سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. آل مذهب: الإدارة العربية ينقصها قادة إداريون ملهمون ومحفزون.. والغربية ترى العمل مكاناً للمنافسة الشريفة وتحقيق الذات عن طريق الإنجاز بين "المدير العربي" و"المدير الغربي".. ما الفرق؟
@ كيف نصنّف "المدير العربي" نسبة إلى "المدير الغربي"؟ وهل من فرق جوهري بينهما؟ يرى متخصص أكاديمي في علم الإدارة أنه من الصعب تصنيف المدير العربي مقارنة بالمدير الغربي دون دراسة علمية، وما يقوله البعض عن سلبيات المدير العربي يعتمدون في أقوالهم على الانطباعات والمشاهدات والملاحظات الشخصية، إلا أنه يقّر - بشكل عام - أن الإدارة في الغرب تتفوق على الإدارة العربية - من ناحية تنظيمية- بتحمل المسؤولية والقدرة على صناعة القرار، واستخدام الأساليب العلمية في العمل والاعتماد على التخطيط الاستراتيجي، وتوافر روح العمل الجماعي، والاعتماد على معايير موضوعية في الأداء والتقييم، والبعد عن الرسمية في عمليات الاتصال والتعامل مع الآخرين، والقدرة على الانضباط والدقة، وتفادي الروتين، والمبادرة بهدف التحسين والتطوير المستمر، واحترام التخصص. كل هذه في مجملها صفات ايجابية ومنشودة. ويشير د. معدي بن محمد آل مذهب أستاذ الإدارة المشارك ووكيل عمادة شؤون أعضاء هيئة التدريس والموظفين بجامعة الملك سعود إلى أن هناك كتابا مشهورا في حقل الإدارة عنوانه بالإنجليزية (It All Depends)، ومع أنه من العناوين التي يصعب ترجمتها إلى اللغة العربية، إلا أنه يمكن القول إن مضمون الكتاب يعني أن الموقف والمتغيرات المحيطة بمفهومها الشامل هي التي تساعدنا في الحكم على تصرف معين أو إبداء رأي، أو مشورة، وهذا ما يمكن القول به للإجابة عن سؤال الفرق بين المدير الغربي والمدير العربي. ولو تحدثنا عن تنظيمات ومؤسسات فأغلب هذه الصفات للأسف - حسب قول د. معدي - لا تتوافر في الإدارة العربية خاصة في القطاع العام، فبعض المتخصصين يصفها بأنها مجموعة من المساوئ إن حاولت حل بعضها ظهرت لك مشكلات أخرى وذلك بسبب تأثير وتشابك وتداخل الثقافة الاجتماعية بالثقافة التنظيمية. لكن القشة التي قصمت ظهر الإدارة العربية من وجهة نظره هي تعيين بعض المديرين أحيانا بناء على الانطباعات الشخصية والمحسوبية دون اهتمام بالكفاءة والتخصص. هناك أعداد كبيرة من المديرين لم يدرسوا مقررا واحدا في الإدارة وإن التحقوا بدورة تدريبية فعائدها من المهارات شبه معدوم، إما بسبب سوء التدريب أو لأن التدريب كان للحصول على نقاط تمكنه من ارتقاء الهرم الإداري، ونتائج هذه الدورات عادة شبه متوقع وهو أن الكل ناجح. ولعل المشكلة الأخرى كما يراها د. معدي تتمثل في أن الإدارة العربية ينقصها قادة إداريون ملهمون ومحفزون، وما هو ملاحظ أن أغلب المديرين يمكن وصفهم بأنهم مدبرو أعمال يومية فقط، تقاس إنتاجيتهم بكثرة التوقيعات، والانغماس في التفاصيل، وبتكدس الأوراق على مكاتبهم، وبالقدرة على التفنن في القراءة الحرفية للوائح والأنظمة دون أخذ روح النص في الحسبان. جلسة واحدة في اجتماع قد تمكنك من معرفة قدرة المدير على الإدارة، وعلى تمكنه من الموضوع محل النقاش، وعلى تحضيره للموضوع ومعرفته بخباياه وقدرته على الربط، وضبط الوقت وطرح البدائل، وعلى مهاراته القيادية وجديته وتمكنه وحماسه وإخلاصه، وشفافيته، وتقبله للنقد الهادف وعدم تأليب طرف أو شخص على آخر. ويذكر د. معدي للتوضيح مثلاً شعبياً يقول "إذا أردت أن تفضحه فشيّخه"، بمعنى، قد يكون الشخص