بغداد – مازن الشمري ثمانية آلاف سوري نزحوا إلى العراق ويشكون المعاملة السيئة من حكومة بغداد. الأممالمتحدة تبدأ تجهيز المخيمات لتمكين اللاجئين من مواجهة برد الشتاء. «حين نفكر في أي لاجئ عربي نتذكر كلمات الشاعر الراحل محمود درويش«، هكذا يبدأ الصحفي الكردي، وميض دليراوي، حكايته مع معسكر دوميز للاجئين السوريين في محافظة دهوك أقصى الشمال العراقي ناقلاً عن درويش قوله «وأنت تعود إلى البيت، بيتك.. فكر بغيرك لا تنس شعب الخيام«. في المقابل، يتذكر صحفي آخر من محافظة الأنبار، وهو يزور مخيم اللاجئين في منطقة القائم قرب الحدود السورية العراقية، كلمات محمود درويش حين قال، «وأنت تخوض حروبك، فكر بغيرك.. لا تنس من يطلبون السلام«، مثيرا علامات الاستغراب من موقف الحكومة العراقية من اللاجئين السوريين الفارين بأرواحهم من الموت، فهو موقف يثير الإحباط والقلق، من وجهة نظره، ويكشف عن قسوة لا مبرر لها على الإطلاق، خاصة أن رئيس حكومة بغداد نوري المالكي كان لاجئا في دمشق عندما كان معارضا لنظام الرئيس العراقي صدام حسين. ويقول الزميل حسن الأنباري، وهو اسم مستعار، إن الحكومة العراقية أغلقت أبوابها في وجه اللاجئين السوريين ثم تراجعت عن هذا الموقف المخجل، حسب وصفه، بفضل الضغوط المحلية والدولية، ولكن هذا التراجع المفروض كان ظاهرياً لأن المعاملة الرسمية لهؤلاء اللاجئين اتسمت بالقسوة والتشكك، إذ وُضِعَ اللاجئون في معسكرات «احتواء« وسط إجراءات أمنية مشددة. إحصائية أولية ثمانية آلاف سوري، معظمهم من العائلات، وصلوا إلى العراق هرباً من المعارك، وهو رقم غير ضخم مقارنةً بأربعين ألفاً لجأوا إلى تركيا وأكثر من ضعف هذا الرقم إلى كلٍ من الأردن ولبنان. ويتساءل اللاجئون السوريون بحرقة عن أسباب هذه المعاملة السيئة من قِبَل الحكومة العراقية والقيود التي تفرضها عليهم بما يحول دون مغادرتهم مراكز إقامتهم إلا في حالات استثنائية نادرة، بينما كان اللاجئون العراقيون، وهم بمئات الآلاف، يتحركون بحرية دون أي قيود في سوريا ويستخدمون المرافق العامة والخدمات التعليمية والصحية مثلهم مثل المواطنين السوريين دون أي تفرقة رغم محدودية موارد سوريا. من جانبها، أعلنت لجنة استقبال اللاجئين السوريين في محافظة الأنبار بدء نقل اللاجئين إلى معسكر جديد أعدته الحكومة العراقية بمساعدة الأممالمتحدة وجمعية الهلال الأحمر العراقي، فيما أشارت إلى أن عددهم في الأنبار فقط بلغ أربعة آلاف و619 لاجئاً، 68% منهم أطفال ونساء. وقال نائب رئيس اللجنة، محمد الدليمي، إن اللاجئين السوريين يقيمون حالياً في المدارس والأقسام الداخلية والمباني الحكومية، وأشار إلى أن «عملية نقلهم تأتي لإضفاء مزيد من الراحة والخصوصية للعائلات السورية«، مؤكداً أن «سبل الراحة متوفرة في المعسكر الجديد الذي سيكون أفضل من بقائهم في المدارس والأقسام الداخلية التابعة لكلية التربية في مدينة القائم«. معسكر دوميز معسكر دوميز هو مخيم في كردستان العراق، تم ضم اللاجئين السوريين -وأغلبهم من أكراد سوريا- إليه بمعرفة حكومة إقليم كردستان قبل أن يوافق «المالكي« على فتح الحدود العراقية أمامهم. وتشير أرقام المنظمات الدولية إلى أن أكثر من عشرة آلاف سوري نزحوا إلى إقليم كردستان منذ بدء انتفاضة سوريا، ويقيم نحو 2500 منهم في مخيم «دوميز« في محافظة «دهوك«، بينما توزع البقية على مناطق الإقليم، فيما تشير إحصاءات مؤسسة الهجرة والمهجرين التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الإقليم الكردي