يمثل البعد المادي مؤشراً واحداً فقط في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في معرض الرياض الأكبر عربياً من حيث القوة الشرائية، وقائمة كهذه يمكنها أن تكون مؤشراً على اتجاهات القراءة لدى الرأي العام الثقافي، وأبرز المستجدات الفكرية، سواء ما تعلق منها بالدراسات، أو ما استجاب منها لمتغيرات إقليمية وعالمية على شتى المستويات. ولهذا فإن قراءة عناوين الكتب الأكثر مبيعاً قد تكون قراءة غير مباشرة لواقع المرحلة تماماً، كما هي اطلاع على جديد العلم والأدب وصناعة الكتاب. واستكشاف ضمني لحالة التنافس بين تخصصات كتابية وأجناس إبداعية مختلفة في ساحة القراءة واهتمام الجمهور. وفي نسخة هذا العام من المعرض، وبحسب القائمة التي أعدتها اللجنة الإعلامية للكتب الأعلى مبيعاً، وانفردت بها «الجزيرة» من خلال معلومات مباشرة من الناشرين وأصحاب دور النشر، ظهرت كتب جديدة على رأس القائمة للمرة الأولى، فيما واصلت كتب قديمة حضورها السنوي في طليعة اهتمامات الجمهور، حيث أن نفاد بعض الأعمال الأدبية لأسماء عربية وعالمية معينة بات تقليداً دورياً يتجدد في الأيام الأول من كل معرض كتاب، أما المؤشر العام فيدل على أن الكتب الفكرية والروايات تقتسمان كعكة الصدارة القرائية حتى إشعار آخر. بعبارة أكثر تحديداً، يحظى جديد الدعاة – والحديث هنا عن كتب سلمان العودة، وعايض القرني، ومحمد العريفي – بإقبال كبير يضعهم في صدارة مبيعات المعرض على الإطلاق، ويواصل كتاب الرأي تحقيق نجومية خاصة في قوائم المشترين، رغم أن أغلب كتبهم تتضمن مقالات تم نشرها في مرحلة ماضية، وهو ما يمكن ملاحظته في حالة محمد الرطيان، وعبدالله المغلوث، مثلاً، والتي اختلف عنها الكاتب الصحفي عبدالله بن بخيت هذا العام بإصدار يتناول مذكراته الشخصية، وتجدد كتب بعينها بإصدارتها التي تكررت خلال أعوام ماضية. ويتعلق الأمر هنا بأعمال أحلام مستغانمي، وواسيني الأعرج، والطيب صالح، ويوسف زيدان، ومحمد عابد الجابري، وأمين معلوف، وغازي القصيبي، ومنذر قباني، وأثير عبدالله، وعبده خال، ومحمد حسن علوان، وغيرهم، فيما يعود الدكتور عبدالله الغذامي لصدارة مبيعات الكتاب من خلال مؤلفه الجديد «الجهنية»، الذي يطل هذه المرة من جناح مؤسسة الانتشار، وليس المركز الثقافي العربي كما جرت العادة. ويجدد الدكتور فهد العرابي الحارثي تحقيق النجاح القرائي في العام الماضي مع كتاب «المعرفة قوة، والحرية أيضاً»، ولكن هذه المرة مع كتابه الجديد «هؤلاء وأنا». وفي جوانب أخرى، نجحت أسماء أدبية سعودية شابة مثل سامي الجار الله، وفائق منيف، في تحقيق نسب إقبال عالية، وهو الأمر الذي تحقق كذلك مع رواية تنشر للمرة الأولى للكاتبة فضية الريس، كما حققت الأسماء المعروفة «الراحلة» خلال العام الماضي ظهوراً واضحاً، فاستأثرت نسختان مختلفتان من سيرة خبير التقنية، والمبتكر العالمي الراحل ستيف جوبز، بصدارة الاهتمام الشرائي في جناحي جرير والعبيكان، فيما كان للباحثين عن الإصدارات المقروءة والمرئية للدكتور إبراهيم الفقي إقبالاً مضاعفاً على جناح شركة «ميديا بروتك». أما النواحي التي تستحق الوقوف عندها، فكانت تصدر القاموس «الروسي العربي» مبيعات إحدى دور النشر، وبشكل كان مثار استغراب المشرف على الدار نفسه، حيث كانت المفاجأة بحجم الإقبال على هذا القاموس.. لم أتوقع أن اللغة الروسية تحظى بشعبية هنا.. لقد انتهت كل النسخ ومازال هناك من يسأل عنه»، وكذلك تربع كتاب «فهم الفهم.. مدخل إلى الهيرمنوطيقا» على الصدارة في دار أخرى، وفي هذه المرة لا يبدي البائع أي استغراب تجاه جماهيرية كتاب نقدي بالغ التخصصية، ويقول «الفئات التي تشتري هذا الكتاب لا تقتصر على الأكاديميين فقط.. وأثبت معرض الرياض للكتاب هذا العام أننا أمام جيل نهم للقراءة، وهو مقبل على كل أنواع الكتب.. وسيكون له مستقبل مؤثر في الثقافة العربية».