أكثر إنتاجية وأكثر فعالية، أو على الأقل لا أحد يعلم بنقاط ضعفه إداريا أو قياديا لو لم يكن في منصب، لكن تنصيبه جعل ما كان مخفياً يظهر للعيان، والإدارة العربية معروفة بتشبث مديريها بمناصبهم، بل ويعتقد البعض أن بقاءه يعني الحياة لمنشأته، مع أن رحيله قد يبث الحياة فيها من جديد، ولهذا لا نسمع كما نسمع في الغرب أو في الشرق عن تنحي مسؤول عن منصبه لعدم قدرته أو لإخفاقه، مع أن ذلك يُعدّ من تحمل المسؤولية. ويشير د. معدي في حديثه إلى أن الثقافة التنظيمية الغربية ترى مكان العمل مكاناً للمنافسة الشريفة وتحقيق الذات عن طريق الإنجاز، بينما يمكن القول إن ثقافة الإدارة العربية تنظر للعمل على أنه طريقة أخرى لتوزيع الثروة، ومصدر للدخل أكثر من كونه مكاناً للإنتاجية والخدمة. ثقافتنا العربية حسب قوله هي ثقافة لفظية وتمتد هذه الثقافة اللفظية إلى الجانب الإداري، فلدى أغلب الناس انطباع عن أنه لا يتفوق في مكان العمل سوى من كانت لديه مهارات الذكاء الاجتماعي ومخزون وافر من مصطلحات التسلق والتملق وقريب أو صديق يستند عليه ويأخذ بيده. ويعتقد البعض، وربما صدقوا في ذلك، أن الصريح في بيئة العمل (حتى بأدب وحرفية)، يُعتَقد بأنه لن يجد طريقا سويّاً في مكان العمل، وأن المخلص متحمس ستبرد جذوة ناره بعد فترة، كما أن هناك انطباعا بأن الصادق في مكان العمل يوصف بالبداوة أو "القراوة"، لم تُمرسه المدنية بعد لكسب مهارات المداهنة وتخطي الحواجز للوصول إلى ما يريد حتى ولو كان مشروعا، بل يُعدّ "مشكلجيا" يُفضل تجنبه ومغامر في غابة تنظيمية لا يلبث أن يضيع فيها. في المقابل، يذكر د. معدي أن هناك الكثير من الناس يعتقدون أن المتسلق أو على الأقل الساكت يوصف بأنه "طيب" و"حليل"، ومحب للخير، وسياسي لا يُشق له غبار، وأن المتخصص سجين علمه وينظر للآخرين من زاوية ما قرأه في مدرجات الجامعات وسمعه من أساتذته فقط، وأنه متعال لا يحترم التخصصات الأخرى. فهناك هوة بين الممارسين والأكاديميين العرب لم تردم بعد وما لم يبادر الأكاديميون بسد هذه الفجوة فسيستمر الحال من سيئ إلى أسوأ. كل هذه الأمور جعلت من الثقافة الإدارية العربية في جانب الممارسة محل تندر وسخرية لكن التعميم من خلال هذه الانطباعات صعب وربما كان هناك إداري جيد لا يلبث أن يتلون سلوكه وطريقته في التعامل بسلوك موظفيه أو ربما كان هناك أكاديمي فذ أصبح ممارسا ولا يدرك أنه أصبح أكثر تعقيدا من ممارس كان يتندر به، قبل أن يصبح ممارسا، ولا يعلم أن الأخير هو من نصب له شراك الوقوع في الجمود والروتين. ويلفت د. المعدي الانتباه في ختام حديثه إلى أن كل هذه الانطباعات في النهاية تتبخر ويعتمد أغلبها على مع من تعمل وأين تعمل وعلى القدرة والكفاءة للموظف، فالمتميز والمتخصص المخلص سيفرض نفسه على المدى البعيد، وذلك يحتاج إلى صبر وإلى عزم ووضوح هدف سواء في القطاع العام أو الخاص، وإلى قائد إداري مخلص لعمله ووطنه يعطي الفرصة لمثل هذا الموظف ويؤمن بتكافؤ الفرص للجميع دون إقليمية، أو محسوبية أو انطباعات شخصية. كما أن ما نفتخر به ويجب أن نفتخر بأن ما يميزنا كمسلمين أن لدينا من القيم ما يجعلنا أكثر إنتاجية وعدلا، وأفضل جودة وأسرع خدمة، وأكثر ممارسة للعمل الجماعي وما إلى ذلك من الصفات التي ذكرت أعلاه حول الثقافة الإدارية الغربية، لكن التطبيق برأي د. معدي يبقى هو المحك، والفعل - وليس القول - يصبح الفيصل، لا أن نذكر ما يجب أن نكون وننسى الكيفية التي نتبعها للوصول إلى ما ننشد.