كثَّفت الحكومة اليمنية الشرعية من اتصالاتها بالقادة الجنوبيين قبل بدء حوارٍ يمني- يمني غداً في الرياض في ظل غيابٍ حوثيّ، في وقتٍ وقعت مواجهات مسلحة عنيفة في تعز وشبوة مع استمرار المتمردين في خرق الهدنة التي بدأت مساء الثلاثاء الماضي. وفي حين سقط 11 مسلحاً متمرداً و6 مقاوِمين قتلى في تعز؛ أفيد بمقتل 18 حوثياً و4 مقاوِمين في شبوة، بينما شددت «مقاومة عدن» على تأهُّبِها لمواصلة القتال. وكشف رئيس الحكومة، خالد محفوظ بحاح، أمس عن تفاصيل لقاءٍ جمعه في العاصمة السعودية بالقادة الجنوبيين علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس وعبدالرحمن الجفري، مؤمِّلاً لقاء قيادي رابع هو علي ناصر محمد خلال أيام. وأوضح في منشورٍ كتبه على موقع «فيسبوك» أنه بحث مع البيض والعطاس والجفري «لملمة جراح الماضي واستشراف المستقبل»، وأقرَّ بأن مشكلة الجنوب باتت أعمق مما يتصوره كثيرون، مشيراً إلى سعي حكومته لإيجاد إطار عادل لها. وإذ وصف بحاح من التقاهم ب «نخبة سياسية أقصاها الزمن تحت مبرر غير منطقي»؛ اعتبر أن البيض أصاب وأخطأ خلال تقلّده مناصب قيادية و«وصل إلى غايات نبيلة لولا أن تدخلت الأقدار ليجد نفسه وبمعيَّة رفاقه ناصر والعطاس والجفري وكثيرين؛ ضحايا احتراب وعنف سياسي». والبيض وناصر رئيسان سابقان لدولة جنوب اليمن التي كانت تُعرَف بالجمهورية الديمقراطية الشعبية، أما العطاس والجفري فتقلَّدا مناصب رفيعة قبل الوحدة مع صنعاء عام 1990 وبعدها. ويُنظَر إلى الأربعة باعتبارهم قيادات الحراك السياسي الجنوبي الداعي منذ عام 1994 إلى الانفصال أو إلى حكم فيدرالي بصلاحيات محلية واسعة. ويحاول الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه بحاح احتواء دعوات الانفصال المتزايدة وتقديم تطمينات بإنشاء حكم غير مركزي. ويقيم علي ناصر محمد في القاهرة، وصرَّح مؤخراً بأنه أجرى مشاورات مع مسؤولين سعوديين مطلع العام الجاري. ميدانياً؛ واصل المتمردون خرق الهدنة في عدة محافظات، في وقتٍ نددت المقاومة في عدن بعدم وقف إطلاق النار. وسقط 11 مسلحاً متمرداً و6 مسلحين من المقاومة قتلى أمس في تعز (جنوبي غرب) خلال مواجهات بينهما تركَّزت في حوض الأشراف ومنطقة الذمرين في جبل صبر والبعرارة والزنقل. وسَمِعَ السكان دوي انفجارات بعد قصف قوات حلف (الحوثي- صالح) أحياءً سكنية بالدبابات والمدفعية الثقيلة، بحسب مصادر محلية أشارت إلى «تمكُّن المقاومة من تطهير منطقتي الشماسي والأشبط (وسط تعز) وإحراقها مدرَّعة». ووفقاً لمصادر طبية في المدينة؛ تسبَّب القصف العشوائي للأحياء، خصوصاً حي مستشفى الثورة، في مقتل 10 مدنيين على الأقل بينهم طفلان ومسنّ، فيما وصل عدد الجرحى إلى 50 شخصاً. ونسب موقع «سكاي نيوز عربية» إلى شهود عيان قولهم إن «5 قذائف سقطت على مستشفى الثورة وأصابت أقسام الكلى والحروق والأطفال والمختبر». إلى ذلك؛ استعاد مسلحو قبائل شبوة (جنوب) السيطرة على بلدة عسيلان النفطية الحدودية مع محافظتي مأرب والبيضاء. وأفادت مصادر في المحافظة بأن مسلحي القبائل تمكنوا بعد قتال عنيف استمر يومين من دحر قوات التمرد وإخراجهم من بلدة عسيلان وتدمير 5 من مركباتهم العسكرية. وأبلغت هذه المصادر «سكاي نيوز عربية» بمقتل 18 متمرداً و4 من مسلحي القبائل وجرح العشرات من الطرفين خلال المواجهات. وتسيطر