يتربع على كرسي الرئاسة في مصر ما بعد ثورة 25 يناير، الرئيس محمد مرسي، المرشح الذي هزم رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، وأتى لسدة الحكم مدعوما بقوة «الإخوان المسلمين»، ودعمهم الكامل له، بعد أن كان في حكم الرئيس «المخلوع» محمد حسني مبارك، سجينا، يقبع في زنزانات مصر! الإخوان يتصدرون المشهد من جديد، ويتحولون من حركة «محظورة»، إلى حركة «حاكمة»، الأمر الذي يستدعي قراءة ماهية هذه الحركة، وجذورها، وتفكيك بنيتها الفكرية، لفهم آليات عملها، وطرائق تفكيرها، وهو ما يحاول مركز «المسبار» للدراسات والبحوث، القيام به في الحلقة الثالثة من دراساته حول مصر ما بعد ثورة 25 يناير. قنصوة: من أجل السلطة تتغير استراتيجيات التحالف عند الإخوان المسلمين حسن: لن يكون بمقدور «الحرية والعدالة» اتخاذ مواقف سياسية بعيدة عن الجماعة الأم فودة: الانشقاقات زادت في صفوف الحركة بعد الثورة مع دخول شباب الإخوان الإخوان والسلطة السلطة والحكم، ليست بالأمور الطارئة في فكر «الإخوان المسلمين»، وهو ما يحاول الباحث ياسر قنصوة تناوله بالدراسة والتحليل، مقاربا موضوعه استخدامهم لنظرية السلطة، بين السياسة الشرعية والعلاقة النفعية، متجاوزا الخطاب الدعوي وتأسيسه الشرعي للسلطة. قنصوة، يبني مقاربته على أساس أن لا حكم إسلاميا ملزم لشكل السلطة، مبتدئا بنظرية الحاكم الرعوي عند ابن تيمية التي تجعل الجماعة محورا للاهتمام، ومقارنا بينها وبين (المرشد) الإخواني الذي لا يُساءَل! مارا على كتابات حسن البنا التي جنّد فيها أتباعه ليكونوا حربا على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة، لا تعمل على نصرة الإسلام. مبيّنا تناقضها مع تصريحات منسوبي حزب «الحرية والعدالة» الأخيرة، قارئا في ذلك تغير أفكار الجماعة عن السلطة تباعا للمصالح. وبعد الإشارة لدور ثورة يناير في تطور خطاب «الإخوان»، يقارب الباحث مفهوم السلطة بوصفها «علاقة استراتيجيات بواقع متغير»، مارا بين رؤية البنا الأيديولوجية وسيد قطب الإقصائية، و»الحرية والعدالة: المتمدنة»، ومذكرا بتقلبات علاقة الجماعة بالسلطات، منذ الملكية إلى نظام مبارك، منذ ثورة يوليو 1952 التي بلغ «سيد قطب» بعدها الحد الفاصل في التمييز بين السلطة بوصفها جوهراً، والسلطة بوصفها علاقة، فقدم نظريتين في السلطة قطعيتين: الأولي نظرية السلطة في المجتمع الإسلامي، التي تقوم على أساس الحاكمية لله، بوصفه مصدراً للسلطات، الثانية: نظرية السلطة في المجتمع الجاهلي، ومنه تكون نظرية السلطة علمياً وواقعياً بمثابة اعتداء على سلطان الله وحاكميته، لأنها تقوم على حاكمية البشر. الباحث وفي سياق دراسته، يشير إلى حادثة يراها ذات دلالة، ففي المؤتمر السادس للإخوان، الذي انعقد في العام 1941، أعلن حسن البنا استراتيجيته من خلال هدفين، أو غايتين، هما: غاية قريبة يبدو هدفها وتنظيم ثمرتها لأول يوم ينضم فيها الفرد للجماعة، أو تظهر فيه الجماعة في ميدان العمل. وغاية بعيدة لابد فيها من ترقب الفرص، وانتظار الزمن، وحسن الإعداد، وسبق التكوين. وإذا كانت الغاية القريبة قد حددتها أفكار خطاب الدعوة لاستقطاب أكبر عدد من الأعضاء للجماعة، فإن الغاية البعيدة تبدو ماثلة في الاستيلاء على السلطة، وفي محاولة جاهدة للرد على الانتقادات، حول الدعوة التي بدأت دينية وإصلاحية، ثم ما لبثت أن أسفرت عن وجهها السياسي الباحث عن السلطة، فإن «البنا» يعالج الأمر بالتمييز بين ما هو وطني وما هو سياسي، على نحو «غامض وغريب في آن معاً»، إذ يقول: «ومن كل هذا الذي تقدم، يبدو الفرق الواسع بين الوطني والسياسي، فالوطني يعمل لإصلاح الحكم لا للحكم، ولمقاومة المستعمر، للحصول على الحرية لا ليرثه في السلطة، ولتركيز منهاج وفكر ودعوة لا لتمجيد شخص أو حزب أو هيئة، ولهذا يحرص الإخوان المسلمون على أن يكونوا وطنيين لا سياسيين ولا