في العام 1419ه احتفلت المملكة العربية السعودية بمرور 100 عام على دخول الملك عبدالعزيز الرياض. كان الملك سلمان حينها أميراً للرياض ورئيساً للجنة العليا للاحتفال. تلك المناسبة كانت من آراء ورؤى سلمان، الحدث نفسه لم يكن احتفالاً فقط بقدر ما كان حدثاً تاريخياً توثيقياً للدولة السعودية الثالثة التي بدأت باسترداد الرياض. سلمان الذي قرأ التاريخ ووعاه تماماً مثل أبيه عبدالعزيز، يعرف أهمية التوثيق والتأريخ، ولا يمكن لمن لا يعرف التاريخ أن يحمل رؤية ثاقبة للمستقبل خاصة لمن هم في مواقع القيادة. أكتب هذا بعد «المائة يوم الأولى» من حكم الملك سلمان، وبالمناسبة فهذا المصطلح أول من استخدمه الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت بعد توليه الرئاسة عام 1933م إبان فترة الركود الاقتصادي أو ما عرف ب«الكساد الكبير» الذي بدأ في عهد سلفه هيربرت هوفر، وأطلق روزفلت مبدأ «الاتفاق الجديد» وعمل مع الكونجرس على إصدار وتعديل عدد من القرارات والتشريعات التي أخرجت الولاياتالمتحدة من محنتها الاقتصادية وجعلت من روزفلت أحد أعظم الرؤساء الأمريكيين، وهو الرئيس الوحيد في تاريخ أمريكا الذي اُنتخب أربع فترات متتالية. مصطلح «المائة يوم الأولى» أصبح مؤشراً لقياس أداء قادة الدول خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية فترة حكمهم، وذلك على خلاف بين المختصين في العلوم السياسية الذين لايتفقون مع دقة هذا المؤشر إلا أنه يعتبر من النواحي الإعلامية ومؤشرات الرأي العام إحدى أدوات القياس المؤثرة. ومع ذلك تختلف المعايير والمقاييس والمؤشرات من دولة لأخرى وفقاً للتحديات التي تواجهها والأوضاع التي تعيشها وتطلعات شعبها. لقد حملت المائة يوم الأولى من حكم الملك سلمان قرارات هيكلية وأوامر ملكية مهمة ورؤى تستشرف المستقبل وتنبِئ عن كثير مما هو قادم. فبعد إعادة هيكلة السلطة التنفيذية «مجلس الوزراء» بإلغاء اللجان والهيئات والمجالس المتعددة وإنشاء مجلسين أحدهما للشؤون السياسية والأمنية والآخر للشؤون الاقتصادية والتنمية ودمج بعض الوزارات وضخ كفاءات شابة في شرايين الدولة وفي مقدمتها تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه برئاسة مجلس الشؤون السياسية والأمنية وحقيبة الداخلية وبالمناسبة فهذه أربعة مناصب مختلفة لكل منها صفته واختصاصاته ومرجعيته، وتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه برئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وحقيبة الدفاع وهذه أيضا أربعة مناصب مختلفة يدرك الفرق بينها الراسخون في الأنظمة والدساتير. ويتوقع المراقبون أن تستمر إعادة هيكلة عدد من القطاعات الحكومية المختلفة. وتأسيساً على ذلك يرى بعض المحللين أن تتم إعادة هيكلة وتغييرات واسعة في السلطة القضائية. وهناك تساؤلات هل سيتم تعديل نظام مجلس الشورى ليكتسب صلاحيات واختصاصات شكلية ونوعية؟ المؤكد أن هناك تطويراً للبنى الهيكلية النظامية وتفعيلاً لكثير من الجوانب القانونية. أما التساؤل الآخر الذي يُطرح فهو عن تطوير نظام المناطق وكيف سيكون شكله الجديد خاصة وأن الملك سلمان أكثر الناس معرفة بما تحتاجه المناطق وهو القادم من إمارة الرياض. المراقبون يرون أن هناك مساراً واضحاً منذ بداية العهد السلماني وجميع القرارات والأوامر تصب في ذات الاتجاه. التي -وبلا شك- تهدف إلى مزيد من الإصلاحات والتطوير لكافة مؤسسات الحكم والدولة وهيكلة شاملة تعزز الاستقرار وترسخ البناء والتنمية والمشاركة ورفاهية المواطنين. خلال المائة عام تم توحيد المملكة العربية السعودية وبناء الدولة ومؤسساتها ومرافقها وقام ملوك المملكة السابقون بالمحافظة على وحدة واستقرار الوطن واستكمال البناء في تجربة تنموية فريدة. وفي هذا السياق لا أتفق البتة مع من يسمي هذه المرحلة بداية الدولة السعودية الرابعة فهذا المسمى خطأ منهجي وتاريخي ولكننا -بلا شك- نعيش أحد أطوار الدولة السعودية الثالثة التي مرت بمراحل وتطورات مختلفة. فخلال المائة يوم الأولى من حكم الملك سلمان -وعلاوة على صدور القرارات المفصلية- كان هناك حراك سياسي تقوده المملكة، وما زيارات هذا العدد الكبير من قادة العالم للمملكة إلا إشارة لذلك، إضافة إلى استمرار المواجهات على عدة جبهات فمن عاصفة الحزم إلى إعادة الأمل إلى قمع الإرهاب كل ذلك مع استمرار العمل في المشاريع والبرامج التنموية العملاقة، يجعلنا نتفاءل بأن ما سيعقب هذه المائة يوم المباركة مستقبل مشرق بإذن الله.