في وطننا العربي الكبير وفي الموعد المحدد من كل عام، تفتح المدارس والجامعات أبوابها، لاستقبال الطلاب والطالبات بمختلف فئاتهم العمرية، بدءا من أطفال الروضة، وتلاميذ المرحلة الابتدائية، وطلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، الذين يبكرون إلى مقاعدهم الدراسية وهم يحملون أحلامهم وآمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم، وانتهاء بدارسي الجامعات والكليات المختلفة، وقد نضجت عقولهم لتستوعب دراساتهم الأكاديمية، واستفزاز ملكاتهم من قبل أساتذتهم، وبث روح الحماس فيهم، لتلقي علومهم، والاستفادة من مخرجاتهم التعليمية والعلمية، في الأعمال الوظيفية التي يخدمون فيها أنفسهم ودينهم ووطنهم، وأمتهم. وتختلف درجة استقبال المعلمين والمعلمات والأكاديميين والأكاديميات لطلابهم وطالباتهن، بحسب الأنظمة واللوائح والإمكانات المتاحة أيضا، لكن المؤكد أن معظمهم وخصوصا في المراحل الدراسية المبكرة يستقبلون أبناءهم الطلاب في تلك الصباحات البهيجة، بالعودة الجميلة لإحياء جديد لمظاهر العيد، الذي مر بنا سريعا في الأسبوع الماضي، فتعمد جماعات التوجيه والإرشاد في المدارس إلى وضع خطط وبرامج ليستقبلوا طلابهم بالحلويات، والمرطبات، وإدخال البهجة إلى نفوسهم، وهناك بعض المدارس تعد جدولا زمنيا لمظاهر الدراسة في اليوم الأول، الذي تخصصه لاستقبال الطلاب الجدد، بهدف مساعدتهم على فهم البيئة المدرسية الجديدة، ويخلق المعلمون أمامهم مناخا إيجابيا نفسيا واجتماعيا مناسبا في المدرسة، وتستغل هذه الجماعات كل ما من شأنه تعزيز السلوكيات الإيجابية في التعامل مع البيئة المحيطة بهم، من الطلاب والمعلمين والمرشدين ومديري المدارس ووكلائهم وأولياء أمورهم، وزيادة روح الألفة والمحبة بينهم، وتنمية روح العمل الجماعي، وزيادة أواصر التواصل بين الأسرة والمدرسة، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الإيجابية، والتي تعود بالنفع على أبنائهم الطلاب الذين تعدهم المدرسة إعدادا جيدا لتحمل المسؤولية التي ستلقى على عاتقهم في المستقبل، فهؤلاء الأجيال الذين تعول عليهم دولهم ومجتمعاتهم في استمرار بناء حضاراتهم. في كل بلاد الدنيا، لا يختلف منظر طلاب المدارس وهم يحملون حقائبهم على ظهورهم، على ما في ذلك من مخاطر يتكبد عناءها الأطفال في المراحل الدراسية الأولى، وكثيرا ما يعاني الطلاب في المراحل التعليمية المبكرة من حمل الحقائب المدرسية، وخصوصا في الأسبوع الأول من كل عام دراسي، يتكبد العناء تلاميذ الصفوف الأولى الذين تتكدس كتبهم في حقائبهم بلا ترتيب ولا تنظيم لجدولهم الدراسي، حيث يحملون كل كتبهم ودفاترهم التي تثقل كواهلهم كل صباح، قبل أن ينتظم جدولهم المدرسي، ولهذا نتمنى من المدارس أن تجتهد كثيرا، وتسارع في إعداد الجداول المدرسية في وقت مبكر لتلافي هذه المعاناة التي تلقي بظلالها على صحة التلاميذ، التي يشكو منها بعض الأهالي. ندرك تماما ما تقوم به وزارات التربية والتعليم من جهود موفقة للتخفيف من هذا الحمل، حين عمدت إلى دمج بعض المواد الدراسية مع بعضها في كتاب واحد، فصارت مواد اللغة العربية كلها في مقرر دراسي واحد ومواد التربية الإسلامية كذلك، والاجتماعيات وغيرها، إن هذا الحل جيد بنسبة كبيرة لكنه يخلق مشكلات أخرى، لأن الأمر لايختلف كثيرا في الصفوف المتقدمة -المتوسط والثانوي-، فالملاحظ أن عدد الكتب يقل في هذه المراحل لكن أوزان الكتب تزيد، مما يجعل المعاناة مستمرة، ولهذا نرى بعض طلاب المدارس المتوسطة والثانوية يحملون كتبهم في أيديهم، بدلا من حملها على ظهورهم، خوفا من تفاقم المشكلة والإصابة بالأمراض التي تصيبهم جراء حمل حقائبهم المكدسة بالكتب، فقد أثبتت كثير من الدراسات الطبية أن حمل الحقيبة المدرسية الثقيلة كأي حمل ثقيل يؤثر على صحة الإنسان، فيشعر بآلام في الظهر والرقبة، ويكون تأثيرها مستقبلا على العمود الفقري، مما يتسبب في كثير من الأحيان بأمراض كالانزلاق الغضروفي وخشونة الفقرات، والتصاقها، وغير ذلك من أمراض الظهر والعمود الفقري. وهناك دراسات عديدة لعلاج هذه الظاهرة في الدول المتقدمة، ولكنها لم تفلح كثيرا نظرا لأن الفئة المستهدفة (طلاب المراحل المبكرة) لم يستوعبوا المخاطر التي ستلاقيهم في المستقبل، فلم ينفذوا التعليمات بحذافيرها، لهذا فالمشكلة تستمر معهم، كما هو الحال في الدول الفقيرة أيضا. ومن ضمن العلاجات العجيبة لهذه الظاهرة لاحظنا في بعض الدول الغنية لجوء بعض الأسر الموسرة إلى استخدام العمالة المنزلية لأغراض حمل الحقائب المدرسية عن أبنائهم طوال فترة الدراسة في الذهاب والإياب، لحماية أبنائهم من الإصابات بأمراض الظهر، ولكن كل ذلك لا يغني شيئا إذا لم تعمل وزارات التربية والتعليم في كل بلاد الدنيا على تخفيف تلك الأحمال عن الأطفال المنتسبين إلى مراحل التعليم العام. العالم كله بحاجة إلى التعليم وجميع دول العالم تعلم أبناءها، لتعزيز مكانتها وتقدمها بين المجتمعات وتحقيق طموحاتها، ولهذا يجب على وزارات التربية والتعليم في كل البلاد أن تهيئ كل السبل وأن تجند كل الإمكانات لتسهيل عملية التعليم على أبنائها، وعليها أن تخبر الطالب المستجد منذ اليوم الأول للدراسة بما تريد منه لكي يتعلم؟ وكيف يتعلم ليحقق ما يريد هو؟ وما تريده الأمة منه؟ وكيف يحقق الطموحات التي من أجلها تم استقباله في المدرسة؟ وكل عام دراسي جديد والجميع بخير.