في يوم والمطر متساقط هتان ، خرجت وأنا منتعش فرحان ، أخطو خطوات بأمان ؛ فإذا ذاك البستان ، ذو أشجار مثمرات حسان ، توت وعنب ورمان ، تغريد بلابل تطرب الآذان، وخرير ماء يجلب السعادة ويطرد الأحزان . مكثت اتجول في أرجاء المكان حتى غابت الشمس وسمعت الآذان ؛ فتوضأت وصليت على بساط أخضر فتان . ناديت الحارس غسان ؛ ليدلني على ركن الورد والكادي والريحان ؛ لتكتمل أجمل لوحة يستمتع بها كل فنان ، مصور ، ورسام أو منشد يشدو بأعذب الألحان. وأثناء عودتي والظلام دامس سمعت صوتا يناديني فيه لطف وحنان ، فيه فصاحة وبيان . دنوت منه ؛ وأنا مرتعد الأركان ثم استمعت إلى مجمل الكلام ؛ نصه سأرده بصدق دون زيادة أو نقصان . أولئك أناس في هذا الزمان ؛ يقابلون العطاء بالحرمان ، والتواصل بالهجر ، السب والشتم والحسد والخذلان . هم يريدون أن نشاركهم في أفراحهم ؛ فنحقق لهم مرادهم ؛ ولم نجد أدنى شكر أو امتنان . في النائبات معهم ونشاطرهم الأحزان ، وهم لايحسبون لنا أي حسبان. ندعو لهم في غيبتهم بالستر والعافية والغفران ، وهم يتفكهون بألسنة حداد ، وقلوبهم تغلي علينا حقداً أيما غليان . فهل سيدركون هؤلاء البشر أنهم في خطر ؟ ويغيرون اتجاه بوصلتهم ؛ لقابلوا الإحسان بالإحسان ؛ وترجع الأمور أقوى وأجمل مما كان . وننال جميعا رضا الخالق المنان ، ونسعد بوصف ربنا - على سرر متقابلين ، وننعم بعالي الجنان . هذا ما سطر في صفحات الكتمان، ومضى عليها سنون عجاف غير سمان ؛ وقضى الله بحكمته أن تظهر على السطح ؛ لأخذ العبرة منها وكسب الرهان ؛ ودحر كيد الشيطان المارد الفتان .