تعد قضية الأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي، إحدى التحديات الاقتصادية الهيكلية التي تواجهها هذه الدول، خاصة في ظل ما تعانيه من تحديات في الإمكانات الزراعية المتمثلة في محدودية الموارد المائية، إذ إنها منطقة بلا أنهار، ونصيبها من المياه الجوفية شديد الانخفاض، كما أن مواسم الأمطار فيها متقطعة، وكميات أمطارها ليست بالغزارة المطلوبة، فإذا أضفنا إلى كل ذلك التوقعات المستقبلية التي ترجح ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية، لأدركنا حجم وأبعاد ومخاطر هذه القضية الحيوية. ورغم أن دول الخليج تبذل جهودا كبيرة من أجل تقليل فجوة الغذاء وتوفير الأمن الغذائي، إدراكا منها بحجم الآثار السلبية على بلدانها اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا، خصوصا مع التزايد المستمر في اتساع هذه الفجوة، وتقليل الاعتماد على الخارج في سد هذه الفجوة، إلا أن هذه الجهود لم تحقق المأمول منها حتى الآن. ولعل ما كشفت عنه مؤخرا الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، عن أن حجم فجوة الغذاء العربية التي تمثل الفارق بين الإنتاج والاستهلاك الفعلي للغذاء بلغ 40 مليار دولار وفقا لآخر الدراسات، وأن حصة دول الخليج من هذه الفجوة تصل إلى 30٪، يدق ناقوس الخطر، ويضع الدول العربية مجتمعة وليس الخليج وحده على المحك لمواجهة هذا الخطر المحدق، إذ إن المؤشرات تحذر من أن حجم الفجوة الغذائية العربية سيتسع إلى 48 مليار دولار عام 2020م. ولاشك أن هذه الفجوة ترجع أسبابها إلى محدودية الاستثمار في المشروعات الزراعية والغذائية الخليجية والعربية مقارنة بحجم الطلب والاستهلاك المتزايد، بل والمسرف في بعض الدول، ومحدودية التنسيق الخليجي والمشروعات المشتركة في المجال الزراعي، وضعف الكفاءة الإنتاجية من السلع الزراعية، وضعف استخدام التقنيات والأساليب الحديثة في الزراعة، ومحدودية الأراضي المتاحة للنشاط الزراعي، والظروف المناخية القاسية والمتقلبة التي تؤثر على المحاصيل الزراعية، وقلة التمويل الموجه للنشاط الزراعي المقدم للمزارعين، والصعوبات التي تواجه المزارعين لتسويق منتجاتهم الزراعية، وندرة العمالة الوطنية المدربة. ومن هنا بات من الضروري الإسراع في زيادة الاستثمارات العربية في المشروعات الزراعية والغذائية، عبر دراسة الفرص المتوافرة لمختلف الأصناف من خلال إعداد خطة استثمارية زراعية خليجية عربية، ترصد فرص الاستثمار المتوافرة بالقطاع في جميع الدول العربية، وتفاصيل هذه الفرص، على أن يتم إطلاقها في أقرب وقت ممكن. ومن هذا المنطلق فإن الدول الخليجية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتفعيل الجهود لعلاج الفجوة الغذائية، واعتماد استراتيجية خليجية تسعى لتحقيق التكامل الزراعي، وتكثيف التعاون الجدي مع الدول العربية التي لديها إمكانيات زراعية كبيرة وبعض الدول الأفريقية لتخصيص أراض للاستثمار الزراعي، وتوعية المستهلكين في الخليج لتغيير أنماط الاستهلاك الغذائي.