تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا -في اجتماع الحكومة الإسرائيلية- بخصوص توسيع نطاق الخدمة العسكرية الإلزامية لتشمل الشبان العرب الإسرائيليين، هو تكريس لفكرة (الأنا) الإسرائيلية المريضة لمن يعتقد أنه وقومه هم فقط تجسيد للسامية وهم رموزها. كما أنه دليل آخرعلى أن فكرة ديمقراطية إسرائيل هي مجرد هرطقات وأقاويل لا تستند على مرتكزات تطبيقية وممارسات إجرائية منظورة. ••• فعندما صرح نتنياهو منذ أسابيع للنواب العرب في الكنيسيت اليهودي بأن الخدمة هي (شرط لتحقيق المساواة)، فهو حينذاك كان يقر بأن هناك أحد الأعراق لا يتمتع بحقوقه كمواطن في إسرائيل، وكمكون من مكوناتها السكانية، وأن هناك تفرقة عنصرية، وطبقية في التكوين وفوقية في التعاطي والممارسة والمحصلة النهائية لكل ذلك هي انتفاء الديمقراطية وسقوط كل الأقاويل والادعاءات بشأن كون إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ••• نتنياهو قال حينذاك: إن من يطالب بالمساواة في الحقوق عليه أن يقبل بالمساواة في الأعباء، ونسي -أو بمعنى أدق قد تناسى- أنه يتم استغلال ظروف المعيشة المأساوية لفلسطينيي الداخل ويتم توظيفهم في بناء المستوطنات الإسرائيلية، وفي الأعمال التي تتطلب جهدا بدنيا شاقا كأعمال النظافة والإنشاءات وأعمال النقل والتحميل في الموانئ. ••• كان رد النواب العرب صارما، فقد أخبروه بأنهم ليسوا مستعدين للمشاركة في ممارسات جيش الاحتلال ضد شعبهم، وأنهم يرون في مشروعه إعلان حرب على المواطنين العرب في إسرائيل. ••• موقف نتنياهو هذا -المتعلق بتجنيد العرب في الجيش الإسرائيلي- هو ترجمة لأزمة ائتلافية دخلتها حكومته مع الأحزاب الدينية من جهة ومع حزب (إسرائيل بيتنا) بقيادة وزير خارجيته ليبرمان من جهة أخرى. والتي كانت نتاج تكليف لجنة من نواب الائتلاف (لجنة بلاسنر)، لوضع صيغة قانون يضمن ما سمي (بالمساواة في الأعباء)، ويهدف إلى الحد من إعفاء المتدينين اليهود من الخدمة ويقترح تجنيد الشبان العرب عسكريا أو استبداله بخدمة مدنية إلزامية. ••• هذه اللجنة النيابية بعد عدة جلسات وبعد مشاورات عقدتها مع مختلف ممثلي الأحزاب والأطراف ذات الصلة الإسرائلية خلصت إلى أنه من غير الملزم تكليف العرب بالخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي لأسباب قومية ولأمور أخرى. ••• وعندما سربت أعمال هذه اللجنة خرج ممثلو الأحزاب الدينية محتجين قائلين بأنهم يتفهمون قرار إعفاء العرب من الخدمة العسكرية ولكنهم يطالبون الحكومة بالمقابل بتفهم وضعهم. ••• هذا الأمر شكل أزمة ائتلافية لنتنياهو رأى أن تجاوزها لن يتم سوى من خلال التضحية بهولاء الشبان العرب تحت دعوى واهية تتعلق بالمساواة في الحقوق والواجبات. ••• إن موقف نتنياهو يبرز أن الحكومة الإسرائيلية الحالية بتشكيلتها الائتلافية وقراراتها الارتجالية والمتخبطة هي نتاج للأزمة التي تعانيها إسرائيل منذ عقود والمتعلقة بعدم منح العرب دولتهم وحقوقهم المدنية والتي كفلتها الاتفاقيات الدولية وقرارات الأممالمتحدة، كما أنها مؤشر على أن حكومة نتنياهو الحالية من غير المتوقع لها الاستمرار طويلا في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بها كنتاج لقرارات ارتجالية لا تتكئ على بعد إستراتيجي عميق وواضح.