قوات التمرد على عتق (مركز شبوة)، في وقتٍ يواصل مسلحون مناهضون محاولات إخراجها. وأفيد أمس بتنفيذهم هجوماً بالأسلحة المتوسطة على مواقع عسكرية في المدينة. و«استهدف الهجوم منطقة تقع بجوار نقطة الجلفوز التي تُعد المدخل الشرقي لعتق»، بحسب شهود عيان أكدوا أنه خلَّف عدداً من القتلى وعدداً أكبر من الجرحى في صفوف من وصفوهم ب «الانقلابيين». وفي محيط الضالع القريبة؛ استوقف المتمردون شحنة معونات إنسانية كانت في طريقها إلى المحافظة، ما دفع مصادر عاملة في مجال الإغاثة إلى اتهامهم ب «نهب الشحنة». وأفاد موقع «عدن الغد» ب «توقيف المساعدات في مثلث العند التابع لمحافظة لحج على الطريق الواصلة إلى الضالع»، مشيراً إلى «فرض الميليشيات حصاراً مطبقاً» على الأخيرة. ونسب الموقع إلى مصادر اتهامها الميليشيات ب «نهب أية معونات متجهة إلى المحافظة أو إلى مديرية ردفان» التابعة لمحافظة لحج. في السياق ذاته؛ تحدَّث مصدر طبي في الضالع عن «ارتفاع نسبة الوفيات بين أوساط المواطنين النازحين داخلياً بين المديريات»، مؤكداً أن «من بينهم نساء وأطفال ومسنِّين جرَّاء نقص الأدوية والمستلزمات الطبية الأوَّلية ومنع دخول أي مساعدات». ولم يحدد المصدر، الذي كان يتحدث إلى «عدن الغد»، عدد المتوفِّين، لكنه شدد على أن المديريات تعاني من نقص حاد في الأدوية، متهماً الحوثيين بتوقيف قوافل إغاثية في مثلث العند ونهب محتوياتها بالكامل. وللمرة الأولى منذ الثلاثاء الماضي؛ لم تُسجَّل أمس خروقات واضحة للهدنة في عدن (جنوب). وتزامن الهدوء مع الإعلان عن قرب وصول سفينة مساعدات إماراتية تحمل على متنها 100 ألف سلة غذائية إلى المدينة. وذكر رئيس «مجلس المقاومة الشعبية في عدن»، نايف البكري، أن السفينة ستصل السبت أو الأحد، وأضاف «ستكون هذه أول سفينة مساعدات تصلنا في حال فيما إذا تمكنت من الوصول»، مشيراً من مخاوفه من معاودة خرق وقف إطلاق النار. في الوقت نفسه؛ تعهد البكري ب «استمرار المقاومة في محافظاتالجنوب وعدم توقفها حتى طرد الميليشيات»، متهماً الأخيرة بارتكاب ما سمَّاه «انتهاكات جمَّة منذ يوم الثلاثاء». ودعا في تصريحات صحفية السكان إلى الاستعداد للقتال في عموم محافظات ومدن الجنوب و»عدم النكوص أو التراجع»، واعتبر أن «صفوفنا باتت أكثر ترتيباً»، لافتاً إلى «عقد قيادات المقاومة لقاءات موسعة خلال الأيام الماضية واتفاقهم على تنسيق الأعمال بشكل أكبر». وفي أب (وسط) والحديدة (غرب)؛ خرجت مظاهرات ضد وجود الميليشيات في المحافظتين. وبعد صلاة الجمعة؛ تجمَّع المئات في وسط مدينة أب (مركز المحافظة)، ورفعوا لافتات تندد بارتكاب الحوثيين عمليات خطف واعتقالات، داعين إلى استعادة الدولة. وقال موقع «المصدر أونلاين» اليمني إن «المظاهرة نددت خصوصاً بالوضع الاقتصادي المتردي وانعدام المشتقات النفطية والمواد التموينية والانقطاع الكامل للكهرباء منذ أكثر من شهر». وطالب المشاركون فيها بسرعة إخلاء محافظتهم من المسلحين، وحذروا من أن وجودهم فيها قد يجلب لأهلها مزيداً من الأزمات. وبالمثل؛ ندد متظاهرون في مدينة الحديدة بغياب الخدمات الأساسية كالكهرباء والمشتقات النفطية، وانتقدوا خطف الناشطين. وحمَّل بعضهم الميليشيات مسؤولية ما تمر به محافظتهم من أزمة إنسانية، واتهموا المسلحين بسرقة المشتقات النفطية وتوجيهها