منذ ان تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا رحمه الله في 1928 وهي تتميز بالتماسك والوحدة في أحلك واشد الظروف قسوة، بل ربما يمكننا القول إن التضييق الذي اشتد خناقه على جماعة الإخوان المسلمين في مصر في عهد النظام السابق كان عاملا مهما ومساهما في إخفاء الصراعات والانقسامات الداخلية بين الجماعة التي كانت توصف في وسائل الإعلام المصرية الرسمية بالمحظورة ويزج قادتها في السجون مع كل حراك سياسي. لكن التغيرات السريعة التي شهدتها المنطقة بشكل عام ومصر بشكل خاص وسقوط النظام السابق وأجهزته الأمنية وما تبعه وسيتبعه من اتساع سقف الحرية السياسية والظهور الإعلامي اللامحدود وخروج كوادر من الجماعة إلى النور أظهر الكثير من الخلافات إلى السطح بشكل واضح وغير مسبوق، على الرغم من أن بوادرها كانت موجودة منذ زمن بعيد والصراع الخفي الدائر بين الصقور والحمائم في التنظيم وبين جيل الشباب والشيوخ المسيطر على الانتخابات الماضية والذي انتج تصدعات كبيرة ابتداء بإبعاد الدكتور عبدالمنعم ابو الفتوح من مكتب الإرشاد وهو الشخصية المستنيرة في التنظيم والمعبرة عن صوت الاصلاح لجيل الشباب وقبل ذلك في منتصف التسعينات انشقاق وانقلاب أبو العلا ماضي الذي أسس حزبا سياسيا مدنيا بخلفية دينية ودأب على مهاجمة الإخوان بعد ذلك. وبالعودة إلى حديث سابق للقيادي بالجماعة الإسلامية ناجح ابراهيم فإن بوادر الخلاف كانت موجودة وإن لم تصل لحد الصدام كما هي عليه اليوم حيث يقول: "ان هناك أصوتاً تعالت داخل جماعة الإخوان ذاتها تطالب الجماعة بإعادة النظر في مشاركتها السياسية في الوقت الحالي، حتى أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح طلب أخيرًا من الإخوان عدم خوض الانتخابات لسنوات عدة.. كما أن توجهات المرشد الحالي الدكتور محمد بديع تنحو نفس هذا المنحى". يبدو أن صمود الجماعة بهيكلتها الحالية لن يدوم طويلا لأن مناخ الحرية له ضريبته فقد بدت بوادر الانشقاق تتضح بشكل أكبر مع مرور الوقت وكانت المفاجأة في بداياتها بإعلان أبو الفتوح تأسيس حزب جديد باسم النهضة ينافس الحزب الرسمي لجماعة الاخوان والذي اعلنت عنه باسم (الحرية والعدالة)، وعلى رغم تضارب الأنباء حول استقالته من الجماعة وعودته بنفي ذلك إلا أنه يوضح مدى الارتباك والانقسام الذي تعيشه الجماعة . وكان أبو الفتوح طالب بانتخابات علنية بعد حل أمن الدولة وهو ما يمكن الجماعة من عقد مجلس الشورى، لكن الجماعة رفضت هذا الاقتراح، بل إن الأمر تجاوز ذلك ليقوم المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع بشن هجوم لاذع على عبد المنعم ابو الفتوح ومن معه ممن ينوون إنشاء أحزاب، غير حزب "الحرية والعدالة"، مؤكدا أن أبو الفتوح سيدفع ثمن هذا الكلام. الخطوة التي اتخذها عبد المنعم أبو الفتوح بإنشاء حزب أشعرت الكثير من الإخوانيين بالخطر على وحدة جماعتهم في الفترة القادمة كون أبو الفتوح قيادي صاحب صوت مسموع وله أتباع ومعجبون من أبناء الإخوان وشباب الجماعة المطالبين بالتغيير على وجه الخصوص كما أنه لا يستبعد أن يكون هناك رموز أخرى في الجماعة تؤيده وإن لم تعلن حتى اللحظة عن موقفها بشكل علني، كذلك استقالة الدكتور محمد حبيب نائب المرشد وإن كانت من أجل الرغبة في التجديد وافساح المجال لضخ دماء جديدة كما أعلن عنها فإنها بلا شك لا يجب أن تمر مرور الكرام. وربما كانت الشرارة التي اشعلت النار كما يقال هي مشاركة أبو الفتوح مع الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد السابق، في مؤتمر شباب الجماعة، الأسبوع