يدَّعي بعضهم أن العباقرة والموهوبين لا يملكون حساً اجتماعياً، ويتهمونهم بالانسحاب المجتمعي وأنهم فقراء اجتماعياً حتى مع أهليهم وذويهم، ويخلطون بينهم وبين من يشحذه أهله إلى التفوق بغية الحصول على أعلى الدرجات، دون مراعاة لحالتهم النفسية؛ فيتشرب هؤلاء هذا التحفيز الجائر ويكون طبْعاً يغلب على شخصياتهم، ويكسبهم سلوك التوتر، وعدم الاستقرار النفسي، وتنمو معهم مجموعة من الصفات غير المناسبة أو ربما غير الأخلاقية، حيث تنعكس سلباً عليهم في مسيرتهم الحياتية، وهذه أحكام جائرة لا تنطبق على الكل، إن مَنْ يقرأ سير العباقرة والعلماء يجد في شخصياتهم روح الفكاهة والدعابة والسمو وحُب الفن والعواطف، بتميز ما كانوا عليه من عبقرية، فسيرهم فيما بينهم مملوءة بالقصص والتضحيات، وهم حينما يلتقون مع بعضهم تجدهم في عوالم كثيرة من الطرافة والمواقف الإنسانية الرائعة، لكنهم أحياناً ينزوي بهم تفكيرهم الرياضي، فيرون أنهم غير مسؤولين عمن حولهم لأنهم لا يجدون فيهم ما يثير اهتمامهم فيتعاملون معهم كمواد على أرض البسيطة، ويعتقدون أنهم على الصواب ويرون أن من يزيد على ذلك يُعد تكلفاً في الوقت والجهد. لذلك نجدهم لا يهتمون بملء فنجان القهوة وكوب الشاي أيهما الأقل والأكثر، بينما يراه الآخرون متطلباً من متطلبات الحياة. ولو سلمنا بأن هذه من خصائص الموهوبين لتوجب علينا أن نعيد النظر في طريقة التعامل مع هذه الفئة حتى لا تكون هناك فجوة في الحكم عليهم ومقارنتهم بمن حولهم، فالموهبة بحد ذاتها خروج عما ألفه الناس وفكروا فيه، ولذلك نجد أن هناك أنواعاً كثيرة من الذكاءات منها: الذكاء اللغوي والاجتماعي والعاطفي والموسيقي والحركي، وهذا ما يتميز به كثير ممن حولنا في الشعر والفصاحة والفن والرياضة … إلخ. إن الحديث عن الموهبة والعبقرية مرتبط بالحديث عن الذكاء وهو الذي نجده في اللاعب والرسَّام والفنان وغيرهم، (حيث يحتوي مصطلح – الذكاء – على عديد من أنواع – قدرات العقل – مثل القدرة على التحليل، والتخطيط، وحل المشكلات، وسرعة المحاكمات العقلية، ويشمل كذلك القدرة على التفكير المجرد، وجمع وتنسيق الأفكار، والتقاط اللغات، وسرعة التعلم. فكلمة «ذكاء» تستخدم لوصف القوى العقلية الخاصة بالأشخاص، كما يتم استخدام هذا المصطلح لمن يملك قدراً كبيراً من المعلومات و- قدرات العقل – المميزة). فما يراه الآخرون من إجادة بعضهم لفن الملاطفة والتناسق الاجتماعي مع غالب الناس يُعد ذكاءً، وفي مقابل ذلك قد يخفق أمثال هؤلاء الاختيار في جوانب شتى يتفوق عليهم فيها غيرهم. إننا حينما نصدر مجموعة من الأحكام وخاصة في التربية والتعامل مع الآخرين يجب أن نأخذ في عين الاعتبار عوامل كثيرة قبل إصدار تلك الأحكام حتى لا نقع في تصنيف خاطئ تنعكس نتائجه سلباً على المجتمع.