يتجول بين بيوت الحارات الحجازية العريقة، ممسكا بقشته المملوءة بالبضائع المختلفة، بدءا من الملابس و الجلابيات، و حتى الكحل و الحناء كي يبيعها للنساء في بيوتهن، و ينادي بين المنازل منتظرا استجابات المشترين لنداءاته المتكررة “فرقنا..فرقنا”، و لأن عبارته هذه صارت ملازمة لجولته المعتادة، فقد استقى اسمه منها، هكذا كان (فرقنا) قبل أن يندثر، و يصبح رمزا من الماضي الحجازي. أميرات الماضي وتفتقد أم محمد، صرخات (فرقنا)، تقول”كنا في زماننا أميرات، نجلس في بيوتنا معززات، مكرمات، و السوق يأتي(عند أبوابنا)، يحمل(فرقنا) في بقشته، الملابس، و الأمشاط، الكحل، و الحناء، المساويك، و مشابك الغسيل، شراشف الصلاة، و مهفات السعف، يضعها على كتفه إن كانت واحدة، بينما يعلق الكبيرة على عاتقه، و يمسك الأخرى بيده- إن كانتا اثنتين، فنتبضع منه كل حاجاتنا.
التصفيق للشراء و تتذكر حبيبة كيف كان(فرقنا) يزور بيوت الحي، متنقلاً بين الأزقة، يصرخ بصوته الجهور”فرقنا..فرقنا”، و من تريد الشراء منه أو رؤية بضاعته، تصفق له قرب النافذة، إذ لم يكن مقبولا في المجتمع الحجازي القديم، أن ترفع المرأة أو الفتاة صوتها خاصة في الشارع، بل يعد من الأدب خفض الفتاة لصوتها، و يعرف(فرقنا) من التصفيق رغبة أهل المنزل في الشراء، فيضع بقشته التي يسميها آخرون(الصرة)، على عتبة البيت، ثم تأخذها النساء من خلف الباب، و تنتقين ما يعجبهن، ثم تضحك حبيبة قائلة” أو بالأحرى ما يحتجنه، فهن كن يدركن سياسة عمر بن الخطاب( أو كلما اشتهيتم اشتريتم)”.
تحذير من (فرقنا) و تخبر عيشة (الشرق) بأن جدتها كانت دائمة التحذير لها، من فتح الباب ل(فرقنا) إلا بوجود الرجال في المنزل، و تبرر نصيحتها بعدم معرفتهم التامة له، و تستند على حكايا و شائعات ترويها الجارات، و نساء الحي، و تكمل” لكننا كنا نشتري منه بوجود والدي و جدي، و كنت أحب لون بقشته البيضاء الناصعة كثيرا”.
منافسة »الحجات » تقول فاطمة” يأتي(فرقنا) غالبا من اليمن، و لا أعتقد أن غريبا عرف البيوت الحجازية كمعرفة (فرقنا) بها”، و تستدرك” إلا (الحجة) و هي عجوز سنغالية تبيع اللبن، الزبدة، و اللوز، (الحبحبوة)، الكركديه، و الفصفص، و تضع قدر اللبن و الزبدة على رأسها، لكنها تفصل بين الاثنين داخله، و تعمل الزبدة بطريقة احترافية على شكل( القرش)، تنادي ليسمعها أهل الحي، و تكيل بمغرفة خشبية، تبيع الواحدة بقرشين، بينما لو أضيفت الزبدة يختلف السعر”، و تتعجب فاطمة كيف يصمد القدر على رأس (الحجة)، رغم أنها تثبته فقط بقطعة قماش.
الوصول للرياض تنوه أم عبد الإله بأن آخر ما سمعته عن(فرقنا) الذي تسميه(صديق الطفولة)، وصوله إلى نجد، و استغربت كونه شوهد في الرياض قبل اندثاره التام.
مجمعات جديدة و تشير نهى عبد العزيز، إلى أنها تقصد المجمعات التجارية في مدينة جدة بشكل مستمر حتى تشتري كافة احتياجاتها اليومية منها، و تجد هناك محلات متعددة لبيع الملابس، و الأحذية، و الحقائب، ثم تكمل” توفر المجمعات الحديثة كل مستلزمات العائل و خصوصا المرأة، فلماذا لا نتسوق منها؟”.