إلى أن 500 عائلة، و436 شابا أعزب من الطلبة والعمال السوريين الأكراد يسكنون حالياً في مخيم «دوميز«. لكن الإحصاءات لا تشمل غير المسجلين الذين لجأوا إلى مدن أخرى في الإقليم، وقد أعلن محافظ «دهوك« أن المحافظة خصصت مبلغ مليارين و500 مليون دينار عراقي لتحسين أوضاع اللاجئين السوريين في المخيم، وأضاف أن هذا المبلغ يعد متواضعاً إذا ما نظرنا إلى الظروف الصعبة لمحنة اللجوء وفقدان المأوى. من ناحيتها، ذكرت مسؤولة الحماية القانونية في المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) نجيبة حفصة أنه، وبحسب آخر المعلومات لديهم، تأكد وجود حوالي 6500 لاجئ من سوريا في إقليم كردستان، من بينهم ألف طفل في مخيم دوميز. وقد قام وفد من المجلس الوطني السوري برئاسة عبدالباسط سيدا بزيارة اللاجئين السوريين الأكراد في مخيم دوميز، وقال «إن أوضاع السوريين في دوميز لا بأس بها، وأفضل من أوضاع نظرائهم في الدول الأخرى«، مشير إلى أن هناك نواقص في المخيم، ولكنه أمر طبيعي في أي ملجأ، ولفت إلى أنه «بمجرد نزوح المواطنين عن بيوتهم وأوطانهم يترك أثراً على طبيعة حياتهم التي تعودوا عليها منذ نشأتهم، وبالطبع العيش في مخيم سوف يكون له أثر، مقارنة بالعيش في الوطن وداخل بيوتهم«. الاستعداد للشتاء من جهته، يقول المهندس يونان لازر، من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إن إدارة المخيم اتخذت جميع التدابير الواجب أن يتم إجراؤها وتوفيرها للمخيم في فصل الشتاء، ففي المرحلة الأولى من بناء المخيم التي بدأ العمل بها أوائل إبريل الماضي تم تشييد 256 خيمة، مع 211 مطبخا، فضلا عن توابعها من الحمامات والمرافق الصحية، أما في المرحلة الثانية وهي تشمل أيضا العائلات فقط وليس الأفراد، تم تشييد 286 خيمة. أما بالنسبة للعازبين، يقول يونان لازر، “تم تشييد 56 خيمة لهم في المرحلة الأولى، أما في الثانية فتم تشييد 44 خيمة لهم مع ملحقاتها أيضا”. وعن العدد المخصص لكل خيمة يوضح أن استيعاب الخيمة الواحدة أربعة أفراد، وإذا تجاوز العدد هذا الرقم فيتم تجهيز خيمتين، وعن وجود ثمانية أفراد في خيمتين، وهذا ما لاحظته «الشرق« بالفعل، يؤكد لازر أن بعض العائلات فتحت خيامها كمحال للبقالة أو الخضروات فاستخدموا إحدى الخيام كمحل وأخرى للعائلة، ما ذكره المهندس شاهدناه أكثر من مرة أثناء تجوالنا داخل المخيم. من جهته، يقول مدير المخيم، نياز نوري، إن الأخيار وميسوري الحال من أبناء الإقليم قدموا التبرعات للعائلات النازحة، وإن مقدار ما حصلت عليه كل عائلة وصل إلى مليون دينار تقريباً إلى جانب التبرعات التي تقدمها حكومة الإقليم الكردي ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، ويضيف نوري أن عديداً من التبرعات العينية التي سُلِّمَت للشباب دخلت الآن إلى بعض المدن السورية كمدينة حلب وبالتحديد المناطق القريبة من حدود الإقليم. مخيم نينوى أما المخيم الثاني الذي يقيم فيه اللاجئون السوريون فهو مخيم قرب مدينة “الموصل” في محافظة نينوى، وضمن استعدادات المحافظة التقى محافظها أثيل النجيفي وفدا من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية وبحث معهم الإجراءات لفتح مخيم جديد للاجئين السوريين يخضع للمقاييس الدولية. وقال النجيفي إنه يصر على أن يتم منح اللاجئين حرية الحركة خارج المخيم بالاعتماد على ضمانات أمنية، مشيراً إلى أن نينوى بحاجة إلى الخبرات في مجال إغاثة اللاجئين، إذ لم يسبق لها إدارة مخيمات، فضلاً عن الحاجة إلى البنية