كتبتُ في المقال الأخير عن التشوه الذي لحق وسيلحق بالفئات الفنية من غير الأطباء، وذلك من جراء مخرجات القطاع الخاص في مرحلة البكالوريوس أو من تكرار التخصصات في الجامعات الناشئة وعدم التخطيط السليم والتنسيق المحكم بين القطاعات المختصة بما في ذلك برامج الابتعاث. ومع ما يسوغه بعضٌ من أن قلة السعوديين في المجال الطبي يستدعي ضخا من العناصر البشرية يتم بعدها إعادة ترتيب البيت الصحي من داخله، فإن عواقب ذلك سيئة عند ملاحظة تشوه من نوع آخر قد لحق بهذه الفئات في مجال عملها. ولكي تتضح الصورة يمكن السؤال عن حجم الفئات الفنية التي تجاوزت سن الأربعين ولا تزال تعمل في المستشفيات بنظام الفترات المتناوبة بما في ذلك الفترات المسائية والليلية، ولأن الإجابة معروفة سلفا، فإن هذا الهدر للعنصر البشري وانعدام الخبرات المتراكمة وتسربها خارج تخصصاتها، وافتقاد القدوة المهنية، وإرباك الهياكل الإدارية، كل ذلك وغيره يوحي بعمق الأزمة في الواقع المهني ويفسر كثيرا من الإشكالات في الخدمة الطبية لدينا. إن رؤية الأمر بهذا الشكل ومن تلك الزوايا يحفز على وضع تصور لعلاج المشكلة وتفادي تفاقمها في المستقبل وذلك وفق المقترحات التالية: 1- الإيقاف الفوري للتخصصات الفنية العامة كالتمريض والأشعة والمختبرات في الكليات الأهلية القائمة والاكتفاء بالمخرج العددي لمجمل الكليات الحكومية في الجامعات. 2- يمكن السماح للكليات الأهلية بتخريج فئات فنية في تخصصات دقيقة أو نادرة يحتاجها الوطن خلال السنوات المقبلة وتكون مراقبة بآلية تختلف عن الآلية الحالية التي لم تعد مجدية في تجويد المخرجات. 3- عند كثرة المتقدمين والمتقدمات للتخصصات الصحية فمن المهم اعتماد معايير عالية في المقابلات الشخصية وذلك لانتقاء الأفضل من حيث التكوين النفسي والفكري وعدم الاكتفاء بدرجات التحصيل الدراسي والاختبارات. 4- ضرورة التنسيق المتقن بين القطاعات المصدرة لهذه الفئات بما في ذلك برنامج الابتعاث والهيئة السعودية للتخصصات الصحية وذلك لتوفير التخصصات المنعدمة في واقعنا العملي وذلك عبر استحداث برامج تدريبية يمكن إغلاقها عند الاكتفاء مستقبلا، كما يجب وضع (المحاصصة المناطقية) في صميم الأداء وذلك تجنبا للحيدات التنموية المعتادة. 5- لا بد أن يواكب كل ذلك إصلاح جاد للبيت الصحي من داخله عبر توحيد نظام التوظيف لخلق بيئة عمل جادة لا يمكن مغادرتها (فنيا) لاعتبارات اجتماعية ومجاملات العلاقة، ويكون ذلك أيضا من خلال إعادة الفنيين المهاجرين للميدان والتقاعد المبكر بنظام الشيك الذهبي للفنيين الذين تركوا تخصصاتهم من سنين وقد قاربوا سن التقاعد وذلك لخدمة الجيل الجديد من جهة ولإعادة الهيكلة الإدارية من جهة أخرى وبطريقة احترافية. 6- لا بديل عن (السعودة الهادئة) لهذه التخصصات وذلك بغرض المزج بين الخبرة وبين المخرجات الجديدة، ولابد من الخروج من عباءة التحريض الإعلامي والاجتماعي ضد الوافدين في ذات المجال. 7- المعيار الزمني لكل خطوة يتفق على تنفيذها دليل صحيح على وعي تنموي إداري حضاري.