حتى نصل إلى تفسير منطقي للأحداث المتتالية في المنطقة العربية يجب أن نتفق أولاً أن أساس التعاطي مع المشكلات والاهتزازات السياسية في المنطقة هو الحفاظ على أمن إسرائيل في المقام الأول، ومن ثَمّ يمكن أن نسرد مسببات أخرى لا حصر لها. والسؤال المتبادر إلى الذهن بدايةً هو: كيف؟! دعوني أتجاوز غزو العراق وحرب تموز التي اندلعت بين حزب الله وإسرائيل والتعاطي مع ملف إيران النووي، وكذلك الربيع العربي وسقوط الإخوان عن الهرم السياسي في مصر بعد ذلك، لأتوقف عند الثورة السورية التي أريد لها وقت أطول لخدمة مصالح العدو الصهيوني. فمن المتعارف عليه أن الثورة السورية كانت تتخذ طابعاً سلمياً منذ اندلاعها في منتصف مارس من العام 2011م، حتى أجبرها النظام بعد مجازره اللاإنسانية والدموية على حمل السلاح، مما دفع بمسار الثورة الشعبية السلمية إلى منحنيات صعبة كان أولها خوف الدول الكبرى من دعم المسلحين، حتى لا يسقط السلاح الكيميائي بين أيديهم فيما لو انتصرت الثورة، خصوصاً أن عديدا من الفصائل المتشددة بدأت تنخرط في الحرب ضد نظام الأسد وتركب موجة الثورة لخدمة مصالحها. وهذا بلا أدنى شك سيهدد الأمن الإسرائيلي بشكل مباشر، مما جعل الولاياتالمتحدة تبدأ وبشكل سريع في الحديث عن مشروع ضربات عسكرية، تستهدف مخازن هذه الأسلحة، بعد أن بدأ النظام الدموي باستخدامها، أي أن هذه الضربة لم تكن لخلع النظام الدكتاتوري كأولوية مهمة لدولة كبرى. وهنا يظهر أن المحرك الأساسي للسياسة الغربية هو أمن الدولة الإسرائيلية – خصوصاً فيما يتعلق بالربيع العربي- وليس دعم الحريات والحركات الديمقراطية التي ليست إلا ستاراً أبيض يغطي كثيرا من السواد خلفه. إلا أن الحديث عن الضربة العسكرية التي أيدها بعضٌ وعارضها آخرون، كان قد توقف بعد أن قرر الأسد بخبثه المعهود تسليم سلاحه الكيميائي، ليتأكد لدى المتلقي أن الدماء ثمنها بخس ووحده أمن الكيان الصهيوني يصنع الفرق. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال مازالت سوريا تستنزف دون أن يتدخل المجتمع الدولي ويقطع على الأيدي -التي كثرت وتلونت بلون الدم- الطريق، لتبدو سوريا مستقبلاً ضعيفة منهكة تتناهشها الطوائف والجماعات الإرهابية ومنشغلة بنفسها. لتثبت طريقة «حيلهم بينهم» أو الفوضى الخلاقة كما يُشاع أنها الأنجع، خصوصاً بعد أن آتت أكلها في العراق، بالرغم من فشلها في مصر.