غادر الشيطان ساحة الآدميين فجر أمس معلناً غيابه الإجباري في إجازته السنوية التي يغيب فيها جبراً بأمر التصفيد الإلهي، ذهب ولكنه ترك همزاته الأخيرة وغمزات أنفاسه الخبيثة في تكتيك أخير لعله يُحد نتائجه بعد قدومه بعد شهر هو وحرسه وجماعته بين البشر. ونحن كبشر نمتلك أهم فرصة لا تتكرر إلا ثلاثين يوما فقط تفتح خلالها أبواب السماء لنرتمي في أحضان روحانية الشهر وفضائله. ذهب الشيطان ليترك بيننا أتباعه من شياطين الأنس ويخلف بين ظهرانينا شرارات من الفتنة وإشارات من السوء والشر. الشهر فضيل وأيامه بيضاء إلا أن الشيطان يأبى إلا أن يدس السم في العسل، ونحن كمجتمع مسلم ينبغي أن تخلو سجلاتنا الرسمية من جرائم القتل والاعتداء والسرقة والجنايات وأن تكون سجلاتنا النفسية بيضاء تسر الملائكة. وكصائمين ينبغي أن ننفض عن أيامنا وليالينا غبار ما خلفه الشيطان من دنس الخطايا وفتن الشر في شهور خلت. وكآدميين يجب أن ننظف أرواحنا وقلوبنا وعقولنا من إرث الشيطان وأن ننقي سرائرنا من موروثات السوء بكل أصنافه. الشيطان حتى وإن حضر فكيده ضعيف ولا يتبعه إلا من اتبعه من الغَاوِين ولكن رمضان فرصة لتقوية النفس الإنسانية فإن عاد إليها إبليس يحاول أن يقتحمها فلا بد أن يجد أسوارها عالية وإن أراد الدخول من ثغرات الضعف ومن بينيات اللحمة الإنسانية فلا بد أن يصفع بلغة الصفح وبتفاصيل الإنسانية الحقة. رمضان هو الفلتر الذي تمرر من خلاله سلوكيات البشر والمسلمون أولى خلق الله بتنقية أنفسهم من شوائب الخطايا ورواسب الأخطاء. رمضان هو الضيف الذي يحل علينا ليكون بشرى الدنيا وتباشير الآخرة فيه الرحمة والغفران والعتق من النيران فلنكن وفق مستوى الحدث وعلى مستويات المهمة التي شرع من أجلها رمضان. رمضان يبث فينا الشعور بالآخرين وينثر في وجداننا معنى التراحم والتواد وهو بوابة من بوابات الجنة التي تأتينا نسماتها في أجهزتنا النفسية ومن عاش رمضان بروحانية استشعر هذه القيمة واستلهم معنى الشهر بتفاصيله. غادر الشيطان حاملا حقائبه السوداء ليعود متربصا ولكن بيننا من يتبعه ومن يتابع خططه في الأرض هنالك من لا يعرف قيم رمضان والسمو الإنساني والعلو الإيماني والحنو الروحاني فيه فيظل هائما منفذا لخطط الشيطان. وكي نعرف أن الشيطان ترك بيننا أتباعه يقومون بالدور لو جزئيا علينا فقط أن نفتش في نهاية رمضان عن عدد حالات العنف الأسري والمشاجرات والقضايا الجنائية والطلاق والقتل والإفطار في نهار رمضان وقضايا الفساد والاختلاس والمصائب والخلافات الاجتماعية والمخالفات الإنسانية. نحتاج في رمضان فقط لأن نستشعر قيمته وقامته بين الشهور وأن نعلم ونتيقن ونستيقن أنه نعمة عظيمة من رب النعم كي نرتقي بأخلاقنا ونرقى بأعمالنا وأن يكون دورة تدريبية لتهذيب النفوس وتنقية الأرواح وتصفية العقول وتهيئة القلوب للتعلق بالله حتى نكون مجتمعا إنسانيا ساميا متساميا نحو أعلى القيم اللائقة بالإسلام والمسلمين وشعيرة الصيام وشعائر الدين والنفس.