التحتية، وتجاوز المشكلات الإدارية. بدورها، أبدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين استعدادها لنصب المخيم في محافظة نينوى، فيما خصصت جمعية الهلال الأحمر600 خيمة لنصبها، وتجهيز مولد كهربائي، ووجبات غذاء، ومستلزمات معيشية، وعشرة خزانات مياه سعة (1500) لتر، فيما تعهدت جمعية الإنقاذ الإنسانية بتجهيز مياه الشرب، ومراوح، ومواد غذائية وخزَّانات. لكن معلومات «الشرق« تؤكد أن هذا المخيم لم يُفتَح حتى الآن بسبب الوضع الأمني على الحدود وتأزم الموقف في نقطة «اليعربية« التي تسيطر عليها قوات البشمركة الكردية. مخيم القائم أما المخيم الثالث الذي يضم اللاجئين السوريين فهو في مدينة القائم في محافظة الأنبار، والذي استقبل عدداً من اللاجئين السوريين، ولكن بمجرد وصولهم إلى العراق عَمِدَت الحكومة العراقية إلى إرسال لواء من الجيش العراقي لمحاصرتهم في مدرسة ثانوية، كما منعت عشائر الأنبار من استضافتهم، فيما تعد العشائر هؤلاء اللاجئين السوريين المقيمين في مناطق محاذية للحدود العراقية مثل دير الزور امتدادا لها، لذا تظاهرت وسط درجات حرارة مرتفعة في صيف قائظ احتجاجا على المعاملة السيئة التي يلقاها اللاجئون. وفوجئ شيوخ هذه العشائر بمنعهم من زيارة هؤلاء اللاجئين والترحيب بهم في بيوتهم بدعوى خشية الحكومة العراقية من وجود جماعات أو عناصر متطرفة في أوساط اللاجئين يمكن أن تنفذ أعمال عنف وتفجيرات، ولكن هذا لا يعني تحميل الغالبية الساحقة من هؤلاء مسؤولية هذا الانطباع المسبق الذي لا توجد له أي دلائل عملية مثبتة على أرض الواقع. دخان الأحلام محمد العواني، أحد اللاجئين القادمين من مدينة البوكمال السورية، كان يرتدي الدشداشة العربية ويدخن السيجارة بينما كانت تتطاير أحلام رسمها بالأمس هو وعائلته، ومع ذلك كانت عيناه مصوبتين باتجاه المساعدات التي جلبتها وزارة الهجرة والمهجرين بالتعاون مع المفوضية السامية لإغاثة اللاجئين، وهي عبارة عن تجهيزات لفرش النوم. ويقول العواني إنه كان دهّانا معروفا في مدينة البوكمال، ولم يفكر لحظة في مفارقة المدينة رغم تفاقم الأوضاع الأمنية في سوريا. وبدت على ملامحه مظاهر القلق والحيرة والخوف، كاشفاً أن سبب نزوحه هو خشيته على أطفاله من القنابل العشوائية التي تسقط على مدينته، ومن أجل سلامة عائلته ترك بيته الذي أفنى سنين عمره من أجل تشييده وتأثيثه بأجمل الأثاث والمواد المنزلية الباهظة الثمن كما يقول. وبشأن الجهات التي كانت سبب نزوحه وعائلته، أكد العواني عدم وجود أية تهديدات مباشرة له ولعائلته من جهات بعينها، وعزا سبب النزوح إلى ازدياد القصف المدفعي على المدينة من قِبَل قوات الجيش السوري، مبيِّنَاً أن أفرادا من الجيش السوري الحر أوصلوه هو وعائلته إلى منفذ القائم الحدودي. وبشأن الخدمات التي تقدم لهم من قِبَل الجانب العراقي، وما هي المعوقات التي واجهوها أثناء وجودهم في مركز الإيواء، يؤكد أن «ما يُقدَّم لنا لا يمكن أن يوصف فإخواننا في العراق كانوا كما عهدناهم أهل كرم وضيافة، وقد تجاوزوا حدود المعقول في خدمتنا جميعا«، لكن – والكلام للعواني – كان هدف جميع العائلات التي جاءت من البوكمال هو تجاوز الحدود العراقية ثم الالتحاق بأقاربهم في العراق، وخاصة في محافظة الرمادي، لكنهم فوجئوا بحجزهم في هذه المراكز، ومن ثم فرض هذا الطوق الأمني وعدم السماح لأحد بزيارتهم. لاجئون أمام خيمهم في مخيم القائم في محافظة الأنبار العراقية طفلة سورية تجلس أمام خيمة لجأت فيها أسرتها في مخيم القائم (رويترز)