لا أكسل من شخصٍ يدرك أنه يغرق، ولايملك النشاط الكافي ليرسل رسالة استغاثة وهو فوق الماء قبل ألا يملك أن يرسلها عمليا وهو تحت الماء إلا إذا كانت أغنية عاطفية كتلك التي غناها العندليب بكلمات قباني، وللشعراء يجوز ما لا يجوز لغيرهم لكننا معشر الصحفيين لا يجوز لنا إلا أن نكتب لغة يفهمها الجميع وأن نبحر في عباب الكلمات دون أن نثير حيتان البحر ولا أن يجوع أطفال المركب من سميكات صالحة للأكل وكليمات صادقة للعقل لكي لا تخسر احترام من يشاركونك ويسمعونك ولا أن تفقد المركب الذي يحملك ويؤويك. الكسل عن الصراخ وقت الأزمات قد يكون مؤشرا مزعجا إن فات الوقت لاستغاثة ما، لكنها ربما تعبر عن حالة إحباطٍ من أجواء ثقافية ملأى بالغث والسمين لا تملك معها إلا أن تتوارى برسالتك، سواء ظلت فوق الماء أم غرقت داخله، لأنها في مثل هذه الأجواء لا تعدو إلا أن تكون ورقا مبلولا يُنصح كاتبه بشربه. مجتمعاتنا العربية تميل إلى الصراخ، فالأكثر صراخا هم الأقرب إلى الحق وبالتالي هم الأحق بالإنقاذ، مجتمعنا المحلي ركب موجة الهياط في سنوات الطفرة الأخيرة حتى صاح فيهم العقلاء بأصوات ضعيفة مخنوقة، لقد أثقلتم مراكبنا الخفيفة بأوزارٍ ثقيلة، فاختاروا بين أوزاركم وبين البقاء. أصحاب المجاديف النحيلة وهم يغرفون الأمواج المتلاطمة، لاشك أنهم يواجهون امتحانا صعبا في قوة المعنويات، وهم بأقلامهم وسط الأزمات كمن يوقف الريح ببضع ورقات وهيهات له أن يفعل، لكنها أمانة الكلمة وحق القلم، ما يجعل الحبر دفاقا في المحابر والدم متجددا هما في العقول والدمع يترقرق حيرة في المحاجر. لنفسي ولكل ذي هم، والكل صاحب رسالة: أقلامنا وإن قل شأنها بإمكانها إن اجتمعت أن تخلق جيلا جديدا من الكلمات لا يشبه القديمات، يبني ولا يهدم، يشير ولا يصدم، ينقذ المركب المتداعي لثقافتنا من وعثاء رحلته ويضعه حيث يستحق بين أقرانه في العالم، وهنا أرفع القبعة احتراما لزميلة الدرب العائدة لبحر الصحافة السعودية إيمان الحمود، وهي ربانة ماهرة لا تنساق لحرب التيارات وتعبر دوما بسلام بين الواقع والمطلوب.