"السجل العقاري" يبدأ تسجيل 90,804 قطع عقارية بمدينة الرياض والمدينة المنورة    تحت رعاية ولي العهد.. السعودية تستضيف غداً مؤتمر الاستثمار العالمي لعام 2024م في الرياض    "الصندوق العقاري": إيداع أكثر من مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر نوفمبر    «التعليم» تطلق برنامج «فرص» لتطوير إجراءات نقل المعلمين    "البرلمان العربي" يرحب بإصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء كيان الاحتلال ووزير دفاعه السابق    جلسة تكشف الوجه الإنساني لعمليات فصل "التوائم الملتصقة"    أمر ملكي بتعيين 125 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    " هيئة الإحصاء " ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 22.8% في سبتمبر من 2024    اقتصادي / الهيئة العامة للأمن الغذائي تسمح لشركات المطاحن المرخصة بتصدير الدقيق    الأرصاد: أمطار غزيرة على عدد من المناطق    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    يلتهم خروفا في 30 دقيقة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    القِبلة    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    تأثير اللاعب الأجنبي    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    المدى السعودي بلا مدى    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواثيق الإعلامية.. كماشة تحاصر الفضائيات الدينية عبر الأقمار الصناعية
نشر في المدينة يوم 05 - 11 - 2010

لا يكاد يمر يوم إلاّ ويفاجأ فيه الجميع بقرار يفيد أنّ قنوات دينية باتت في عداد المفقودين، أو أنّها أغلقت نهائيًّا وبلا عودة من الفضاء العربي، وقد تواترت الأنباء خلال الأيام الماضية بإغلاق 17 قناة تلفزيونية بصورة مؤقتة، وإنذار 20 أخرى لأسباب تتفاوت بين الحض على الطائفية، والمس بالعقائد والأديان، ومحاولة إثارة نعرات طائفية، أو الترويج للشعوذة والخرافات، وبين أبرز هذه القنوات التي تمّ إيقافها “الناس”، و“الحكمة”، و“صفا”، و“الأثر”، و“أهل البيت”، إضافة إلى العديد من القنوات الأخرى التي لا حصر لها، تُرى ما هي الأسباب الحقيقية وراء خروج هذه القنوات ومغادرتها الساحة الإعلامية؟ وهل صحيح ما قيل أنّ الإجراء المتخذ يعدُّ تصويبًا لمسار ما سمّاها ب“القنوات المتطرفة” التي تحضّ على الفتنة الطائفية، وتمسّ العقائد والأديان، إضافة إلى الحفاظ على مواثيق العمل الإعلامي ومُثُله داخل الأسرة المسلمة،
“الرسالة” تناولت أبعاد ذلك القرار مع المفكرين والمختصين في الشؤون الإعلامية، وسألتهم عن مستقبل القنوات الدينية في ظل الأوضاع القائمة، وما هي الأسرار الحقيقية التي تقف وراء إغلاق هذه القنوات؟ وهل يستهدف هذا الإجراء في الحقيقة القنوات الإسلامية، أم أنّ قلة خبرة القائمين على هذه القنوات أدّت إلى ذلك؟ فكانت إجاباتهم على النحو الذي ترونه بين سياق التحقيق التالي:
الفتنة في الدعارة
الدكتور نبيل حمّاد مدير قناة (الهدى) الإنجليزية والمدير السابق لقناة (اقرأ) يؤكد أنّ مثل هذا الإجراء من شأنه أن يغيّب النموذج الوسطي للدين الإسلامي، مشيرًا إلى أنّه منذ أن بدأت قناة (اقرأ) في البث استطاعت
إبراز النموذج المعتدل والبسيط في فهم ديننا، منوّهًا في السياق نفسه على أنّ هذه الفضائيات أثبتت عطش الجمهور لنجومهم المتمثلين في المشايخ والدعاة.
ويستغرب حمّاد من إغلاق هذه القنوات بدواعي الفتنة، قائلًا: هناك العديد من الفضائيات التي تعمل على الترويج لمختلف أنواع الدعارة، والتي تسهم في إفساد الأجيال، أليست هذه القنوات فتنة؟ أدعو في هذا السياق إلى إطلاق ميثاق شرف إعلامي يطبّق على جميع الفضائيات الإعلامية من أجل منع إثارة الفتنة، إذ لابد من فرض رقابة شرعية على القنوات التي لا تلتزم بالقيم والمبادئ المشتركة في البلدان العربية.
