هذه سبع رسائل أوجهها إلى الشعب الأمريكي : أردت أن أخاطب بهذه الرسائل شعب الولاياتالمتحدةالأمريكية ، تذكرة ، ومدارسة ، لا دعوة إلى مذهب ، ولا إلى دين ، ولا إلى منحى سياسي أو اقتصادي ، وإنما شَغَلَ ذهني شاغل لا زال يلازمني منذ أمد بعيد ؛ إذ يمر بالشعب الأمريكي - ونحن نراهم شعب الحرية والحضارة - قضايا كبار ، تكون في بعض الأحيان مخالفة لمبادئهم ، ولدينهم ، وهم مع ذلك مقنعو رؤوسهم ، ثقةً منهم بسياسييهم ، وقادتهم ، فأحببت أن أرسلها إليهم ، لعلي أجد جوابا من ذوي الألباب لديهم ، يقضي على عجبي ، ويبدد شكوكي ، علما أني جعلتها سبع رسائل بينت في أولاها المشاعر الحقيقية التي يكنها العرب والمسلمون لليهود والنصارى ، بعيدا عن الزيف السياسي والإعلامي . وأوضحت في الثانية رأي الدين الإسلامي في اليهود والنصارى ، وما أوجبه على أتباعه تجاه أهل هذين الدينين ، ودعمت في الثالثة هذا المعنى بنصوص صريحة ، وما سعى إليه الغربيون من محو تلك المعاني من رؤوس شعوبهم ، وطمس التاريخ المشرق للتعامل بين المسلمين واليهود والنصارى ، وقلب الحقائق ، وشرحت في الرابعة كيف استغل السياسيون الأمريكان التدين مطية لتحقيق أطماعهم السياسية ، وكيف استغلوا طيبة شعوبهم للترويج لنفوذهم عبر بوابة زائفة للتدين . وذكرت في الخامسة طائفة من الحقائق التي فيها استغفال صريح من قبل ساسة أمريكا لشعبهم الذي وضع فيهم الثقة ، فاستغلوها لآراب شخصية ، وفصلت في السادسة اللعبة الكبيرة التي غسلوا بها أدمغة الشعب الأمريكي في شأن الشرق الأوسط ، والتي من خلالها قلبوا عداوتهم مع اليهود إلى صداقة وتآلف في الظاهر فقط ، وأشرت في السابعة إلى بعض خيوط تلك اللعبة التي لا يقرها إلا ظالم ، أو جاهل ، أو مغرر به . الرسالة الأولى إلى الشعب الأمريكي : أيها الشعب الأمريكي .. سلام على من اتبع الهدى .. إن العالم كله يرون أنكم شعب الحرية ، شعب التحرر من العبودية السياسية - على الأقل في اعتقادكم - فإن المرء قد يثق بصدق من حوله ، فيتلقى عنهم كل المبادئ ، ومن ضمنها دعوى الحرية ، لقد أظهر إعلامكم - المكتوب والمسموع والمرئي - وأفلامكم ومؤلفاتكم أنكم شعب مسالم ، محب للسلام ، متعاطف مع الآخرين ، لا يقر الظلم على قريب ولا بعيد ، ونحن لا ننكر أن هذا أصل فيكم ، وفي كل الشعوب ؛ لكنكم تفترقون عن غيركم أن الفرد منكم منذ ولادته يربى على أن الأمريكي متميز بعرقه ، لا بنتاجه فحسب ، وعلى أن هناك أعداء للأمريكان تُعَلَّقُ عليهم كل الكوارث والمصائب والأحداث البشرية ، ومن ضمن أولئك الأعداء - فيما قرره سياسيوكم المتنفذون ، وبعض المتطرفين دِينيًا لديكم - العرب والمسلمون ، فأما شريحة من الناس في بلادكم فتأخذ تلك الدعاوى على أنها حقائق مسلمة ، وما من سياسي يريد طرح سياسته على شعبه إلا ويهيئ لها في فكرهم ما يضطرهم إلى قبول سياسته ، وقد يكون ما يذكره حقا ، والغالب أنه زيف استهلاكي ، ينطلي على تلك الشريحة المذكورة ، فلست أوجه خطابي إلى هذا النوع من الناس ، وإنما أوجهه إلى متحرر ، لا يؤجر عقله إلى السياسيين ، ولا إلى المتطرفين ، ودعوني أستعرض معكم شيئا من التاريخ والحقائق المسطرة بأيديكم وأيدينا . إننا - معشر العرب والمسلمين - نسجل لكم هجرتكم إلى البلاد الجديدة أمريكا بعد الاضطهاد الديني عبر قرون طويلة ؛ طلبا للحرية الدينية ، والحرية الدنيوية - بغض النظر عن المهاجرين الأوائل من البيوريتان المتطرفين - ونسجل في الوقت نفسه على الرومان واليهود تلك الدموية التي فجروا أنهارها في الجماعات المسيحية زمنا طويلا ، وعلى رجال الدين