الماضي والذي رفضت قيادات الجماعة المشاركة فيه. ففي تصريحات صحفية قال كمال سمير فرج، منسق ثورة تطوير الإخوان، إن انسحاب مكتب الإرشاد من حضور المؤتمر أو رعايته بسبب ما تردد حول مشاركة أبو الفتوح وحبيب. مؤكدا مشاركة الشباب في المؤتمر وعرض وجهة نظرهم، أمام مجلس شورى الجماعة، بعد انسحاب مكتب الإرشاد. وقال محمد نور، أحد منظمي المؤتمر، إن مكتب الإرشاد، سبق له أن وافق على رعاية المؤتمر والمشاركة فيه، وإن "المكتب" دعا بعض قياداته للمشاركة في المؤتمر بعد عقد ورش عمل بعلم "المكتب"، لكن الدكتور محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد، نفى موافقة "المكتب" على أي عرض لتنظيم المؤتمر، وأنه لم يقر حضور ممثلين عنه، فيما أكد مكتب الإرشاد أنه بدأ سلسلة من الحوارات الموسعة مع شباب الإخوان منذ أكثر من شهر، وأن هذه الفعاليات مستمرة لمناقشة جميع الرؤى والأفكار المطروحة للمرحلة المقبلة. ولعلي أقول إن ثمة مؤشرات تؤكد أن شهر العسل قد انتهى بين أبو الفتوح ومعه جيل شاب وجماعة الإخوان حيث أفادت تقارير إعلامية برغبة عبد المنعم أبو الفتوح تقديم استقالته من منصبه كعضو مجلس الشورى العام للجماعة، بل هناك تسريبات تؤكد تقديمها وانشقاقه عنها، وأن تراجعه كان بسبب ضغوط كبيرة تعرض لها من قيادات وأصدقاء . ونقل موقع اليوم السابع عن الدكتور محمد الشهاوي المتحدث باسم الحزب المزمع إنشاؤه أن أبو الفتوح سيعقد بداية الأسبوع المقبل مؤتمرا صحفيا لإعلان تفصيل الحزب السياسي الذى سيعكف على إنشائه، ويدرس حاليا مبادئ الحزب والأهداف العامة وخريطة العمل التي سيتحرك فيها. وأكدت صفحة محبي أبو الفتوح على الفيس بوك أن هناك محاولات جادة لإقناع أبو الفتوح الأيام الماضية للترشيح للرئاسة، وكذلك إنشاء حزب سياسي بخاصة بعد لقاءات جماهيرية تم تنظيمها الأسابيع الأخيرة، كما تم إنشاء صفحة خاصة على الفيس بوك باسم "عبد المنعم أبو الفتوح رئيسا لمصر"، وتم من خلالها إدارة نقاش حول مفاهيم وقضايا وإشكاليات متداولة بخاصة ما يتعلق بالموقف من الإخوان في حال إنشاء الحزب السياسي أو الترشيح للرئاسة والذى أعلنه أبو الفتوح نهائيا بأنه سيستقيل من الإخوان في حال الترشيح للرئاسة ليكون مستقلا. شباب الإخوان.. هل هو صراع أجيال؟ "الجماعة ستكون نهايتها على أيدي الشباب" العبارة السابقة قالها لي أحد محبي الإخوان بمرارة تعكس حجم الفجوة الكبيرة بين القادة والشباب والتي يعبر عنها البعض بأزمة صراع الأجيال. لن نستعجل ولن نطلق أيا من الأحكام ولكننا سنقوم في الأسطر القادمة بقراءة المواقف ومعالم الاختلاف في محاولة عميقة لفهم ما يجري. ظهرت بوادر الأزمة في جماعة الاخوان المسلمين منذ عام 2005 اذ على الرغم من الهدوء الذي ساد العلاقة بين الطرفين خلال الفترة التي سبقت سقوط نظام مبارك فقد شابها بعض المواقف المتوترة ويعزو أحد شباب الإخوان هذا الاختلاف الى سياسة الجماعة التي تتجاهل مطالب الشباب وآرائهم السياسية في بعض القضايا كقضية غزة. ويشير المتحدث الإعلامي السابق باسم طلاب الإخوان في جامعة الأزهر محمد ماهر عقل إلى أن ما يثار حول انتخابات مكتب الإرشاد والمرشد التي جرت في عام 2010 لا يشغل شباب الإخوان في شيء، فثمة أمور أخرى حسب رأيه تستحوذ على اهتمامات القطاع الشبابي داخل الجماعة مثل بطء القرارات الإدارية في الجماعة وطغيان الجانب السياسي على الجانب التربوي وإعداد كوادر للانتخابات القادمة بحسب ما أورده موقع الإسلاميون. لكن الدكتور مصطفى النجار الناشط الإخواني وصاحب مدونة أمواج في بحر التغيير يرى أن الصراع داخل الجماعة هو صراع "أفكار" وليس صراع "أجيال" مشيرا إلى أن كثيرا من شباب الإخوان محافظون فكريا للحد الذي يجعلهم أقرب إلى المنتمين للتيار السلفي. وقال النجار بحسب ما أورده موقع الإسلاميون.