ويعتبر حمّاد أنّ مثل هذا الإجراء يعدّ قرارًا سياسيًّا يقطع الطريق أمام الأصوات الإسلامية، ويحرمها من الوصول للجمهور، مؤكدًا أنّه إذا ما استمر القائمون على “النايل سات” العمل بهذه السياسة بأنّه من الأفضل على القنوات الدينية أن تبحث عن أقمار أخرى للبث عليها، ويمضي حمّاد في التساؤل قائلاً: مَن الذي يعمل على إثارة الفتنة الطائفية من الأصل؟
وجهة نظر علمانية
من جهته يتمنى الإعلامي والأكاديمي الدكتور مالك الأحمد لو كانت الجهة المسؤولة عن “نايل سات” التزمت بميثاق الشرف الإعلامي، وقال: لم يشمل هذا الإجراء أيًّا من الفضائيات التي تعمل على إثارة الغرائز وتدمير الأخلاق، علاوة على أنّ الجانب الفكري أسوأ بكثير من الجوانب الأخرى، أرى أن هناك طرحًا علمانيًّا صريحًا وتبنّيًا لوجهة النظر العلمانية من قِبل العديد من القنوات الفضائية، فلماذا لم يتم تطبيق الميثاق على أي جهة من الجهات الأخرى؟
ويستغرب الأحمد من هذا القرار، قائلًا: هناك قنوات تبّث في برامجها مواد تحوي سبًّا للصحابة، صراحةً وجهارًا، وكأنّ هذا جزء من دينها، عدا عن الشركيات التي تبثها عبر قنواتها، فلماذا اقتصر هذا الأمر على هذه القنوات؟ هل لأنّها استطاعت أن تثبت بالأدلة العقلية والنقلية بطلان عقيدة الطرف الآخر، وهذا الحكم ليس إلاّ بشهادة عامتهم؟
ويواصل الأحمد حديثه بالقول: “نحن لسنا ضد الميثاق الإعلامي، فلماذا لا يلتزم به الآخرون؟ فلو شاهدت القنوات الفضائية الترفيهية لوجدت غالبيتها تقدّم مواد فاضحة”.
ويختم الأحمد بالتشكيك في قدرة المستثمرين الخليجيين على إطلاق أقمار صناعية، قائلاً: إطلاق القمر الصناعي ليس بالأمر الهيّن الذي يستطيع أي أحد أن يفعله، فهذا الأمر له ضوابط، كما أنه مكلّف جدًا، وليس باستطاعة (20) قناة دينية أن تطلق قمرًا صناعيًّا.
إعلام مسيّس
ومن جانبه يعتقد الأكاديمي والخبير الإعلامي الدكتور فريد أبو ضهير أنّ غالبية المؤسسات الإعلامية مسيّسة ومرتبطة بالحكومات وبمشروع التغريب ممّا ينعكس على ممارساته، مؤكدًا على أنّ المحطات الفضائية إذا كانت متساوقة مع هذه الحكومات فإنّها ستلعب دورًا مدروسًا بين الناس ويكون خطابها في جوهره سياسيًّا. وقال: الأصل في الفضاء الإعلامي أن يكون حرًا لجميع التيارات الدينية والعلمانية، هذا هو ميثاق وفلسفة وجوهر الإعلام، حيث من غير اللائق أن تملى على القناة نسبة ونوعية البرامج التي من المفترض أن تبثها، فالقناة الاقتصادية على سبيل المثال تبثّ برامج اقتصادية، والقناة الدينية تبث مواد دينية. لا أعتقد أن هناك تخوفًا من قِبل الحكومات العربية على استمرار بعض القنوات في بثّ برامجها، وإنّما الخوف يقتصر من نشر الإسلام الأصولي، لذلك أهيب بالفضائيات الدينية أن تراعي المهنية الإعلامية في عملها، إذ لا يليق بمحطة فضائية أن تستخدم سياسة التكتّل والتحزّب، فالأصل أن تكون هناك شمولية في الطرح والفضائيات الإسلامية، يجب أن تكون أول الملتزمين بشروط البث، وأن لا تعطي أي ذريعة للمسؤولين للعمل على إغلاقها.
