معادلة الموتِ التي تُكتب يومياً على شوارعنا، بلونٍ أحمر قانٍ، لا تكاد تخلو متغيراتها من عامِلَيْ الاستهتار والسرعة. إنّ إرهاب الشوارع الذي استنزف من البلد شباباً غضاً أرداهم للرّدى، أو طرحهم عُجَّزاً مشلولين لا يقدرون على شيء؛ والسؤال هو: كيف لم يأخذ أحدنا على أيدي المتهورين فيردعهم ويحمي في ذات الوقت الأبرياء الذين لا ذنب لهم؟ وكيف تركْنا الأمر يسوء لهذه الدرجة حتى أصبحنا نحمل على أكتافنا سنوياً خمسة أو ستة آلاف قتيل مخضبين بدمائهم؟ نوُدِعُهم باطن الأرض، وندفن معهم سؤالهم: لماذا كل هذا؟. هل تمنعنا عنترياتنا من أن يرمش لنا جفن أمام المشاهد اليومية للحم البشري المعجون في حديد السيارات؟ في حين نسكب دموع التماسيح في مجالسنا وأحاديثنا اليومية نتباكى على بضع مئات من الريالات عقوبة مخالفةٍ مروريةٍ مستحقة ارتكبها متهور ورصده نظام عادل لا يُحابي ولا يجامل. لقد آن لنا أن نقف مع الحياة ضد الموت، وآن لكل عابث متهور أن يرعوي، ويعرف أن عيناً ترقبه؛ وجزاءً صارما ينتظره، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. وللمتباكي على رغيف الخبز وقوت العيال الذي سلبه «ساهر» – بزعمه، نقول له: ارأف بحالك وحال أحبائك، فالخوف أن يصل الرغيف للعيال ولا تصلهم أنت!. إن نظام الرصد الآلي لإدارة حركة المرور «ساهر» أكمل هذه الأيام سنة كاملة منذ أن بدأ تطبيقه في المنطقة الشرقية، باستخدام أنظمة إليكترونية متكاملة، ومن المتوقع أن ينقذ 11 ألف روح بإذن الله خلال خمس سنوات من بدء تطبيقه. بما يمثل انخفاضاً بنسبة 30% في الوفيات السنوية. ناهيكم عن تقليص الخسائر المادية لتبعات الحوادث المرورية والمقدرة ب13 مليار ريال سنويا حسب بعض الإحصائيات. إنه نظامٌ حازمٌ وعادل، لا يفرق بين المتنفذين والبسطاء ولا تفيد معه الواسطات لشطب المخالفة؛ بل على العكس فهي تَرْبوا مع نهاية الشهر. والعين المنصفة ترى الهدف الأسمى لساهر متمثلاً في تحسين مستوى السلامة المرورية، وإيجاد بيئة مرورية آمنة. وهنا تتجلّى الرؤية الحضارية للمشروع الرامي إلى صناعة ثقافة مرورية ناضجة وإيجابية تتعلق بها الآمال لإيقاف الهدر في الأرواح والأموال. يبقى سؤال: لِمَ لمْ يتقبل بعضنا «ساهر»؟ وجوابه سؤال أيضاً: هل المرارة في أفواهنا أم في الماء؟ أبهذه السرعة والبساطة ينتكس ضمير بعض أفراد المجتمع أمام تجربة حضارية متمدنة ترسخ فينا مبدأ النظام والانضباط، ليخرج من بيننا من يُتْلِفُ ويحرقُ ويعتدي على أنظمة «ساهر» وعلى مشغليها! هؤلاء لا يدركون أنّ «ساهر» جاء لتستمر البسمة على شفاه صغارنا.