أظهر فيلم المجالد (Gladiator) طبيعة الحياة في ظل النظام الروماني وفي الواقع تشكل قصص المجالدين فصلا دمويا لا ينسى من التاريخ الروماني. بعد أن تحولت المجالدة إلى تقليد روماني ومؤسَّسة عملاقة، دامت 700 سنة، تقوم بتخدير الشعب الروماني. لقد بُنِيَ الكولوسيوم (مكان المصارعة والاقتتال) بارتفاع 160 قدماً على مساحة ستة أفدنة، ليتسع لثمانين ألف متفرج يمكن أن يفرغ كلية في عشر دقائق بأنفاق وممرات جانبية. وبعد ثورة سبارتاكوس عام 73 لم يعد المجالدون من لغة واحدة تحت سقف واحد، فعُزِل بعضهم عن بعض. حيث أن ثورة سبارتاكوس كانت بسبب التقارب الثقافي بين عناصرهم. ويُروى عن قيصر أنه ملأ قاع الكولوسيوم بالماء، وأجرى فيه السفن وأحرقها، وجعل العبيد والمساجين – بالآلاف – ينحر بعضهم بعضاً أمام استحسان الجمهور وهتافه. وأما تيتيوس Titus فقد دفع إلى الساحة Aréna في يوم واحد بخمسة آلاف مجالد ليقتل بعضهم بعضاً. وقام الإمبراطور (تراجان) بعدها ولمدة 122 يوماً متواصلاً، بتسلية شعب روما بدفع الحيوانات المفترسة والمجالدين في وجه بعضهم بعضاً، فقُتِلَ من الضواري عشرة آلاف ومن البشر 11 ألفاً، بمعدل تسعين ضحية بشرية يومياً. كانت التسلية تبدأ صباحاً بالوحوش، عندما يهجم دب كاليدوني على رجل مقيَّد محكوم بالإعدام، فينهش لحمه حتى العظم، مروراً ظهراً بإعدامات جماعية للمجرمين وللمسيحيين الذين كانوا يستقبلون الموت بالترانيم، وانتهاءً بعد الظهر بحفلات المصارعين بعضهم مع بعض ومع الضواري. كانت المجالدة تشتمل على ألوان من التسلية لا تنتهي تنوعاً في السلاح واللباس. وأما الجثث من البشر والحيوانات فكانت تضمها حفرة واحدة مخصصة لها. كان الجمهور الذي لا يشبع من منظر الدم يصيح «منسا»، ويرفع إصبعه للأعلى في حالات العفو عن المهزوم، أو يقول «جوغولار»، ويشير بإبهامه إلى الأسفل (منه وريد الجوجلار الكبير في العنق)، ويعني الذبح من الوريد للوريد. وفي عام 65 ميلادي أُدخِلَت متعة جديدة باقتحام النساء للملعب في ثياب فاضحة، وأحياناً مبرزات ثدياً واحداً، يقتتلن حتى الموت. وقد لمعت فيهن بعض الأسماء، مثل أمازونيا وأريخيليا، حتى ألغى الإمبراطور (سبتيموس سفيروس) مجالدة النساء عام 200 م. وفي أنقاض مدينة بومبي التي دفنها بركان فيزوف عام 79 م تم العثور على أفضل مخلفات حفلات الدم من ألبسة المصارعين وطقوسها المريعة. كانت روما قاهراً لا يرحم، وتحكم مساحة واسعة بوحشية لا متناهية. وكان عمر البشر قصيرا قاسيا دمويا. في هذه الظروف من العنف الهائل وسفك الدماء وعدم الإيمان بالآخرة جاء المسيح يقابل السيف الروماني بكلمة السلام، فلم يحاول تغيير الإمبراطورية بالانقلاب العسكري، بل بالصبر على الأذى ونشر الفكرة، حتى تحولت روما إلى المسيحية بعد ثلاثة قرون، واعتنق قسطنطين المسيحية عام 325 م.