قرار فيه تعسف
وفي نفس الإطار يتساءل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور وحيد هاشم عن ماهية الأخلاقيات الإعلامية قائلاً: “هل هناك أخلاقيات إعلامية تمّ التوقيع عليها؟ أم أنّها مجرد أخلاقيات مهنية يتم وضعها من أي طرف؟ السؤال الذي يطرح نفسه، ونحن في عصر العولمة وحقوق الإنسان: هل لا زالت عملية التضييق والمنع موجودة في الساحة العربية؟ والإجابة في نظري هي أنها بدأت تزداد، حيث يتم حجب ومنع العديد من القنوات والأقلام عن أداء رسالتها، وأنا شخصيًا ضد أي تحرك سياسي يعيق حرية التعبير والرأي.
ويرى هاشم أنّ قرار إغلاق القنوات الفضائية من قبل “النايل سات” فيه تعسف، مؤكدًا أنّ أي قرار يجب أن يتخذ بموضوعية وشفافية، سواء كانت هذه القنوات دينية أو غير ذلك، مشددًا على أنّه لا يوجد أي تحرك ضد وسائل الإعلام إلاّ ويكون وراءه قرار سياسي، فليس من المستبعد أن يكون القرار صادرًا من “العم سام”، وذلك نتيجة للتقارب المصري - الإيراني.
تشكيك في صحة الاتهامات
أمّا الأستاذ صالح الحربي الباحث في الشؤون الإعلامية فيرى ضرورة النظر إلى هذا الموضوع من أكثر من جانب، أولها جانب حرية التعبير وحقوق الإنسان التي من المتوقع أن يزداد تراجعها، وجانب التعلل بأنّ حرية التعبير تسقط إذا ألحقت الضرر بالآخرين، ويقول: هناك فضائيات تعمل على إلحاق الأذى بالمجتمع، أخلاقيًا ودينيًا، نعم هناك أبعاد سياسية للقرار، إضافة إلى وجود بُعد طائفي يتمثل في الأقباط والشيعة، حيث تُتهم هذه القنوات بأنّها تثير الفتنة في المجتمع.
ويشكِّك الحربي في صحة الاتهامات الموجهة لهذه القنوات بأنّها تعمل على الشحن الطائفي قائلاً: لا أحد يستطيع أن يفتي بأنّ هذه القنوات تعمل على هذا الشحن، فقد تكون إحدى وسائل التعبير للرد على جهة بعينها، ولا يعدّ هذا إساءة للباقين.
ويقرّ الحربي بوجود حملة على القنوات ذات التوجه السلفي، قائلاً: لست مع هذه القنوات أو ضدها، ولكن هناك العديد من القنوات تعمل على إثارة الفتنة، كثير من الفضائيات التي تبثّ على القمر الصناعي “النايل سات” ليست ذات تأثير على الشارع العربي مثل الأثر الذي تحدثه القنوات السلفية التي تكتسب مصداقية كبيرة بين ملايين الجماهير، وهذا يرجع إلى الثقة التي يضعها الشارع بالدعاة والمشايخ الذين يظهرون على تلك القنوات.
ويتابع الحربي حديثه بالقول: أؤكد على أنّ هناك تخوف من الفتنة بين السنة والشيعة، ولكن لا يوجد أي نوع من الموازنة بين الطرفين من حيث المعاملة بالمثل، مع أنّه لا يمكننا أن نقارن بين القنوات السلفية والقنوات الشيعية من حيث إثارة النعرات الطائفية، مشددًا على أنّ مثل هذا الإجراء المتخذ بحق القنوات هو في الأصل مَن يخالف ميثاق الشرف الإعلامي، ويؤدي إلى دعم انحسار التيار الديني.
