من يتأمل الحال في رمضان اليوم يجد أنه يختلف كثيرًا عن رمضان الأمس، ما زلت أذكر أن الكبار كانوا يحرصون بأنفسهم على رؤية الهلال، وكأنهم يريدون الاطمئنان على دخول الشهر الكريم، بينما كان رمضان بالنسبة لي ولأقراني لا يعني إلا اللعب والأكل والركض في الشوارع، وقد كان ذلك ال «رمضان» البعيد يمثل لي مرحلة الطفولة وكأنني أعيشها بالأمس القريب. فالذاكرة تحتفظ بذكريات جميلة لا يمكن أن ينساها المرء، لاسيما أن تلك الذكريات والأحداث يتداخل فيها عبق المناسبات الشعبية والأكلات الرمضانية، بالمرح والسرور والبهجة، وكم كانت تلك الأيام مصحوبة ببعض المواقف بسبب كرة طائشة يقذفها أحد الصبيّة لتفسد على المرأة بعض الصحون المعدّة للإفطار، وغيرها من المواقف التي لا يسع المكان التفصيل فيها أو ذكرها، وحتى المسلسلات التي كانت تُعرض في رمضان زمان كانت تغرس في نفوس الناشئة حب الخير والتضامن، وتعلمهم القيمة الحقيقية للمروءة والدفاع عن المبادئ، لكن رمضان هذا الزمان رمضان يدخل كيوم من الأيام، ولا يعلم عنه بعضهم إلا من ارتفاع أصوات مكبرات الصوت من المآذن في صلاة التراويح، فلا الكبار هذه الأيام مثل الكبار في رمضان زمان يحرصون على رؤية الهلال بأنفسهم، والأسباب كثيرة حتمًا لعل من أبرزها اشتعال المدينة بالأضواء والأنوار التي حجبت عن الناس مشاهدة النجوم في السماء، فكيف بهلال يأتي في فترة وجيزة، وبالكاد أن يُرى، بالإضافة لهذا الاختلاف الرمضاني عن رمضان زمان، أن رمضان هذا الزمان يأتي مصحوبًا بجلبة إعلامية صاخبة، وإعلانات فجّة توهم المتابعين بأنه شهر المسلسلات والأفلام وهلمّ جرًّا من هذا النوع، الذي يركز أصحابه بقصد أو دون قصد – حتى لا ندخل في النيات والذمم – على قتل المروءة وتفتيت الإرادة، والإتيان بكل ما هو معاكس ومضاد وصادم للقيم والأعراف والتقاليد، وكأن هذا النوع من الأعمال هدفه إفساد الناس، أو في أحسن الظروف ظنًّا بالقائمين عليها إشغال الناس عن الطاعة في الشهر الكريم. في ختام هذه الزاوية، لا أودّ أن أقول بأن أجمل ما كان يميّز رمضان زمان، البساطة في كل شيء، في المحبة والتراحم، والإيثار، والحرص على عمل الخير، فمثل هذا الكلام فيه ظلم وتجنٍّ على الناس، فالخير موجود في أمة محمد إلى يوم القيامة كما شهد هو بنفسه عليه الصلاة والسلام بذلك، لكن التغيير الحاصل في رمضان هذا الزمان واضح للعيان، وهذا مما يثير الحزن والأسى في النفوس.