دعا أستاذ الإعلام وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور عبدالرحمن العناد لتشريع البث الفضائي المتعلق ببث الفتن الطائفية. مشدداً على أهمية عدم إغلاق هذه القنوات بالقوة، إلا في حال توفر إرادة سياسية. وقال في حوار خاص مع «الشرق»: تتمكن هذه القنوات وبكل سهولة الانتقال من بلد إلى آخر، وتغيير القمر الصناعي في حال إغلاقها. ومقترحاً بدل ذلك الحوار بين أبناء المذاهب وأصحاب هذه القنوات للتقليل من خطرها قدر الإمكان. وأكد العناد أن عدد هذه القنوات يربو على ال 120 قناة بدأت شرارتها الفتنوية مع سقوط صدام حسين عام 2003م. مشيراً إلى أن وراء إنشائها أهدافاً سياسية، ملقياً باللائمة على حكومات ورجال دين لم يسمها بأنها تقف وراء هذا التجييش الطائفي إعلامياً. لافتاً إلى أن تمويل القناة الواحدة لا يتجاوز 100 ألف دولار سنوياً، واصفاً أداءها الفني بالضعيف والمتدني. وأن أغلبها تدار من شقق مفروشة. العناد فتح قلبه وصندوق معلوماته ليخص «الشرق» بهذا الحوار. - ارتبط ظهور القنوات الفضائية الطائفية بتطورات الأحداث في المنطقة العربية منذ نحو عشر سنوات، وبخاصة ما آلت إليه الأمور في العراق تحديداً؛ إذ تفاقم الصراع الطائفي العربي العربي، والعربي الإيراني، وبدأت إيران نفسها تطلق قنوات باللغات العربية والفارسية، كما انطلقت أعداد كبيرة من هذه القنوات من العراق، ومن دول أخرى بعضها غير عربية، وظهرت قنوات مختلفة مضادة لها تمثل طوائف إسلامية أخرى، وجميع هذه القنوات على اختلاف انتماءاتها الطائفية والقُطرية تعمل ليل نهار على محاربة الطائفة أو الطوائف الأخرى. - أشارت بعض التقارير والدراسات التي قدمت في ندوة حول التعددية والتسامح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مؤخرا في تونس أن عددها تجاوز 120 قناة تبث على عرب سات ونايل سات، ويقف خلفها حكومات ورجال دين ورجال أعمال، وقليل منها يعمل على أساس تجاري، ولو انقطع التمويل الخاص عنها لتوقف أغلبها عن البث، وهذا مما يؤسف له، ولكنها تعكس بصدق وبدقة متناهية الوضع الذي آلت إليه الأمور في العالم العربي وبخاصة بين الشيعة والسنة. - نعم هذه حقيقة لا شك فيها، فكما ذكرت أن هذا الوضع الإعلامي المشين قد تفاقم بسبب تطورات الأوضاع في العراق، ولكن هناك ظروفاً أخرى ساعدت أيضا في انتشارها ومنها الدعم ومحاولات الإيرانيين المستمرة في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كسوريا والبحرين واليمن، بالإضافة إلى الأوضاع في المنطقة العربية وأحداث الربيع العربي وانقسام الإخوة في بعض الدول العربية على أسس مذهبية وسياسية. وحيث إن القاعدة تقول إن لكل فعل رد فعل مساوياً له في القدر ومضاداً له في الاتجاه؛ فإن القنوات السنية والسلفية التي تهاجم الطائفة الشيعية قد زادت أيضا من مختلف الدول العربية، كرد فعل طبيعي لتكاثر القنوات الطائفية الشيعية. - من حيث المبدأ كثرة القنوات الدينية أو غير الدينية ظاهرة صحية تعكس التنوع والتعددية، والاعتراض ليس على القنوات الدينية لا من حيث الكيف ولا من حيث العدد، فحرية التعبير والحريات الدينية للأفراد والجماعات والطوائف ينبغي أن تحترم، وأن تتاح فرص التعبير للجميع، وأن نشجع تنوع القنوات والطوائف والتعددية ونباركها، ولكن الاعتراض الأساسي هو أن أغلب هذه القنوات اتجهت لبث الكراهية للطوائف الأخرى وأحيانا تكفيرهم والدعوة لمحاربتهم أو قتلهم أو على الأقل عدم التعامل معهم، وهذا هو ما يدعونا للتأمل ومراجعة الوضع ومراقبته؛ لأن أي تحريض على الكراهية والعدوان ومحاربة التعددية والتعايش السلمي بين الطوائف مرفوض أيا كان مصدره، وهذه القنوات المؤسسة على أساس طائفي تهدم المجتمعات العربية وتسهم بطرق مباشرة وغير مباشرة في تعميق الهوة بين الطوائف المسلمة التي لا يخلو منها أي بلد في العالم