قرار سيادي
وعلى الصعيد نفسه يؤكدّ الأستاذ عبده خال في بادئ الأمر أنّ القرار المتخذ بحق القنوات الدينية يعدّ قرارًا سياديًا، حيث ارتأت بعض الجهات المسؤولة هناك أنّ هذه القنوات قد خرجت عن ميثاق الشرف الإعلامي الذي أقرته على نفسها قبل أن تبدأ مرحلة البث، فهذه إشارة مهمة للغاية حينما نتحدث عن القرار في صياغته المعلنة كي لا يتم الخلط بين جميع البرامج الدينية، فهي خاصة ببيئة جغرافية محددة ترى فيها أنّ هذه البرامج أخلّت بالميثاق الإعلامي.
إلاّ أنّ خال يستدرك قائلاً: ليس من حق أي جهة أن تلجأ إلى منع التعبير عن الرأي حتى لو كان ذلك الرأي مخالفًا للتوجهات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، وما دمت ككاتب أسعى من أجل حرية الإنسان في أن يقول ما يريد ويؤمن به، حينها تصبح سياسة المنع من مخلفات الماضي، وهي لا تتوافق مع المواثيق الإعلامية العالمية التي جعلت الفرد الواحد مصدرًا للبث والنشر، والحديث. حتى وإن كان الخطاب المعلن من القنوات الفضائية لا يستساغ عند طرف معين من الأطراف، فإنّ الحل الأمثل لا يتمثل في إغلاق تلك القنوات، وإنّما يكون بالمحاورة، وإظهار أن تلك الآراء قاصرة عن استيعاب المقتضى الثقافي العالمي، وليس من الأهمية أن ندخل في تفاصيل أنّ هذه القنوات أخلّت بالميثاق الإعلامي، وإن كان هناك إعلان من قبل مصر، لكن الحديث الأهم أننا نؤمن بالحرية، وهي تقتضي أن يتحدث كل واحد برأيه.
وينوّه خال إلى أن المثقف ليس لديه مانع في أن يتحدث كل برأيه، لكن السياسي يحمل هدفًا رئيسيًا يتمثل في فرض الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، لذلك فإنّ السياسي -بحسب خال- لا يعنيه ضياع المجتمع بقدر ما يعنيه استقراره.
وحول تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي على القنوات الأخرى، ومنعها من أن تتجاوز الأخلاق والآداب العامة التي تصل إلى حد الإباحية، وأن يتم معاملة القنوات الدينية والترفيهية بنفس مبدأ المعاملة، يقول خال: لا بد أن تكون هناك تنشئة اجتماعية تجعل المشاهدين ينفرون من ذلك، للأسف الشديد تحدث ازدواجية في ما هو مسموح وما هو ممنوع، والمال أصبح سيد الموقف، لذلك تجده هو مَن يمثل الحكومة المستقلة التي تبثّ ما تريد وهي في نفس الوقت تحمل ميزانيات الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء.
ويختم بالقول: إذا انسحب أصحاب رؤوس الأموال فإنّهم سوف يؤثرون على ميزانية الشركات التي تقوم بإرسال الأقمار، وإذا قامت هذه الشركات بمنع أصحاب الأموال من بثّ ما يريدون، فإنّهم حتمًا يستطيعون أن يطلقوا أقمارًا خاصة بهم، ومثل هذا الأمر يؤدي إلى خلق ازدواجية في المواثيق الإعلامية.
المعالجة الحكيمة
من جانبه يعتقد رئيس تحرير صحيفة “الشرق” قينان الغامدي بضرورة أن يكون المجتمع بأسره ضد ما سمّاه “التجييش الطائفي” الذي يفضي إلى الفتنة، سواء كان هذا عبر القنوات السنية أو الشيعية، وقال: الإجراء الذي اتخذته هيئة الاستثمار ليس حلاً سليمًا لمعالجة الطائفية، فكان ينبغي أن يشمل كل القنوات التي تفضي إلى الشحن الطائفي. لذلك لا بد من إيجاد معالجة سياسية حكيمة، فما يجري على القنوات هو أحد مظاهر الشحن الطائفي وليس جذوره، إذ لا بد من القضاء على هذه الطائفية في المجتمعات من أصولها وليس بالاقتصار في إلقاء اللائمة على الفضائيات، القرار السياسي الصادر بحق هذه القنوات لا يمثّل علاجًا للمشكلة، لأنّ هذه القنوات قد تظهر على أقمار صناعية أخرى، وقد يظهر غيرها، أمّا ما يقال عن وجود ميثاق شرف إعلامي مكتوب فهذا غير صحيح، وينبغي أن تكون هناك قرارات صادرة وقوانين مكتوبة تشمل الجميع، وتعمل على تجريم أي طرف مهما كان مذهبه، عندها لن تستطيع أي جهة تجاوز هذه القوانين. كذلك من مهام أي جهة تنظيمية إيجاد سياسات عامة يلتزم بها الجميع، ولا بد أن تكون هناك شروط للبث أو النشر، سواء كان ذلك في الصحافة المكتوبة أو الإعلام المرئي والمسموع، ويجري محاسبة أي جهة كانت بناء على تجاوزها للقوانين الإعلامية.
