رغم انتشار تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في مناطق كثيرة من العالم إلا أن مصر كانت نقطة انطلاقته الأولى، حيث شكَّل حسن البنا أولى جماعات الإسلام السياسي على الإطلاق. وواجه الإخوان صعوبات كثيرة في مصر تراوحت بين القيود والمنع من مختلف الدرجات والوطأة استمرت منذ 1954، لكن ثورة 25 يناير أتاحت لهم العودة بقوة للعمل السياسي العلني والصريح. ولأن العمل السياسي هو أحد مبررات وجود الإخوان، فإن عودتهم الظافرة للساحة السياسية المصرية باتت واحدة من أكبر أسئلة الحياة السياسية المصرية في مرحلة ما بعد الثورة، مثل تصور المجلس الأعلى للقوات المسلحة للإخوان المسلمين ودورهم، والحجم الحقيقي للإخوان في الشارع المصري وما يمكن أن يحققوه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وحقيقة البرنامج الذي يرغب الإخوان في تنفيذه، وطبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والحزب السياسي الذي أطلقته الجماعة، ولماذا يصر الإخوان على إجراء الانتخابات البرلمانية قبل كتابة دستور للدولة الجديدة، وغيرها من الأسئلة. وقد أعلنت الجماعة مبكراً بعد انتصار الثورة عن نيتها الانخراط في الحياة السياسية، وأعلنت عن أن عملها السياسي سيتم من خلال تأسيس حزب سياسي، وليس عبر تحول الجماعة نفسها إلى حزب. وعلى الرغم من الصعوبة النسبية للشروط التي وضعها قانون الأحزاب، فقد كان حزب الحُرية والعدالة الذي أطلقه حزب الإخوان المسلمين واحداً من أوائل الأحزاب التي مُنحت رخصة قانونية بعد الثورة المصرية. لكن حجم الجماعة الذي تضخم بصورة غير مسبوقة في السنوات العشر الماضية ولَّد تعددية سياسية تلقائية في صفوفها، الأمر الذي أدى إلى تأسيس أحزاب جديدة، تختلف في برامجها، قليلاً أو كثيرًا، عن برنامج حزب الحرية والعدالة. أبرز الأحزاب التي يعمل الإخوان على إطلاقها الآن: حزب النهضة، حزب الريادة، حزب الإصلاح والتنمية وحزب التيار المصري. وقد كتب إيريك تراجر تحليلاً عن حزب التيار المصري نشره "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" في يوليو قال فيه: إن قيام شباب الإخوان المسلمين بتشكيل حزب صغير جديد لم يكن بمثابة انشقاق عقائدي وإنما كان عملاً نابعاً من السخط على عجزهم عن التقدم بسرعة. إن القرار الأخير من جانب النشطاء البارزين الشباب في جماعة الإخوان المسلمين بالانفصال عن منظمتهم الأم من أجل تشكيل حزب التيار المصري إنما يُظهر مرونة السياسات المصرية في الفترة الانتقالية الجارية. ومع ذلك، فإنه لا يمثل تغييراً كبيراً في البيئة السياسية العمومية للبلاد على المدى القصير. وقد حدث الانشقاق بسبب خلافات إدارية وليست عقائدية، ولا تزال جماعة الإخوان المسلمين أقوى فصيل سياسي متماسك في مصر. خلافات إدارية يمثل حزب التيار المصري تتويجاً للمواجهة المكثفة على نحو متزايد بين "مكتب إرشاد" جماعة الإخوان المسلمين ونشطاء الإخوان الشباب البارزين فيما يتعلق بطبيعة عمليات صناعة القرار الداخلي للجماعة. وقد بدأ الخلاف منذ أشهر عندما رفض مكتب إرشاد الجماعة مطالب النشطاء من أجل دعم مظاهرات 25 يناير المناهضة لحسني مبارك. وقد استمرت الخلافات بعد استقالة مبارك، حيث طالب النشطاء بمواصلة الاحتجاجات بينما اتخذت قيادة جماعة الإخوان المسلمين نظرة أكثر تحفظاً ومؤيدة للاستقرار من ناحية استراتيجية. إن قيام جماعة الإخوان المسلمين بتشكيل "حزب الحرية والعدالة" ليكون كيانها السياسي الوحيد كان مصدراً آخر للخلاف، حيث رأى "مكتب الإرشاد" أن الحزب هو آلية لتوحيد