حزبيين». وعلى هذا النحو من التفرقة بين الوطني والسياسي، يسقط البنا من حسبانه هذا الارتباط المتلازم بين الوطنية والمشاركة السياسية، وكأن الوطنية نقيض العمل السياسي! وبناء على ما سبق، يصل قنصوة إلى أنه و»من أجل السلطة تتغير استراتيجيات التحالف عند الإخوان، فمن تحالف أصابه الفشل مع «الوفد»، إلى تحالف مع السلفيين من أجل استخدام كتلتهم التصويتية في الانتخابات البرلمانية، مع إدراك أن ثمة حزباً للسلفيين تحت اسم حزب النور»، لكنه أيقن أن «الإخوان»، حسب ما أورده الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسام تمام، «أمام واقع ثوري متمرد، بنكهة ليبرالية منفتحة، يحتاج للانفتاح على خزان سياسي جديد واسع، يمتلك كتلة تصويتية عريضة كالسلفية». لكن، ماذا عن مستقبل «الإخوان» السياسي في السلطة، وهو المستقبل الذي يضع الباحث له الاشتراطات التالية لاستمراريته: 1 – ضرورة التمييز بين المجالين الدعوي والسياسي، بحيث يتاح لكل مجال استقلاليته، إذ يسمح هذا للمجال السياسي أو الحزبي أن يجد فرصة حقيقية للوصول إلى السلطة، في ظل انتخابات نزيهة، مع استدعاء الخبرة التنظيمية للجماعة على نحو سياسي. 2 – قراءة المتغيرات السياسية والدينية والاجتماعية على الساحة، دون الخوض في جدل إجرائي عقيم وصخب إعلامي متهافت، إنه يفتح الباب لقراءة المشكلات الحقيقية للجماهير ومن ثم حصد المؤيدين، وإلا فإن القوى السياسية الصاعدة ستؤثر سلباً على مستقبل الجماعة. 3 – عدم تكريس أو تراكم العمل الحركي الموروث من التأسيسين السابقين: (النشأة على يد حسن البنا، والعودة على يد عمر التلمساني)، وإلا ضاعت فرصة تأسيس ثالث جديد، لا مهرب منه لاستمرارية الجماعة. 4 – عدم وضع الأصوات أو التحالفات الانتخابية في المقام الأول، دون أن تشكل الجماعة كياناً ضاغطاً، يحاول أن يقترح حلولاً لمشكلات مستعصية، وإلا فإن ثقة الجماهير المتعطشة للتغيير سوف تذهب بعيداً عن الجماعة. 5 – ألا تقدم الجماعة بوصفها حالة من القطيعة المعرفية والسياسية والاجتماعية، مع التيارات السياسية الأخرى، الليبراليين والعلمانيين، فهذه القطيعة أو التضاد مع التيارات الأخرى، يستنفد كل الطاقات في كيل الاتهامات والاستقطاب بأساليب ملتوية. تأسيس الحزب مفهوم الحزب السياسي، هو ما يتناوله الباحث صلاح الدين حسن، مؤرخا لرؤية حسن البنا للأحزاب المصرية، وموقف الجماعة من التحزب، ناقلا الارتباك الذي ساد الجماعة إبّان تكوينها للحزب بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، معتقدا أن «العلاقة بين الحزب والجماعة علاقة وطيدة»، ولكنه توقع «التأزم» مستقبلا، مستشهدًا بتكوين الجماعة وفلسفة الحزب في رؤية عبدالمنعم أبوالفتوح، وتطلعات شباب الجماعة. «الجميع فوجئ بمن فيهم قواعد الإخوان، بقرار مكتب الإرشاد، بتعيين محمد سعد الكتاتني كوكيل مؤسسي حزب «الحرية والعدالة»، دون الرجوع لمجالس شورى الجماعة، وبعد ذلك تعيين محمد مرسي كرئيس للحزب، دون الرجوع للهيئة التأسيسية للحزب أو للأعضاء المؤسسين» هذا ما يراه الباحث حسن، مضيفا «قبل ذلك كلفت قيادات الجماعة الوسيطة والعليا، باختيار الأعضاء المؤسسين للحزب، من بين أعضاء الجماعة، أو بعض المقربين منها. ولم يفتح الحزب بشكل حقيقي لدخول من يريد الدخول فيه، بل تمت العملية في شبه سرية». وحول تأثير تأسيس الحزب على المفاهيم المتبعة لدى الجماعة، رأى حسن أن النظام الحزبي «لا شك أنه سيخلق هاجساً أساسياً لدى الجماعة، التي تريد أن تضمن سيطرتها على الحزب، فتدقق في اختيار الأشخاص حتى لا يكون هناك كتلة كبيرة صاحبة حس متمرد، فتنشأ مخاوف كبيرة من عدم قدرة الجماعة، أو قادة الحزب على ضبطه ولجمه». وعن العلاقة بين الحزب والجماعة، أشار الباحث إلى أن «جميع الإشارات الآتية، من قيادات الجماعة، تشي بأن العلاقة بينها وبين حزب الحرية والعدالة هي علاقة