إثارة النعرات الطائفية
وفي السياق نفسه يؤكدّ المدير الإعلامي لقناة “العربية” ناصر الصرامي أنّ موضوع القنوات الفضائية وأنصارها إحدى مزايا العصر الجديد الذي يتميز بقوة الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام في كل مكان، حيث شهد العالم العربي في العشر سنوات الأخيرة ظهور ما يقرب من 350-450 قناة فضائية بحسب إحصائيات عربية مختلفة، وتشير أيضًا إلى تنوّع المحتوى في هذه القنوات من خلال تغطية جوانب عديدة فيها.
ويقول الصرامي: خلال الثلاث سنوات الأخيرة ظهر بشكل كبير وضخم ما يعرف بالقنوات الدينية، ويتراوح عدد هذه القنوات مابين 20-40 قناة بعضها معروف مصادر تمويلها وأهدافها، وبعضها مجهول المصدر والأهداف، أمّا سبب إغلاق هذه القنوات فهو عائد إلى دورها في إثارة النعرات الطائفية، فهناك إشكالية حقيقية تتمثل في قلة الخبرة لدى القائمين على هذه القنوات من ناحية القوانين الإعلامية، فهم لا يفرقون ما بين خطاب ديني منغلق، أو خطاب فضائي منفتح، علاوة على ذلك فإن الأحداث التي مرت بالمنطقة من خلال استمرار التأجيج الطائفي بين الطرفين الذي لعبت فيه بعض القنوات المصرية دورًا كبيرًا هي التي أدت إلى هذا الإغلاق.
ولا يبرّئ الصرامي أيًا من الطرفين السني والشيعي من هذا الشحن، فهو يتحدث عن الطرفين، مؤكدًا في نفس الوقت أنّ المعاملة تتم بالمثل بين القنوات الدينية سواء بين السنية والشيعية ويقول: استدل على ما ذكرت بإغلاق شركة “نور سات” البحرينية لقناة “فدك” التي يديرها المدعو ياسر الحبيب، لذلك أستبعد وجود أي تسييس وراء قرار الإغلاق، لأنّ هذه النعرات ليس لها تأثير سياسي، وإنّما تأثيرها يكون مباشرًا في الخطاب الديني، وفي الإسهام في التأجيج الطائفي.
ويختم الصرامي قائلاً: كانت الهيئة المسؤولة عن نليل سات قد وزعت لائحة خاصة على القنوات الدينية، وكان هناك اعتراض وتحفّظ على بعض الشروط التي قدمت، ومن ضمن هذه الشروط عدم التعرّض لأي من المذاهب والأديان الأخرى، وهو إجراء مهم بحكم وجود الطائفية بين المسلمين والأقباط، إضافة إلى وجودها بين الطرفين السني والشيعي، لذلك كله أرى أنه لا بد من تحديد نوعية الخطاب الذي لا يسهم في تأجيج الطائفية أو التعرض للديانات الأخرى، إلاّ أنّني ضد مبدأ تحديد نسبة البرامج ونوعيتها على أي من القنوات الدينية.