أعضاء التنظيم تحت راية سياسية واحدة، بينما نظر إليه الشباب بأنه وسيلة من قبل ال"مكتب" لإملاء رغبته على أصواتهم. وفي الوقت نفسه، ونظراً لدورهم الرائد في المظاهرات، بدأ الشباب ينظر إلى شَرْطي السن والخبرة كمتطلبين للعضوية في "مكتب الإرشاد" و"مجلس شورى" الإخوان بأنهما يشكلان تقييداً مبالغاً فيه، وطالبوا بشملهم بصورة أكبر في هذين الكيانين اللذين يشكلان مطبخ صنع القرار السياسي. وقد وصلت هذه الخلافات إلى ذروتها في 28 مايو عندما أصدر مكتب الإرشاد بياناً أعلن فيه أن شباب الإخوان المسلمين الذين شاركوا في المظاهرات غير المصرح بها لم يعودوا يمثلون التنظيم. وقد بدأ الشباب في إنشاء حزبهم بعد ذلك مباشرة. وحتى الآن لم يخرج مؤسسو حزب التيار المصري برؤية عقائدية مختلفة عن رؤية جماعة الإخوان المسلمين. وفي الواقع، أن هدفهم المعلن في خلق فصيل إسلامي على غرار حزب العدالة والتنمية إنما جاء بالضبط تقليداً لوصف حزب الحرية والعدالة الذي أصدره أعضاء مختلفون في مكتب الإرشاد. وفي وثائقه التأسيسية يحرص الحزب الجديد على تفادي البيانات العقائدية، في الوقت الذي يؤكد على الشمولية ويرى نفسه ك"حزب شباب يمثل طريقة وفهماً جديداً للحياة السياسية المصرية بالاعتماد على الشباب وإبداعهم وقدراتهم العالية على الإنجاز" و"إشراك موطنين كأفراد... في الشؤون العامة للدولة". وتعزز تلك الملاحظات العادية، المدى الذي يمثل فيه حزب التيار المصري نقداً للهياكل الداخلية المغلقة لجماعة الإخوان المسلمين وليس بديلاً عقائدياً لها. إن الحقيقة بأن ثلاثة من بين الأربعة المُنشئين للحزب إسلام لطفي ومحمد القصاص ومعاذ عبدالكريم قد عملوا في جماعة الإخوان المسلمين لما يقرب من 15 عاماً وتركوها فقط عندما رُفضت مطالبهم حول الحصول على قدر أكبر من النفوذ، إنما تزيد في تأكيد غياب انقسام ذي مغزى فلسفي حقيقي. ومع ذلك، فإن مغادرة أبرز النشطاء الشباب لجماعة الإخوان المسلمين إنما يطرح سؤالاً مهماً وهو: كيف سيؤثر ذلك على أداء الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل؟ قطع طفيف وليس انشقاقاً عميقاً إن ظهور حزب التيار المصري هو الأحدث في سلسلة من حالات مغادرة شهدت زخماً إعلامياً كبيراً التي قام فيها نشطاء في الإخوان المسلمين بترك الجماعة في الأشهر الأخيرة. وفي فبراير، خالف عضو "مكتب الإرشاد" السابق عبدالمنعم أبو الفتوح معارضة "مجلس شورى" الإخوان حول تقديم مرشح رئاسي وأعلن ترشحه للمنصب. وفي مارس، انفصل عضو مجلس شورى الإخوان السابق إبراهيم الزعفراني من التنظيم ليشكل حزب النهضة. وفي يونيو، تركت مجموعة أخرى من كبار القيادات الإخوانية لكي تشكل حزب الريادة. وعلى الرغم من أن الظهور المتزايد للأحزاب والمرشحين المنفصلين يمكن أن يقوض حيوية الإخوان المسلمين على المدى الطويل، إلا أنه من غير المرجح أن تحفز مجموعة الفروع الحالية نحو حدوث انقسامات عميقة يمكن أن تضعف الجماعة على المدى القصير. فقد قام الإخوان المسلمون بسرعة بطرد جميع المشاركين في هذه الجهود الجديدة ومن بينهم 4000 عضو يقال إنهم وقَّعوا على حملة أبوالفتوح الرئاسية، وكذلك النشطاء البارزين الذين أسسوا حزب التيار المصري. إن من شأن هذا التصرف الحاسم أن يعيق إخواناً آخرين من حتى مغازلة هذه الفروع. وعلى كل حال، يعمل الأعضاء عادة داخل التنظيم لخمس أو ثمان سنوات قبل أن يصل أحدهم إلى مرتبة "أخ عامل"، ولذا فمن المستبعد أن يغامروا بخسارة شيء عملوا بجد على تحقيقه. كما أنهم مرتبطون أيضاً بالتنظيم من خلال "أسرهم" المترابطة ذات الخمسة الأفراد أي المجموعات الصغيرة من الإخوان المسلمين التي تلتقي أسبوعياً لدراسة نصوص إسلامية ومشاطرة أحداث من حياتهم الشخصية. إن خطر الإبعاد من الجماعة سيكلف معظمهم ثمناً اجتماعياً باهظاً. