. وأكد أبوعايشة «نحن مجتمع نحاول الحفاظ على قيمنا ومعتقداتنا، ولا نلوم الغرب في نظرتهم لنا، لأنهم ينظرون للأمر من ناحية تفكيرهم الليبرالي، الذي لا يتسق مع توجهات ولاة الأمر في الحفاظ على الهوية الإسلامية لهذه البلاد في ظل وجود قيادة التكنوقراط». حجب.. لكن بالقانون ميرزا الخويلدي ويقول مدير التحرير في صحيفة «الشرق الأوسط» ميرزا الخويلدي، «يحمل الحجب جانبين، الأول أن مبدأ الرقابة يفقد جدواه مع سيل تدفق المعلومات، ويحمل تجاوزات فيما يتعلق بحقوق الإنسان. ومن جانب آخر، تفعل الرقابة للحد من تأثير المواقع التي تبث الكراهية والحقد، كحجب موقع You tube إذا سمح بعرض الفيلم المسيء للرسول، على اعتبار أنه يحرض على كراهية المسلمين، ويسيء لمشاعر الملايين من محبيه». مضيفاً «كأمثلة على المواقع التي يجب حجبها تلك المحرضة على الطائفية والعنصرية، والتعدي على المقامات والأديان وازدرائها، أو المواقع المحرضة على العنف، أو تلك الداعية للخروج على ولي الأمر، أو النظام العام، أو الموالية لجهات خارجية، فيحمي ذلك قيم الدولة، ويفعّل التعايش السلمي بين كل الأطراف، وهو هدف الجميع، مشيراً إلى أن ذلك لا يجب أن يترك للتقديرات والأهواء الشخصية كي يسمح لها بإغلاق منابع الفكر الإنساني بحجة التصدي لهذا النوع من المواقع، مشدداً على ضرورة تفعيل دور القانون، بحيث لا يحجب أي موقع إلا بموجب القانون، وهو الأمر غير المطبق، وغير المفعل في المملكة حتى الآن، فمدينة الملك عبدالعزيز لديها صلاحيات كاملة لحجب المواقع، وهي لا تعطي أي إيضاحات لأسباب حجب موقع معين، وكثيراً ما تغلق مواقع نتيجة اجتهادات، أو وشايات من أشخاص، أو محتسبين، رغم أن تلك المواقع تدعو للتعايش السلمي والمحبة، في حين تبقى مواقع أخرى مفتوحة، وتكون أشد ضرراً من تلك المغلقة، والتوضيح هنا ضروري لنفي شبهة الانتقائية في إقفال مواقع دون أخرى». ويختتم الخويلدي «لابد أن نكون، نحن المثقفين، دعاة تفعيل دور القانون، وأن يكون الحجب عن طريقه فقط، وهذا القانون وضعته وزارة الثقافة والإعلام، وتفعيله يقتضي السماح للمتضرر من حجب، أو عدم حجب، موقع، بالتقاضي أمامها، وسيكون أي فرد أو جماعة قادراً على التظلم إذا ما تعرض للتحقير والإهانة والسب، من خلال موقع معين، ومن الضروري تعريف الناس بهذه الحقوق». الحكومات والفضاء د. عبدالله الجحلان وأوضح أمين عام هيئة الصحفيين عبدالله الجحلان، «طالبنا بانضمام أعضاء من الجمعية السعودية للإعلام والاتصال لهيئة الصحفيين، وإلى الآن لم يُستجب لطلبنا»، موضحاً أن الحجب مفعوله قصير المدى، ويردع موقتاً بعض مواقع الرأي، التي تختلف الآراء حول المدى المقبول لمساحة الحرية المتاحة لها، كبعض المواقع المثيرة للخلاف وللنعرات الطائفية، أو المروّجة للشائعات، التي يشك أنها ممولة من استخبارات دول لا تريد الخير للمملكة، أما المواقع المخالفة للقيم والشريعة فحجبها من الأمور المسلم بفائدته، ولكن المستقبل ينبئ بأن حجب المواقع لن يكون مجدياً في المستقبل، وستصعب السيطرة عليها، وستكون جميع المواقع متاحة لسهولة فك الحجب عنها بمجهود بسيط، وسيكون البديل الذي يجب العمل عليه والتخطيط له جيداً رفع مستوى الوعي والثقافة بين الناس بما يؤهلهم للتمييز بين مواقع جيدة، وأخرى يجب تجنبها. وقد تحجب مواقع لأن وجهة نظر معينة تقول بذلك، في حين أن جماعة أخرى من الناس تتبنى وجهة نظر مغايرة تماماً، لافتاً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت قنوات لحرية الرأي والتعبير غير قابلة للرقابة والحجب والتقييد، وأن ما هو مقبل سيكون أكثر، ولن تتمكن الحكومات