نت قبل نحو عامين: "أعتقد أن هناك خلافا بين الإخوان حول تصورهم وفهمهم لدور الجماعة، فهناك من يرى أن الإخوان هي جماعة ربانية ونورانية ولا بد من الانكفاء على الذات للحفاظ على وحدة الصف والتنظيم، بينما يرى آخرون أن الجماعة ملك للمجتمع، ولا بد أن تنفتح عليه من أجل تفعيل رسالتها في خدمته"، مشيرا إلى أن أزمة استقالة المرشد كانت نتيجة لهذا الخلاف والصدام بين ما يسميه بتيار العمل العام وتيار التنظيم داخل الجماعة. ووصف النجار العلاقة بين شباب المدونين والجماعة بالمتوترة، وقال: "الكثير من المدونين والناشطين من أبناء الجماعة على شبكة الإنترنت أصبحوا يخشون على أنفسهم من التعرض للفصل أو التهميش بعد ما حدث مع الدكتور عصام العريان". ويعتقد النجار أن شباب المدونين لديهم رؤية إصلاحية ذات ملامح مشتركة أبرزها الشعور بأن الجماعة تمر بأزمة في الفترة الأخيرة لها شق اجتماعي وتربوي وفكري إلى جانب التأكيد أن الجميع ينبغي أن يكون له دور في المرحلة القادمة والتخلي عن روحية الإقصاء وفرض الوصاية. والملاحظ ان الجماعة لم تسع قياداتها لحل الأزمة أو سماع أصوات الشباب والانصات لهم بدليل أن هذه المطالب السابقة التي ترددت طيلة أعوام عادت من جديد في المؤتمر الشبابي الأول الذي انعقد قبل أيام وتخلفت عنه القيادات وأبرز هذه المطالب هي: 1- مراجعة التصريحات الخاصة بعدم السماح لأفراد الإخوان بالمشاركة في أحزاب أخرى وترك الباب مفتوحا لمشاركة الأفراد في أحزاب أخرى لا تتعارض مع المبادئ الأساسية للإسلام. 2- انتخاب أفراد الهيئة التأسيسية كافة مع مراعاة وجود نسبة معتبرة من خارج الإخوان وهم بدورهم يصيغون لوائح الحزب وبرنامجه وينتخبون رئيسا. 3- أن يتكون وكلاء مؤسسي الحزب من فردين وأن يكونا من خارج مكتب الإرشاد تحقيقا لاستقلالية الحزب وأن يكون أحدهما من الشباب أقل من 35 سنة. 4- استقلالية النشاط الحزبي إرادة وإدارة عن الأنشطة الدعوية والاجتماعية والسياسية الأخرى كافة. 5- المسارعة في التقدم بأوراق إشهار مؤسسة أو جمعية الإخوان المسلمين بوزارة التضامن الاجتماعي والحصول على الترخيص القانوني والعلني لها. 6- فتح حوار مباشر ومفتوح بين أفراد الإخوان من المستويات كافة في كل المناطق والمحافظات من خلال عقد ندوات ولقاءات مفتوحة. 7- إنشاء قسم للشباب يهتم بقضايا الشباب بعد سن الجامعة لتوفير المعلومات والدراسات لدعم اتخاذ مراكز اتخاذ القرار بالجماعة. 8- تبني عقد مؤتمرات نوعية في المجالات المختلفة كالإعلامية والتربوية والدعوية من داخل الإخوان وخارجها. 9- تشكيل لجنة متابعة وتطوير للمحافظات كافة ومشاركة واسعة وجعل شباب الإخوان تتبنى ملفات آليات تطوير الجامعة وتتابع نتائج المؤتمر. والمتأمل في المطالب السابقة يلاحظ أنها لا توحي باختلافات فكرية أو رغبة في الانشقاق والتمرد بقدر ما تعبر عن احساس بالتهميش ورغبة في القرب من منطقة اتخاذ القرار والمساهمة الفعالة بصوت عال ومسموع في رسم مستقبل الجماعة وسياساتها، لكن القيادات الفاعلة في الجماعة ايضاً لها مطالب تؤسس للانشقاق ولعل تأسيس حزب النهضة وتصريحات المرشد العام العنيفة تجاهه تؤكد أن المرحلة المقبلة لا بد وان تشهد انشقاقات كبرى داخل الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم. * مركز الدين والسياسة للدراسات www.rpcst.com