معتقلات غوانتانامو
من جهته يرى رئيس المركز العربي للثقافة والإعلام الأستاذ عبدالله الخشرمي أنّه من الأفضل الابتعاد عن الخوص في حيثيات إغلاق هذه القنوات ومدى قانونيته ونظاميته، قائلاً في نفس السياق: أنا مع حرية الإعلام البناء على مختلف أنواعه حتى ولو اختلفت الآراء مع قناعاتي والتوجهات التي أؤمن بها، لأنّ التعددية هي “أسّ” للمعرفة ومكمن بلوغ الهدف في تشكيل رأي عام، وقد نتفق مع صاحب هذا الرأي أو نختلف. إلاّ أنني أرى كذلك أنّ تفشي بعض القنوات “الاسترزاقية” التي تمارس الخداع على وعي الإنسان العربي، بل وتحاول أن تجره إلى مستنقع التطرف، وترفض أي أطروحات تختلف معها، ولا تؤمن بتعددية الرأي والرأي الآخر، فهذه الفضائيات ضرب من التجييش لأحادية الفكر أو التيار، حيث يشكل هذا النوع من الفضائيات خطورة أكثر بكثير من سلاح الجيوش والحرابة.
ويشير الخشرمي إلى بعض الفضائيات الدينية التي تعمل على استغلال الدين، رافضًا الإشارة إلى قناة بعينها سواء من التي أغلقت أو التي لم تغلق بعد، ويقول الخشرمي: استغلال الدين من أخطر الأسلحة الفتاكة التي أدت إلى استلاب واختطاف كثير من شبابنا إلى نفق الظلامية ومعتقلات الوعي الجماعية، التي تشكل خطورة أكبر على شبابنا من معتقلات غوانتانامو. فإذا كانت أمريكا قد اعتقلت البشر بصورة غير قانونية، واقتادتهم رغمًا عنهم، فأنا أعتقد أنّ خطورة الرأي المحنّط الذي لا يقبل إلاّ سواه على الإطلاق أكثر خطورة من هذه المعتقلات التي نصبتها أمريكا، ممّا يؤدي إلى تشويه الفضاء الإعلامي العربي الذي يعاني أهله كثير من الهزائم.
وحول ضرورة إيجاد ميثاق شرف إعلامي لكافة الفضائيات العربية يقول الخشرمي: سواء اتفقت مع الميثاق الإعلامي أو اختلفت معه، فالميثاق عندما يصدر من الحكومات لابد أن يكون من نتاج المجتمع المدني بكل تعدديته ونخبه، وعدم مشاركة المجتمع المدني في تحديد ووضع الميثاق الإعلامي يعني عدم نجاحه، لذلك ينبغي إعادة النظر في الميثاق الإعلامي بما يتوافق مع كافة الأفكار الواعية.
وينفي الخشرمي صحة المعلومات التي تقول بأنّ سبب إغلاق هذه القنوات يعود لقطع الطريق أمام جماعة الإخوان المسلمين من أجل إنشاء فضائيتهم الخاصة، قائلاً: هناك مَن يرى أن مثل هذا القرار جاء لمجاملة بعض الدول، من ضمنها إيران، والتي ذهب البعض إليها لتهدئة الوضع وعدم السماح للتمادي في شقّ لُُحمة المسلمين مذهبيًا، والتركيز على ما يجمعنا كمسلمين لا ما يفرّقنا، لذلك أرى أن تفشي البغضاء بصورة سافرة من خلال القنوات الفضائية في الدول الإسلامية، يعتبر ظاهرة خطيرة جدًا، تسهم في دقّ طبول الحرب بين المسلمين.
وينفي الخشرمي ما يردده البعض من أنّ القنوات “السنّية” هي المقصودة بذاتها من هذا القرار قائلاً: قناة العالم تمّ إغلاقها، نظرًا لأنّها بدأت في تخطي حدود حرية الدول، وتصعّد بعض معارضيها وتحرضّهم ضد الآخر، وبالتالي تمّ إغلاقها، ورغم أنه من حق الدول أن تتجه إلى إيقاف مثل هذه الأصوات، إلاّ أنّني أرى أهمية أن يتم التعامل من قبل المسؤولين عن الأقمار الصناعية مع هذا المذهب أو ذاك بنفس الاتجاه الذي تتعامل به مع الطرف الآخر.