والمنظمات من السيطرة على الفضاء، مشيداً بمبادرة المملكة لحجب الفيلم المسيء للرسول، وأن حوار الأديان والمذاهب الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين يسعى للوصول إلى احترام متبادل بين الأديان والمذاهب، واعتبار المقدسات خطاً أحمر لا يجب تجاوزه». التظلم والتعويض ويرى المحامي في مكتب «المتحدون للاستشارات القانونية» في جدة أن المواقع الإلكترونية تعدّ ملكية خاصة وشخصية، وحجب أي موقع يجب أن يُبنى على قرار سياسي مسبب بمخالفة لشروط المواقع الإلكترونية، مثل بث مادة مخالفة لتوجه الموقع الأصلي الظاهري، كالسب والقذف. مؤكداً على حق أصحاب المواقع الإلكترونية في التظلم ضد هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، باعتبارها الجهة المسؤولة المتخذة قرار الحجب، لافتاً إلى أن تحمل الخسائر المادية جراء إقفال الموقع يعتمد على عناصر عدة، فإذا ثبت أن إقفال الموقع تم دون وجه حق، وبدون أن يحصل صاحب الموقع على إنذارين اثنين للتنبيه بوجود مخالفات قبل الإقفال الفعلي، فمن حق صاحب الموقع التظلم والمطالبة بتعويض، إما إذا ثبت أن الإغلاق تم لمخالفات قانونية، أو سياسية، فإن صاحب الموقع يتحمل الخسائر. بكار: خفّفوا من صرامة الحجب لأنه أصبح ترويجاً د. عمار بكار ونوّه المتخصص في الإعلام الرقمي الدكتور عمار بكار، بوجود ثلاثة أنواع للحجب، النوع الأول هو المعروف والمتبع في دول كثيرة، ويستهدف حماية الناشئة من مخاطرها الهائلة فيما لو تركت مفتوحة، كالمواقع الإباحية، ومواقع القمار، وهو نوع الحجب الذي سعى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لتطبيقه في أمريكا، المصدر الأول للأفلام الإباحية، باستصدار قرار من الكونجرس الأمريكي بالموافقة عليه، غير أن المحكمة العليا في أمريكا رفضته، باعتباره مخالفة صريحة للماد الأولى من الدستور الأمريكي غير القابل للتغيير، التي تنص على حرية التعبير؛ والنوع الثاني يقوم على قرارات اجتماعية وسياسية ودينية، وهذا الحجب تم، أو لم يتم، فهو غير فعال في عصر التقنية وتطاير المعلومات، ومن المستحيل على أي جهة فرض هذا الحجب، بل يثير الفضول الشعبي، ويزيد من الترويج للمادة المراد حجبها، وآخرها الفيلم المسيء للرسول، الذي زاد الاحتجاج عليه من عدد مشاهديه، منوهاً بما يوجده الحجب من فضول شعبي، لأن الممنوع مرغوب، قائلاً «البديل للحجب هو زيادة الوعي، فالتصرف السهل تجاه المواقع المثيرة للشائعات هو حجبها، أما التصرف السليم، الذي يترك مفعولاً طويل المدى، فهو نشر الوعي والثقافة حول أسباب البعد عن هذه المواقع، ونشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية، ومن هذه المسؤولية تقام حملة ضده، وفي السنوات الأخيرة انتهجت الهيئة التقليل من صرامة الحجب كي لا تُسهم في الترويج؛ أما النوع الثالث من الحجب فهو الحجب العقابي، فالمواقع تعتمد على عدد الزوار، وهو أمر يؤهلها للحصول على إعلانات، وارتكاب الموقع مخالفات، كالسرقة الفكرية، يعرضه لعقاب بأن يحجب، فيفقد كثيراً من زواره، ففي أمريكا يعدّ انتهاك حقوق الملكية الفكرية، كأخذ فيديو من موقع ونشره في موقعي دون استئذان، سبباً للإغلاق، وفي الدول النامية لا يوجد تطبيق لهذا الأمر، ففي موقع يوتيوب لم يأتِ حجب الفيلم المسيء لمنع انتشار الفيديو، بل للاحتجاج على المحتوى، ولو حجب اليوتيوب في المملكة سيتأثر بشكل كبير، لأنه سيفقد عدداً كبيراً من الزوار، وبالتالي الإعلانات، والمواقع هي مشروع استثماري، وعدم وجود قوانين واضحة لحماية الملكية الفكرية للمواقع الإلكترونية في المملكة يجعل الاستثمار فيها عديم الجدوى».