المعنى في العنوان ليس من عندي بل هو تصريح إعلامي لأحد أصحاب المعالي وزراء الصحة في العقد الأخير. وعند الحديث مع بعض قيادات الصحة حول الموضوع فإنهم يبدون نوعا من الاستسلام حيال هذه القضية المعقدة والمتشابكة. المشكلة يا سادة يمكن اختصارها في توفير الكفاءات الطبية والفنية النوعية في المناطق الطرفية، وهذا إشكال معقد له جذوره الممتدة إلى طبيعة تفكير العقل التنموي المختص بالموارد البشرية، وإصراره على معاملة الأطراف كالمركز، وإن حاول فهي حلول ترقيعية مبتورة لا تفيد كثيرا. سأصر هنا على لوم التفكير والآليات المهتمة بتوفير الكوادر البشرية لسد الفراغ دون الاحتفال بالأداء وتقييمه، وذلك التفكير المبتهج بسباق الإسمنت والأجهزة الصماء للمواقع في غياب من يتقن التعاطي معها. هناك بعدان للقضية أحدهما آني مرحلي، وآخر استراتيجي مستقبلي. فأما البعد الأول فهو ما تحاول وزارة الصحة القيام به من خلال برنامج الدعم الطبي المؤقت، وعلى الرغم من أهمية هذا البرنامج وضرورة استمراره، إلا أن تطبيقه يشوبه كثير من الخلل المرتبط بالإدارات المحلية وتعاملها معه، ليصبح هذا البرنامج عبئا فنيا وماليا وذا إنتاجية ضعيفة بل قد يعمق كثيرا من السلبيات. ولو قام العقل الإداري الجديد في وزارة الصحة بمراجعة تطبيقات البرنامج، فلربما خرج بنتائج تقتضي مراجعات جادة. ويمكن الرجوع لأرقام الهيئات الطبية العامة المعنية بالتحويل للمراكز المتقدمة، لتكون معيارا صادقا وحساسا. أما برنامج العمل الجزئي على أهميته فما زال أسير أدراج البيروقراطية والتحكمات غير المقنعة، التي تحرم المرضى من فائدة حقيقية وتفاقم معاناتهم المرضية وإشكالاتهم الاجتماعية والاقتصادية. أما البعد الاستراتيجي فهو الأهم والأكثر تحديا الذي تتجاذبه جهات عدة، سأضع على رأس هرمها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، كضابط إيقاع يقود المعزوفة الطبية البشرية. لا جدال في أننا في وطننا العزيز نمر بمرحلة انتقالية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهو انتقال يشمل التنمية بكل فروعها والإدارة والأفكار والتطلعات، وقد كانت الأوامر الملكية الأخيرة والمتعلقة بإعادة تنظيم الدولة مؤشرا واضحا على هذا. ومع كل ذلك فما زالت المناطق الطرفية المتضرر الأبرز من جمود كثير من الأنظمة ومن تفكير التنفيذيين، والنتيجة استمرار انحياز التنمية. أعود للهيئة السعودية للتخصصات الصحية ومع دورها الكبير في خدمة صحة الوطن، إلا أننا بحاجة لمواكبة التغيرات في المناطق الطرفية، خاصة مع وجود الجامعات الناشئة في كل منطقة ومخرجاتها الطبية والفنية المتنوعة. إن المطلوب من الهيئة لدعم وترقية الكوادر البشرية وإعدادهم للمستقبل بمؤازرة باقي الجهات عدة أمور أجملها فيما يلي: – لا بد من اعتماد نظام تخصيص مقاعد التدريب الطبي للزمالات بنظام المحاصصة لكل منطقة، بدلا من الاعتماد على تقديم الأفراد الذين يزداد عددهم كل سنة وتعجز الهيئة عن قبول أغلبهم نظرا لضرورة ضبط العملية التدريبية، وينطبق المبدأ على برنامج الابتعاث الخارجي. كما يمكن للهيئة المبادرة بعمل نواة مراكز تدريب في الأطراف تحت نظام تعاوني مرن بين كافة القطاعات الصحية، خاصة مع وجود مستشفيات حديثة الافتتاح يمكن اختطافها لصالح فكر جديد قبل أن تلتهمها النيران الصديقة. – من الملاحظ ضعف مخرجات الفئات الفنية والطبية في المناطق الطرفية بسبب إشكالات عديدة أبرزها: غياب المستشفيات الجامعية -كمشاريع متأخرة- وهذا يقتضي اعتماد نظام برامج تدريبية لغير الأطباء خاصة بكل منطقة تحت إشراف الهيئة وبمعايير عالية، لتوفير الفئات النوعية التي لا تتوفر حتى في التعاقد الخارجي. – على وزارة الصحة المبادرة بتغيير معايير الإيفاد الداخلي لتواكب الوفرة المتوقعة من الأطباء المقيمين السعوديين من الجنسين خلال السنوات القريبة المقبلة في مستشفياتها، ضمانا للعدالة وتجنبا للتجميد المهني المضر بهذه الفئة. – الأطراف محرومة من قطاع صحي خاص، مؤثر مهنيا لعلاج المرضى، ومفيد وطنيا لتوظيف السعوديين، ومساعد أكاديميا ليعزز برامج التدريب بمختلف تخصصاتها، وإن المرحلة تقتضي هذا التوجه للمساهمة في استشراف متوازن للمستقبل.