ويلفت الخشرمي إلى أنّ العالم الإسلامي السني لابد أن يكون بمثابة “الرجل العظيم” من خلال تناول مثل هذا الأمر بحكمة، خصوصًا بعد قضية الشحن الطائفي عقب تصريحات المدعو ياسر الحبيب، لافتًا إلى موقف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي التي أكدّ فيها عدم جواز التعرض لأمّ المؤمنين عائشة، أو النَّيل من رموز أهل السنة، الأمر الذي قد يؤدي -بحسب الخشرمي- إلى التقارب بين الطرفين. ويقول: هناك “دراويش” إن جازت التسمية في كلا الطرفين، يستغلون هذا التأجيج من أجل الشهرة، ورغبة منهم في تكوين رأي عام، وحالهم كحال صاحب فتوى “إرضاع الكبير”، مشددًا على ضرورة عدم الالتفات إلى أحد من هؤلاء، إذ لا بد من التعامل الرسمي الحكيم حيال مثل هذه التصرفات.
--------------------
خاشقجي: على كبار العلماء والمفتين أن يبادروا في تصحيح مسيرة هذه القنوات
ويتمنى الإعلامي جمال خاشقجي رئيس التحرير السابق لصحيفة “الوطن” على كبار العلماء والمفتين أن يبادروا إلى تصحيح مسيرة هذه القنوات، قائلاً: العديد من القنوات تروّج لكثير من مظاهر الدروشة، وهذا الأمر يخالف منهج السلف لأنّ فيها غشًّا وخداعًا وتضليلاً للجمهور، فهذه الحالة التي تعيشها بعض القنوات أشبه ما تكون ب“الكهنوت الكاثوليكي”، وهذا يتعارض مع المذهب السلفي في السعودية.
ويواصل خاشقجي قائلاً: العديد من القنوات التي يبدو أنها سلفية التوجّه، إلاّ أنّ القائمين عليها مع الأسف لا همّ لهم سوى الكسب المادي، وأنا شخصيًا لا أحسن الظن في كثير من هذه الفضائيات المسمّاة بالدينية، وأعتقد أنّهم يريدون الكسب من وراء نصرة عائشة -رضي الله عنها- والتحريض ضد الطوائف الأخرى بحجة نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا لا بد أن ينبري العلماء والثقات من أهل العلم لكي يحذّروا من هذه القنوات ويوقفوا كثيرًا من الممارسات غير الصحيحة عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”.
ويبرر خاشقجي إغلاق القنوات من قبل هيئة الاستثمار قائلاً: المحطات التي أوقفت وقعت في التحريض الطائفي، حيث يتم الاستفادة من هذا التحريض لأجل صناعة الكوابيس، وتحويلها لمصدر دخل لهم، الدين الإسلامي لا يحتاج إلى وسائط بين العبد وربه، كالذي تفعله بعض القنوات التي تدّعي أنّها تعالج بالرقية الشرعية وبالماء المقروء عليه.
ويستدرك خاشقجي مؤكدًا أهمية إيجاد مجلس لحسم المنازعات الإعلامية، قائلاً: من حق هذه القنوات الدفاع عن نفسها إذا ما تعرضت للإغلاق، وليس من حق المدن الإعلامية سواء في دبي أو القاهرة أن تحدد على أي قناة المواد التي تعرضها أو نسبة ونوعية البرامج التي ستبثها.
------------------
الهضبان: نريد ميثاق شرف إعلامي يدعو إلى الحياء ولا يدعو إلى الرذيلة
لا يجد الإعلامي بقناة (اقرأ) الدكتور عبدالله الهضبان أي تفسير لهذا القرار المتخذ بحق القنوات الدينية، مبديًا استغرابه من التذرّع بالأخلاقيات الإعلامية، وذلك لإغلاق هذه القنوات، مشيرًا في نفس السياق أنّه حتى لو كان هناك اختلاف مذهبي ومنهجي فإنّ هذه القنوات فيها خيرٌ كثير، وتعمل على إفادة الناس، ويقول: أرى أهمية أن تلتزم القنوات الإسلامية بالشروط التي بينها وبين الأقمار الصناعية، حيث من الأولى على هذه القنوات أن تطبق هذه الشروط وتسارع إلى تطبيقها قبل أي قناة أخرى، فالإسلام واضح وضوح الشمس ولا يوجد لدى هذه القنوات شيء تخفيه عن الناس.