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الأحزاب الفرعية جديدة جداً لكي تستطيع أن تُرضي بصورة جدية قاعدة الدعم الواسعة لجماعة الإخوان المسلمين. ففي أغلب الأحيان لا يمكن تمييزها عقائدياً عن بعضها البعض كما يجب أن تتنافس مع أحزاب إسلامية أخرى، مثل حزب الوسط، الذي قدم نفسه كبديل لجماعة الإخوان المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها لا تزال في طور الحصول على تراخيص من لجنة شؤون الأحزاب الحكومية، ولذا فقد كانت عاجزة عن التركيز على تطوير الدعم الشعبي لانتخابات سبتمبر. وعلى النقيض من ذلك، فإن حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين كان قد أمضى الكثير من الشهرين الماضيين مستخدماً شبكة الإخوان المنتشرة على نطاق البلاد لبناء بنيته التحتية، بالإضافة إلى مقراته في القاهرة. وفي الأسبوعين الماضيين أجرى الحزب انتخابات على مستوى المحافظات فيما لا يقل عن 19 محافظة من بين محافظات مصر ال27 وفي كل قطاع من القاهرة. وقد اتُخذت خطوات لإجراء المزيد من الانتخابات المحلية خلال الشهر المقبل. إن هذا التدرج المتطور جيد وسوف يمكّن الحزب من خوض انتخابات سبتمبر كأقوى فصيل إسلامي، مع وجود منافسة محلية أدنى من جانب الفروع المنفصلة عنه. على أن مؤسسي حزب التيار المصري يعرفون ذلك، مما جعلهم يضعون نصب أعينهم الفوز فقط فيما بين مقعدين إلى أربعة مقاعد في سبتمبر، مقارنة بأكثر من 100 مقعد لحزب الحرية والعدالة. ويتنافس الحزب المنشق على المدى الطويل، على أمل الحصول على موطئ قدم صغيرة في البرلمان يستطيع من خلاله التأثير على صياغة الدستور الجديد لمصر. ولكن إلى أن يخرج برؤية عقائدية مميزة، من غير المرجح أن تكون لمشاركته في العملية الدستورية تأثير ملموس. خيارات السياسة الأميركية إن الوجهة المعلنة لجماعة الإخوان المسلمين المعادية للغرب تجعل من المغري رؤية حزب التيار المصري باعتباره فرصة لإضعاف التنظيم. ومع ذلك، ونظراً لتقلبات المناخ السياسي الحالي في مصر يحسن بصناع السياسة الأميركيين تبني نهج الانتظار والترقب. إن إعلان إدارة أوباما مؤخراً أنها سوف تتعاطى مع جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن يكون جزءاً من هذا النهج الحذر لكن فقط لو كانت تلك الجهود جزءاً من استراتيجية أوسع للتعاطي مع الكثير من العناصر السياسية الرئيسية في مصر من أجل الوصول إلى فهم أفضل لمصالحها وأهدافها. وفي هذا السياق، بإمكان واشنطن التعاطي أيضاً مع حزب التيار المصري طالما يتمسك صناع القرار السياسي بتوقعات واقعية تجاه قدرة الحزب على تحدي حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين من الناحية العقائدية أو السياسية على المدى القصير. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في نوفمبر قد تعمد واشنطن إلى التركيز على طرق مواجهة القوة التنظيمية لحزب الحرية والعدالة، وقد تستمر في مساعدة المنظمات التي تدرِّب الليبراليين المصريين على إدارة حملات محلية فعالة. كما باستطاعة الدبلوماسية العامة الأميركية أيضاً المساعدة على رفع مكانة الليبراليين عن طريق تذكير المصريين بأن مُحتجي "ميدان التحرير" قد كافحوا من أجل قيام دولة تسودها الحرية الدينية، وأن الأحزاب التي تدعو إلى إقامة دولة إسلامية إنما تقف ضد هذه الرؤية.