تبعية في المجالين السياسي والفكري، وعلاقة استقلال في المجالين المالي والإداري»، فمن المتوقع أن يكون الحزب «ذراعا سياسيا لجماعة الإخوان المسلمين، ما يعني عدم قدرته على اتخاذ مواقف سياسية بعيدة عن مواقف الجماعة الأم، وهذا تكرار واستنساخ لتجربة حزب «جبهة العمل الإسلامي الأردني»، ما سيعوق نشاط حزب الحرية والعدالة، وربما يؤدي إلى حدوث انقسامات بين الحزب والجماعة». صراع الجيل الجديد كل ما سبق، سيقود كنتيجة حتمية إلى «اختلافات وتباينات، قد تصل إلى حد الانشقاق»، كونه «صراع أفكار وأجيال»، وهو ما يحاول الإضاءة عليه الصحفي والباحث أحمد فودة، الذي رصد صراعات الجيل الجديد من الإخوان، ووثق لها بالانشقاقات قديماً وحديثاً، مركزا على الانشقاقات بعد الثورة، منذ اليوم الأول منها، حيث تجلت الخلافات في «مؤتمر شباب الإخوان الأول، فنادوا للمطالبة بالتغيير، ودعوا إلى نقاط حاسمة حول الشورى، ودراسة الأفكار بحرية، واستشارة المتخصصين، وفتح باب التحزّب بلا قيد، وانتخاب الهيئات، ثم فتح حوار مباشر، بالإضافة لوقف إجراءات تأسيس حزب الحرية والعدالة لحين قريب»، مضيفا «لكن الجماعة رفضت طروحاتهم، ومضت في تنفيذ قرارها، مما تسبب في انشقاقات نتج عنها أربعة أحزاب مصرية جديدة». معتقدا أن هذه الانشقاقات فاقمتها «تصريحات إعلامية، بالإضافة إلى انشقاق عبدالمنعم أبو الفتوح». وتيرة الانشقاقات في صفوف «الإخوان» ازدادت بعد الثورة، مع دخول فاعل جديد إلى حلبة الصراع الفكري داخل الجماعة، المتمثل في شباب الإخوان، الذين كان لهم دور مهم في الإعداد، والمشاركة في الثورة وحمايتها، ومن ثم نجاحها. وقد بدأت هذه الانشقاقات في الظهور أثناء الثورة في مراحلها المفصلية. فمع بدء الاستعدادات للتظاهر يوم 25 يناير أعلنت قيادة الجماعة رفضها المشاركة في هذه التظاهرات، في حين كان جزء كبير من شباب الجماعة يشارك في هذه الاستعدادات، ويقوم بدور مهم وحيوي في وضع الخطط لدعوة الناس للمشاركة، وكذلك لمواجهة مخططات الأجهزة الأمنية لإفشال التظاهرات. يضيف فودة أنه و»عندما وافقت قيادة الجماعة على الدخول في الحوار، الذي دعا إليه نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان، من أجل إيجاد مخرج للأزمة، رفض شباب الإخوان هذا الموقف، وأعلنوا أن هدفهم هو إسقاط النظام، وليس التحاور معه، معلنين رفضهم لأي نتائج قد يخرج بها هذا الحوار، لكن رغم كل هذه الافتراقات، التي بدت بين مواقف قيادة الجماعة وشبابها، إلا أنها لم تخرج للعلن إلا بعد نجاح الثورة، وتنحي الرئيس مبارك». ويتابع «بدأت في الأيام التالية الدعوة من قبل الشباب لإحداث تغييرات شاملة في بنية الجماعة، وهو ما تجلى في مؤتمر شباب الإخوان الأول». وعن انشقاق عبدالمنعم أبو الفتوح، يشير البحث إلى أن أسباب «الشقاق» الرئيسة بين «أبو الفتوح» وقيادة الجماعة، «تدور حول فكرة الحزب، الذي سعت الجماعة لتأسيسه بعد الثورة. حيث اعتبر أبو الفتوح أنه سيعتمد على رصيد الجماعة التاريخي، ولن يكون له من الآليات ما يمكنه من التواصل الشعبي الحقيقي، مجددا رفضه فكرة تحويل الجماعة إلى حزب سياسي، وأعلن اعتزامه خوض الانتخابات الرئاسية كمستقل». ويعتقد فودة أن النظام المصري، وخلال الفترات المتتالية استطاع أن يضع «الإخوان المسلمين» في سياق محدد غلب عليه الطابع الأمني، يتعامل معهم من خلاله. هذا السياق جعل «الجماعة» تكيف بنيتها المؤسسية والفكرية وفقا له، وهو ما نتج عنه «انكماش في هذه البنية، ترتب عليه فشل الجماعة في مواجهة استحقاقات أخرى، خاصة تلك المتعلقة بالتيارات الفكرية داخلها»، وهو سبب رئيس في الانشقاقات التي حدثت تاليا، برأيه، إضافة إلى «الهرم والشيخوخة الفكرية» التي أصابت كثيراً من قيادات الجماعة!. أحد أعضاء الجماعة يحمل علم الاخوان خلال مظاهرة
د. محمد مرسي في إحدى مؤتمراته قبيل انتخابه رئيساً لمصر