وحول مدى تطبيق المواثيق الإعلامية على القنوات الفضائية بكافة أنواعها ردّ الهضبان آسفًا: الجميع ليسوا متساوين في تطبيق المواثيق الإعلامية، فمَن الذي وضع المواثيق الإعلامية؟ وفي صالح مَن تصب؟ وأين تنتهي حدود ميثاق الشرف الإعلامي التي يعلق عليها البعض ما يفعلونه؟ نحن نريد ميثاق شرف إعلاميًّا يدعو إلى الحياء، ولا يدعو إلى الرذيلة، فلماذا لا يوجد هناك تحديد لمستوى أخلاقيات الأفلام المعروضة للأطفال؟ بعض الفضائيات العربية لا تستحق حتى أن يشاهدها “الفساق”، فما بالك بالنخب والمثقفين! فلماذا لا يطبّق عليها ميثاق الشرف الإعلامي؟
ويستطرد الهضبان قائلاً: الأمر الثابت أن هناك كيدًا كبيرًا لكل ما هو إسلامي، فهم لا يقبلون بوجود قناة دينية، وإنّما بالتأكيد فإنّ القنوات الغنائية تلقى قبولاً ورواجًا عندهم، من حق القنوات الدينية أن تبث عقائدها كما يفعل النصارى والمسيحيون في بثّ معتقداتهم، فلماذا نقوم بتحجيم أنفسنا؟ ولماذا توضع الوصاية على القنوات الدينية، مادامت هذه القنوات قد دفعت المال مقابل السماح لها في البث على القمر الصناعي؟ فإذا كان البعض يريدون أن يفرضوا وصاية فليفرضوها على مَن يروّجون الفساد والرذيلة.
ليس من حق القمر الصناعي أن يشترط عليّ ما أبثه وأعرضه، لذلك أدعو القائمين على تلك الفضائيات المتضررة إلى البحث عن أقمار صناعية أخرى للبث عليها، وألا يقلوا بأي وصاية على طريقة عملها من أي جهة. كما أدعو الحكومات إلى التدخل لوقف نشر الرذيلة من خلال الأقمار الصناعية، وأن تنشر الفضيلة بين المجتمعات الإسلامية والعربية.
----------------------
الحضيف: أليس من الأولى إيقاف الفضائيات الماجنة التي تسب أمهات المؤمنين؟
يبدي الأكاديمي والمستشار الإعلامي الدكتور محمد الحضيف أسفه لهذا الأمر، قائلاً: أقول لمَن يتكلمون عن حرية التعبير: أليس من الأولى إيقاف الفضائيات التي تمتلئ بالأغاني الماجنة والفيديو “كليبات” الخليعة؟ أليس من الأجدر أن توقف القنوات التي تعمل على سب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وزوجته عائشة؟ أرى أن سبب الإغلاق ليس له أي علاقة بانتهاك هذه القنوات لميثاق الشرف، ففي الحقيقة لا يوجد ميثاق ولا شرف في الإعلام، ومثل هذه الممارسات تزيد الاحتقان والتطرف بين فئات الشباب العربي والإسلامي؛ لأنّ هذه القنوات تعدّ بمثابة المتنفس الطبيعي بالنسبة لهم.
ويلمح الحضيف إلى أنّ القنوات الفضائية التي تمّ إغلاقها مثل قناة (الحكمة) تقوم برد الحجة بحجة مثلها، موضحًا أنّ هناك قنوات تعمل على تكفير الآخر، والذي يراجع هذه القنوات التي أغلقت يرى أنّها لا تفتري على أحد، فهي تقوم بالرد على الطرف الآخر من خلال الاستشهاد بمصادرهم، ويقول: قرار الإغلاق الذي تمّ من الجهة المخولة هو قرار سياسي، حيث أصبحت الرقابة عالية على البرامج المباشرة التي تبثّ على القنوات الفضائية سواء كانت خاصة أو رسمية.
ويهيب الحضيف بالمستثمرين الخليجيين العاملين في قطاع الأعمال أن يعملوا على إطلاق أقمار صناعية، حيث إنّ الاستثمار في ذلك المجال مفتوح وبشكل كبير، مشددًا على أنّه لا مناص من كسر هذا الاحتكار، ولا بد من إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.