إلى مركباتهم العسكرية وبعدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار. وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أعلن أمس الأول عن تمسك بلاده بالهدنة والتزامها ب «ضبط النفس». واتهم الجبير، في تصريحاتٍ أدلى بها على هامش قمة كامب ديفيد الأمريكية – الخليجية، الحوثيين بعدم الالتزام بوقف إطلاق النار. وربط بين استمرار الهدنة ووضعهم حداً لسلوكهم العدائي، قائلاً «امتنعنا عن إطلاق النار ونلتزم ضبط النفس (..) نأمل أن يحترم الحوثيون بنود وقف إطلاق النار وأن يضعوا حداً لسلوكهم العدائي إذا ما أرادوا للهدنة أن تستمر». ورداً على سؤال عن تجديدها؛ أبلغ الجبير الصحفيين بأن «الأيام الخمسة لم تمضِ بعد، ولم نر التزاما كبيراً، لكننا سنستمر في تقييم الوضع وسنواصل مراقبته عن كثب وسنتخذ القرارات المناسبة بشأن الطريق الواجب سلوكه». ولدى مغادرته صنعاء أمس الأول؛ أبدى مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قلقه من «الانتهاكات الجارية للهدنة»، وناشد من سمَّاهم «جميع أطراف النزاع» احترامها وضمان تيسير وصول المساعدات الإنسانية. ودعا خصوصاً إلى «تحييد المطارات والموانئ والبنى التحتية المساهمة في نقل هذه المساعدات». وزار ولد الشيخ أحمد صنعاء الثلاثاء لإنعاش جهود التوصل إلى حل سياسي. وأفاد بالتقائه رؤساء أحزاب وممثلي منظمات مدنية، كاشفاً عن نيته مواصلة مشاوراته مع الأطراف اليمنية والإقليمية لضمان عودة اليمنيين إلى الحوار. وفي شأنٍ متصل؛ أعلنت مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين عن وصول طائرة تابعة لها محمَّلة بالمساعدات الإنسانية إلى مطار صنعاء قادمةً من دبي. وأوضحت المفوضية، في بيانٍ لها، أن هذه الرحلة هي الأولى من مجموع 6 طائرات ستصل إلى اليمن خلال اليومين المقبلين. وقدَّرت، في بيان لها، حمولة الطائرات الست ب «ما مجموعه 150 طناً من مواد الإغاثة». ووفقاً للبيان؛ ستصل شحنات مساعدات أخرى عبر البحر قادمةً من جيبوتي وستُوجَّه لمساعدة 250 ألف نازح يمني. من جهته؛ دعا المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في اليمن، يوهانس فان در كلاو، إلى «إيصال الوقود إلى هذا البلد وعدم اقتصار المساعدات على المواد الإنسانية»، وربط بين مطالبته وعمل المولدات الكهربائية في المستشفيات ومحطات المياه. وقال في بيانٍ له «ما لم يتوفر الوقود خلال الأسابيع القليلة المقبلة؛ فإن المستشفيات ستُغلَق، كما ستتوقف محطات المياه وأنظمة الصرف الصحي والاتصالات»، مضيفاً «ليس هناك كهرباء وكل شيء يعمل على المولدات المعتمدة على الوقود». وتبدو الهدنة متماسكة إلى حد كبير مع بعض المناوشات، بحسب در كلاو الذي ذكر أن وقف القتال يمنح المدنيين فرصة الخروج من مناطق النزاع والتنفس قليلا والحصول على الخدمات و«يسمح لنا أيضاً بسحب الجثث وإجلاء المصابين ومعالجة الحالات الصعبة». وبالتزامن؛ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عن أمله في «توقف أعمال العنف وعودة الأمن والاستقرار إلى اليمنيين». وناقش مون، خلال اتصال هاتفي أجراه أمس مع خالد بحاح، جهود استئناف العملية السياسية والتحضير لمؤتمر الرياض وتفاصيل العمليات الإغاثية. وأبدى الأمين العام قلقاً من استمرار تردي الأوضاع الإنسانية، مؤمِّلاً توقف أعمال العنف.