الذين اختلقت الكنيسة الكاثوليكية وساطتهم بين الله والمؤمنين ، أو بين الإنجيل والناس . إننا نتذكر - بِحَسْرَةٍ - أول اضطهاد حل بالمسيحيين من قِبَل الرومانيين الوثنيين في القرن الأول ، على يد الإمبراطور الروماني «نيرون» سنة 64م ، حين ألصق بالمسيحيين جريمته الشعواء - إحراق روما سنة 64م - وجَعَلَهم كبش فداء ، فلاحقهم ، واضطهدهم ، وسفك دماءهم ، وكان ممن قتل منهم « بولس » و « بطرس » ، وأودع طائفة منهم سراديب تحت الأرض ، وهدم كنائسهم ، حتى صارت فيما بعد آثارا يزورها السائحون ، ولم يزل فيهم الاضطهاد إلى أن مات نيرون منتحرا سنة 68 م ، وكان ذلك متزامنا مع اضطهاد اليهود للمسيحيين في القدس ، ومع النكال الروماني في باقي مستعمرات إمبراطوريتهم ، إذ عاث الرومان الوثنيون سنة 68م فسادا في مسيحيي مصر ، كان من أبرز ضحاياه «مرقس» ، أحد من تعدونهم رسلا ، وأحد مصادر الإنجيل لديكم . كما لم ننس اضطهادا آخر كان على يد «دوميتيان» الإمبراطور الروماني الحادي عشر ، سنةً واحدة وهي سنة 95م ، واضطهادا ثالثا كان على يد «تراجان» الإمبراطور الرماني الثالث عشر المتوفى سنة 117م ، وكان أول إمبراطور يعلن أن المسيحية ديانة محرمة ، فحكم على كثير من المسيحيين بالموت ، واضطهادا رابعا على يد «دقلديانوس» الإمبراطور الروماني الرابع والثلاثين ، الذي أظهر في بادئ الأمر تسامحا مع المسيحيين ، ثم انقلب ذلك التسامح إلى عداوة مقيتة ، فأصدر سنة 302م مرسوما في اضطهاد المسيحيين ، فحرق أناجيلهم ، وهدم كنائسهم ، وصادر أملاكها ، وقتل رجال الدين المسيحي ، بعد تمزيق أجسادهم بالسياط ، والمخالب الحديدية ، وإحراقهم بالنار ، حتى سمي ذلك العصر «عصر الشهداء» . لقد بقي هذا الاضطهاد الروماني للمسيحيين حتى جاء الإمبراطور «قسطنطين» ، فأنهى ذلك الاضطهاد بمرسوم ميلانو سنة 313م حين ادعى تحوله إلى المسيحية ، ونصرهم ، وجعل المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية ، وصادر المعابد الوثنية ، وحوّل كثيرا منها إلى كنائس ، ودعا إلى عقد أول مجمع مسكوني في العالم في نيقية عام 325 م ، ورَجَّحَ فيه طوائف التثليث على طائفة التوحيد ، لا حُبًّا في المسيحية ، ولكنْ تشتيتا لها ، وإبعادا لها عن روح الوحي الذي جاء به عيسى - عليه السلام - فإن اعتقاده المسيحية لا يزال مصدر شك لدى كثير من الدارسين والمؤرخين ، بل يجزم بعض منهم أنه أعلن اعتناقه المسيحية لينخر بها من الداخل ، ولتتم له مآربه السياسية ، ويرون أن مطاردته لآريوس وأتباعه دليل صريح على هذا الاتجاه ، وأن عجز المسيحيين بجميع مستوياتهم عن تفسير التثليث تفسيرا يقبله العقل دليل أصرح ، وأن عدم ثبوت تعميده إلى ساعة موته - مع أن العماد شرط لدخول النصرانية في الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية - يقطع بعدم تنصره ، ولهذا قال عنه ول ديورانت : «إنه كان وثنيا مع الوثنيين ، وآريوسيا مع الآريوسيين ، وإسناثيوسيا مع الإسناثيوسيين ؛ لتحقيق أغراضه السياسية» . وليس غرضي الإقناع بهذا أو ذاك ؛ إذ لا أرى الفرد الأمريكي - وهو المتميز بتحرره الفكري - قابلا ما أقوله أنا أو غيري دون تحرٍّ ونظر ، ولا متقبلا الروايات التاريخية دون تمحيص ، وإنما غرضي أن أبين أن عقيدة المسلمين كافة تستنكر ذلك التعدي السافر والهمجي على المسيحيين في تلك الأزمان ، وهم أهل كتاب سماوي ، ومن عقائدنا المتفق عليها أن أهل الكتاب - من اليهود والنصارى - لهم اعتبار خاص ، نفرح بانتصارهم على الوثنيين ، على ما أفصله في الرسالتين الثانية والثالثة . [email protected]