قبل يومين، في الثلاثين من مارس، مرت، بتجاهل عربي عام، الذكرى الأربعون ل «يوم الأرض»، الذي تجسَّدت فيه الإرادة الفلسطينية في مختلف مناطق فلسطين التاريخية، بما فيها أراضي «ال 48»، التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة، ثم امتدت المظاهرات والاحتجاجات إلى قرى الجليل حتى النقب، فضلاً عن الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومخيمات اللاجئين، خصوصاً في لبنان. حدث ذلك إثر إقدام قوات الاحتلال الصهيوني على مصادرة آلاف الدونمات من أراضي فلسطين التاريخية، استمراراً لتنفيذ ما شرَّعته قوات الاحتلال، وسمَّته «قانون العودة»، الذي هدفت من خلاله إلى تشجيع المهاجرين اليهود من شتى أنحاء الدنيا ليستوطنوا في فلسطين. يضاف إلى هذا القانون البغيض قانونٌ آخر، أصدرته قوات الاحتلال لكي تستحوذ، وتصادر الأراضي، وسمَّته «قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي»، والهدف منه مصادرة أراضي الفلسطينيين، الذين تم طردهم من بيوتهم في مناطق «ال 48» بعد أن تم تصنيفها على أنها أملاك غائبة، لتصل مساحة الأراضي التي تمَّ مصادرتها منذ العام 1948 وحتى مطلع الألفية الثالثة إلى أكثر من ألف كيلو متر مربع، تمَّ مصادرتها من المواطنين العرب في مناطق «ال 48». منذ وطأت أقدام الغزاة الصهاينة أرض فلسطين والمقاومة مستمرة، والشعب يقدم قوافل الشهداء، ويروي بدماء أبنائه الطاهرة الزكية تلك الأرض، ويؤكد على ذلك الإصرار بيت الشعر القائل: سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل سنطردهم من هواء الجليل ولأن الصراع هو صراع وجود على الأرض، والجغرافيا، والحضارة، فقد واصل الفلسطينيون مقاومتهم، فتفجَّرت ثوراته وانتفاضاته دون انقطاع منذ الثلاثينيات عندما كانت عصابات «شتيرن» و»الهاغانا» تمارس القتل بدم بارد ضد المواطنين الفلسطينيين بهدف طردهم من أرضهم، حتى يومنا هذا، عندما خرجت قبل يومين الجماهير الفلسطينية من قرية دير بلوط نحو الأراضي المهددة بالمصادرة والاستيطان إحياءً ليوم الأرض، فقمعها الاحتلال، واعتدى على المتظاهرين العزَّل، الذين اشتبكوا بالأيدي مع قواته المدججة بأسلحة الدمار والموت، ورغم القمع، ورغم التعزيزات، والمدرعات المساندة لجنود الاحتلال، استطاع المتظاهرون من الوصول إلى أراضيهم في تحدٍّ رائع لجنود الاحتلال وممارساتهم الهمجية والعنصرية. يأتي يوم الأرض هذا العام، وانتفاضة الشباب الفلسطيني مستمرة ضد الاحتلال، ليؤكد فيها على حقه في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل التي أقرَّتها المواثيق الدولية من أجل تحرير كامل ترابه الوطني، وإقامة دولته المستقلة الديمقراطية وعاصمتها القدس، رغم ما يتعرض له هذا الشباب من عمليات تصفية جسدية، وقتل خارج القانون لم يستطع الإعلام الصهيوني تجاهل بعضها حين انتشرت صور أحد الشبان، وهو يعدم بعد أن سقط جريحاً على الأرض ولم يسعفه أحد. اليوم، يسطر الشعب الفلسطيني بطولاته بتضحيات جسام، وهو يواجه الاحتلال بصدور عارية، بينما تعاني الأمة العربية من كبوات كبرى، وتمر بمرحلة من أصعب مراحلها التاريخية بسبب الاحترابات التي تعاني منها عديد من بلدانها كما هو الحال في سوريا، واليمن، والعراق، وليبيا، وتستنزف هذه الحروب خيرات وثروات بلداننا، فضلاً عن الأرواح، التي تُسفك دماؤها دون وجه حق، إما بسبب الحروب، أو بسبب الإرهاب، الذي تشكِّل تنظيمات «داعش والنصرة والقاعدة» عناوينه الأبرز، والأقبح، والأكثر بشاعة، خصوصاً حين يمتد إلى خارج جغرافية الوطن العربي ليضرب في البلدان الأوروبية، كما حصل قبل أيام في بلجيكا، وقبلها في فرنسا، مقدماً صورة بشعة عن العرب والإسلام في دول العالم، الأمر الذي انعكس على ضحايا الاحترابات من اللاجئين العرب الهاربين على قوارب الموت من تلك المذابح. لاشك في أن القوى الفلسطينية، خصوصاً حركتَي فتح وحماس، تتحملان مسؤولية كبرى في موضوع الوحدة الداخلية الفلسطينية، الذي تسبب في إحداث ثغرات كبيرة، تمكن الاحتلال من الدخول في تلابيبها ليزيد من عمليات تهويد القدس، ويضاعف عدد المهاجرين القادمين إلى الكيان المغتصب، ويفرض «حصارات» شتى على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومن هذا المنطلق، فإن التمسك بالوحدة الوطنية الفلسطينية يعد واجباً مقدساً على كل مكونات الشعب الفلسطيني، وأن مغادرة حالة الفرقة، والانشطار، والتفكك هو مطلب رئيس لأولئك الصامدين تحت حراب الاحتلال، كما أن إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها مرجعية لكل فئات الشعب الفلسطيني ومكوناته في الداخل والشتات، هي من المهام الرئيسية، إضافة إلى ضرورة مغادرة شروط اتفاقية أوسلو، التي لم تنجز إلا مزيداً من التفكيك، ومزيداً من قضم الأراضي، ومضاعفة أعداد المستوطنين، الذين جاءوا من أصقاع المعمورة ليستوطنوا في فلسطين.