انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض وسائل التواصل الاجتماعي صورة ضوئية لتعميم من أحد المديرين الأجانب من جنسية عربية لإحدى الشركات الخاصة يأمر من خلاله الموظفين بالوقوف احتراماً له حال مروره بمكاتبهم، ومهما كانت عدد المرات التي يعبر فيها سيادته عليهم خلال اليوم الواحد فإن على الموظفين الوقوف والقيام احتراماً وتبجيلاً لطلته البهية في كل مرة. أثار هذا المنشور حفيظة الرأي العام في وسائل التواصل الإلكتروني وتوالت ردات الفعل عبر كثير من التعليقات الغاضبة التي استنكرت سلوك المدير المتكبر وتغطرسه وسطوته التي أباحت له إصدار ذلك التعميم و إجباره الموظفين على الرضوخ لهذا التصرف الغريب. الفهم العام للإدارة ولمنصب المدير في مجتمعاتنا العربية يتمحور حول شخصية صارمة متجهمة تجلس على كرسي دوار من وراء مكتب واسع وتعطي الأوامر لهذا وذاك وتقوم بالصراخ بصوت عال على الموظفين عند أبسط مشكلة أو خطأ. بينما المفهوم الحديث للإدارة يتناقض تماماً مع الممارسة الدارجة لمهنة المدير حيث يؤكد المنهج الإداري العلمي على أهمية القيادة وشخصية المدير القائد الذي يدير دفة الإدارة جنباً إلى جنب مع باقي أعضاء الفريق وخلق حالة من التناغم والانسجام في تأدية مهمام العمل كل بحسب موقعه وكفاءته وهو ما يندر وجوده على أرض الواقع. إن تسلم زمام الإدارة من قبل مديرين وصلوا لهذا المنصب صدفة أو عبر «الواسطة» أو المحسوبية أو التزلف والتملق وتلميع الأحذية لا يرتجى منهم ممارسة إدارية علمية ذات أسس وقواعد سليمة، كما أن البيئات الإدارية المريضة والموبوءة تساعد أولئك المديرين على استمراء الهبل الإداري والمضي قدماً في إدارة المنشأة بنظارات سوداء معتمة وعيون مغمضة وجر كامل الطاقم إلى هاوية الفشل الحتمي، الفشل ليس بالضرورة مالياً ولكنه في الغالب معنوي ويتمثل في التحطيم النفسي للموظف الذي يفقد قدراته ومهارته شيئاً فشيئاً وينغمس في التفاهات اليومية المختلقة من قبل المدير فيصبح الموظف بين أمرين أحلاهما مر، فإما الاستقالة من المنشأة حفاظاً على الكرامة والأعصاب وإما الاستمرار في مجاراة مرض المدير النفسي وتصنع احترامه وتحمل استبداده حفاظاً على لقمة العيش. من المؤسف أن غالبية المديرين من تلك العينة يستمرون ويعمرون طويلاً في مناصبهم بسبب المرؤوسين المباشرين أنفسهم، فسكوت الموظفين وصمتهم وقبولهم التعديات ورضوخهم لطلبات المدير غير القانونية يجعل المدير يظن شيئاً فشيئاً بأن تصرفاته غير المنطقية صحيحة وبأنها من حقوقه الواجب تنفيذها واحترامها. بعض المديرين لا يساوون فلساً خارج منظماتهم ومقار عملهم وليس لهم أي مكانة أو قيمة عند مجتمعاتهم ومعارفهم لسوء خلقهم أو لضعف شخصيتهم الاجتماعية فيحاولون تعويض ذلك بفرض ما يظنونه احتراماً على موظفيهم داخل نطاق العمل بأساليب لا تليق بالزمن المتطور والمتحضر الذي نعيش فيه. أصبح السلوك الإداري المنحرف داء تعاني منه أغلب القطاعات الإدارية العامة والخاصة وأخذ يتغلغل في مفاصل الإدارات بمختلف مستوياتها خصوصاً التنفيذية منها، وإذا لم يعالج هذا الداء ويقضى عليه فإنه سيعرقل عجلة التنمية والتطور وستدار الإدارات بعقلية العصابات والشلل.