لم ينصرف الإمبراطور الشاب ميجي نحو اللهو والتماجن مع أصدقائه الشباب بل نهض بمسؤولية التشافي من فاجعة الهزيمة المخضبة بالدم التي مني بها اليابانيون أمام مدافع السفن الاستعمارية التي أجبرته على فتح أرضه وأسواقه للبضائع الأوروبية فابتعث إلى الغرب 150 شاباً من أذكى الشباب، وأكثرهم طموحاً وجلداً، ليعرفوا سر المدافع والبوارج التي أذلت اليابانيين، وليجلبوا معهم أسرار التقنيات الحديثة الأخرى. قال لهم بحزم (أريد كل العلم الغربي، أريدكم أن تفهموا كل شيء، وأن تنقلوه إلى اليابان لكي نستفيد منه، ونبني عليه نهضتنا المقبلة، فينبغي لنا أن نلحق بهؤلاء الأوربيين المغرورين بأنفسهم، والذين يحتقرون الآسيويين ويعتبرونهم همجاً وأنصاف متحضرين) لذا لم يكن ابتعاثاً عشوائياً فقد كان على كل مبتعث أن يأتي بأسرار صنعة من الصناعات كصناعة الصُّلب والنسيج والسكك الحديدية والسفن وغيرها. فيدخل المبتعث المصانع ويتعرف على أدواتها وقطعها وكيف تعمل ومن أين يؤتى بموادها الأولية وهكذا توافد المبتعثون اليابانيون إلى الغرب والتهبت حمى اكتشاف أسرار الصناعة الأوروبية في استجابة لنداء ميجي حتى أن بعض الشباب كان يذهب إلى أوروبا من تلقاء نفسه بعد أن يرشو قباطنة السفن الأوروبية لتحملهم إلى أوروبا فيدخلون المصانع ويعملون بأجرة تسد حاجة بطونهم للطعام فقط ولكن هدفهم الأول هو الجاسوسية الصناعية وكيف ينقلون أسرارها لليابان لتقفز بلدهم خلال خمسين سنة من بدء مشروع ميجي الابتعاثي من بلد متخلف صناعياً إلى بلد رائد في الصناعة الحديثة.