مصطفى المزعل منذ سنوات عمرنا الأولى ونحن نعيش في دائرة ضيقة ومحدودة ضمن وطن واسع ومترامي الأطراف ، نبدأ كأطفالٍ سني أعمارنا الأولى بالالتحاق بمدرسة ابتدائية تضم زملاء الدراسة من نفس القرية أو المدينة التي نشأنا وتربينا فيها وهكذا يسير بنا الحال إلى أن نتخرج من المرحلة الثانوية بعد اثني عشرة عاماً دراسياً نعيشها مع زملاء وأصدقاء يحملون خلفيات ثقافية ودينية متقاربة إن لم تكن متطابقة ، نقضي هذه الفترة مع مكوّن واحد من مكونات هذا الوطن ، نعيش في أحضان قطيفنا الدافئ بكل حب ومودة لكننا نغفل عن مد جسور التواصل مع إخوتنا الشباب من مناطق المملكة المختلفة وهو ما يمهّد الطريق للمتربصين الطائفيين بتشويه صورة شباب القطيف لدى الشباب الآخرين وفي الوقت نفسه قد تتشكل انطباعات خاطئة لدينا عن مناطق المملكة المختلفة ، كل ذلك بسبب الفجوة التي سبّبها الانغلاق بين أبناء الوطن . قبل عام ونصف وككثير من شباب المملكة، التحقت ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وغادرت لأمريكا للدراسة الجامعية ، وخلال وجودي هناك- في مدينة جامعية لا تتعدى مساحتها مساحة مدينة الدمام- التقيت بخليط من المبتعثين من مختلف مناطق المملكة خلال تسعة شهور وهو ما لم يتحقق خلال تسع عشرة سنة قضيتها في المملكة ، لا أتحدث هنا عن لقاءات عابرة فحسب بل عن علاقات وطيدة ومتينة ، و بلغتنا الدارجة (صار بينّا عيش وملح) ولا ننسى أنها كانت صداقات في الغربة ومن المعروف أن الأسفار تفرز معادن الرجال، ومن غير تكلّف أستطيع القول أن تنوع الشباب وتنوع مذاهبهم ومناطقهم ولهجاتهم هو ما زاد لقاءاتنا ورحلاتنا حلاوة ، واختلاف آرائنا حول بعض القضايا السياسية لم يسبب أي قطيعة أو خلاف بل على العكس ، كل طرف يحترم الآخر ويستمع لوجهة نظره ، لا أعني بهذا الكلام أن الوضع مثالي تماما لكنها الحالة السائدة التي وللأسف يغض كثير من الناس الطرف عنها ولا تُعطى أي تركيز واهتمام ، في حين أن أي حادثة عن اختلاف مذهبي بين الشباب أو مثال سلبي للتعايش سواء كان في بلادنا أو في الغربة نرى تركيزا شديدا عليه والبعض يأنس بسماع مثل هذه الأمثلة التي تؤزّم الوضع وتزيده سوءاً. كلما ازداد تعايش وانفتاح مكونات المجتمع المختلفة على بعضها البعض قويت علاقتها وصعبت إثارة الفتن فيما بينها ، وكلما تقوقعنا وانغلقنا سهل على الطائفيين دس سمومهم الطائفية و تشتيت المجتمع.