العربي، فهي مصدر للتأجيج وعدم التسامح والتعايش بين الطوائف في البلد الواحد. - التأثير واضح في زرع الكراهية وتغذيتها بين الطوائف من أبناء البلد الواحد، وهذا يؤدي مع مرور الوقت إلى مشكلات اجتماعية وسياسية كثيرة تترتب عليها، ويتجاوز تأثير هذه القنوات أحيانا مجرد الطعن أو التقليل من شأن الطوائف الأخرى إلى أنها تبث دعوات مباشرة للإيذاء البدني الذي قد يصل للقتل، وهذه الدعوات للعنف ضد الآخر تكون سبباً لتنفيذ بعض الأعمال الإرهابية ضد الطوائف أو تحرض بعضها على إثارة الفتن والقلاقل والمظاهرات ونحو ذلك. - أكثر القنوات التي تبث وتعتمد التمويل الذاتي الخاص أيا كان مصدره، رسمياً أو غير رسمي، لا تكلف كثيراً؛ لأن معايير الإنتاج الفنية متدنية جداً، وبرامجها تعتمد على «الحكي» و «الأحاديث» و«الخطب» و «الحوارات» داخل الاستوديو أو الحوارات مع المشاهدين من خلال الهاتف، ولا تتوفر لكثير منها إمكانات مادية معتبرة، فبعضها يبث من غرفة في منزل أو شقة أو غير ذلك. وحسب ما لدي من معلومات أن رسوم استئجار قناة فضائية لمدة عام على أحد الأقمار الصناعية لا تتجاوز مائة ألف دولار. - بطبيعة الحال يمكن إيقاف تلك القنوات إذا ما توفرت الرغبة السياسية من داخل الدول التي تبث منها تلك القنوات، ومن خلال معايير تضعها شركات الأقمار الصناعية، وأقرب مثال حديث لذلك قرار وزارة الإعلام إغلاق مكتب إحدى القنوات. وقرار عرب سات في الماضي إيقاف القناة الفرنسية، لكن من المهم ألا نتساهل في السماح للدول والأنظمة السياسية بالتحكم بالفضاء ومنع بعض القنوات دون أخرى؛ فالخط الفاصل بين حرية التعبير وبث الكراهية والطائفية يصعب تحديده أحيانا، وقد تتخذ هذه الأمور ذرائع للحد من حرية التعبير وتعطيل عدد من وسائل الإعلام، والأهم من هذا هو العمل على التشريع القانوني والنظامي وتطبيق الأنظمة ونشر الضوابط والمواثيق الإعلامية وتوعية المقيمين على الوسائل الإعلامية، فهذا أهم بكثير من عمليات الحجب والمنع؛ لأن ذلك سيؤدي إلى انتقال القنوات إلى دول أخرى وأقمار صناعية أخرى بدلا من القضاء عليها. - أظن أن هذه القنوات أسهمت بشكل كبير وما زالت تسهم في تأجيج التحارب والعنف والقتل والتفجير في كل الدول العربية، وأملي أن تكلل الجهود التي تبذل في الوقت الحاضر لتصحيح الوضع؛ حيث إن هذا الموضوع أخذ ينال اهتمام بعض الهيئات والمنظمات الدولية كالمفوضية السامية لحقوق الإنسان واليونسكو، ولهما جهد مشترك في عقد ندوات حول التسامح والتعددية في العالم العربي، عقدت الأولى في العاصمة الأردنية وتمخض عنها ما يسمى بإعلان عمان، فيما عقدت الثانية في تونس الشهر الماضي وكان لي شرف المشاركة فيها ممثلاً للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وتعقد الثالثة قريباً في المغرب، ومثل هذه الجهود مطلوبة ونأمل أن تتبعها جهود مماثلة من منظمات عربية وإسلامية أخرى. - المشكلة الطائفية مع الأسف أصبحت موجودة في المدرسة وفي المسجد وفي الحسينية، ونحتاج لجهود كبيرة للقضاء عليها وتضييق الهوة وتعزيز التعددية والتسامح والتنوع في المجتمع. وكلي أمل أن نفعِّل دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإنشاء مركز للحوار بين أتباع الطوائف الإسلامية، على غرار مركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان، وبالمناسبة فإن التحارب بين أبناء الطوائف الإسلامية يسيء للإسلام نفسه، ويقلل من فرص نجاحنا في التخاطب مع أتباع الأديان والثقافات الأخرى. - هذا صحيح؛ فبعض القنوات الطائفية الشهيرة تبث من لندن تحديداً، وهي قنوات معروفة أنها متطرفة وتبث سموم العداء والكراهية بين الطوائف الإسلامية، وكما المشكلة في العالم العربي فإن التحكم بها من الناحية القانونية صعب للغاية لتعارض وضعها أو محاولة إيقافها مع القوانين التي تحمي حرية التعبير.