كشف المخرج والمؤرخ المسرحي علي السعيد، عن معلومات جديدة في تاريخ المسرح بالوطن العربي، خلال محاضرة بعنوان «الظواهر المسرحية والدرامية في التراث الشعبي بالمملكة – نماذج مختارة»، ألقاها أمس الأول، على مسرح معهد إعداد المدربين في الرياض، في ختام الدورة المسرحية التي نظمها فرع جمعية الثقافة والفنون في الرياض. ولفت السعيد إلى ظهور معلومات جديدة تفيد بأن الجزيرة العربية عرفت المسرح في الفترة ما بين 530 إلى 560م، مشيراً إلى مدونة القوانين الحميرية التي وضعت في نجران خلال تلك الفترة وتضمنت ما يفيد ذلك، إذ أن نص البند ال34 من هذه القوانين يقول: «يحرم التنكر بلباس الشيطان وتمثيل دوره وكذلك القيام بالألعاب الشيطانية في الأسواق، ولبس الأقنعة الجلدية وتمثيل الشيطان على المسارح، ومن يقوم بهذه الأعمال يُجلد مائتي جلدة، ويحرق شعره ولحيته، ويجبر على العمل في الورشة الملكية سواء كانوا أحراراً أم عبيداً». وقال: هذا النص القانوني يفيد بتحريم التمثيل في أماكن العبادة، ويبين وجود مسارح يمارس فيها التمثيل، ونحن بانتظار أن تعطينا التنقيبات الأثرية، إن تمت بشكل موسع في نجران، الشواهد المادية على ذلك. وأشار السعيد أيضاً إلى أن الدراسات المسرحية العربية، وكذلك الإثارية، لم تعتنِ كثيراً بدراسة وجود المسارح الرومانية في شمال الجزيرة العربية، وبالتحديد في عمّان ودرعا وبصرى وتدمر، ولم تعالج أثرها وتأثيرها في ثقافة العرب في ذلك الوقت، مشدداً على أننا بانتظار عما تسفر عنه الأبحاث والتنقيبات الأثرية في نجران كي تعطينا شواهد مادية على ما جاء في مدونة القوانين الحميرية. وعرض السعيد في محاضرته عدداً من الرسوم الصخرية القديمة التي وُجدت في شمال المملكة وجنوبها، وقدم قراءة وصفية لها من منظور مسرحي أدائي، ربط فيها بين تلك المشاهد التي نحتها الفنان العربي في تلك العصور، وبين بعض ألوان الفنون الشعبية والأداء المسرحي مثل «العرضة» و»الردية» و»الدحة»، بالإضافة إلى بعض المشاهد التي تدون طقوساً احتفالية اجتماعية. كما قدم السعيد عرضاً تاريخياً موجزاً عن الدارسات التي تناولت هذا الموضوع في العالم العربي، وكذلك في المملكة، ثم انتقل إلى تقديم نماذج تراثية يرتبط فيها الأداء الاحتفالي والجسماني بالأداء المسرحي، سواء من خلال الإيماء أو الرقص أو اللعب، مثل «العرضة»، «الردية» (القلطة)، والألعاب الشعبية، و»القيس»، وهي الظاهرة الأدائية النسائية الفريدة التي كانت تمارس لحماية مكةالمكرمة والبيت الحرام في يوم عرفة حينما يكون جميع الرجال قد ذهبوا إلى صعيد عرفات لخدمة حجاج بيت الله الحرام. كذلك تطرق إلى أن المجتمع السعودي قد عرف ظاهرة الراوي الحكواتي منذ القدم في مختلف مناطق الجزيرة العربية، حضريها وبدويها، واستشهد بقصيدة للشاعر الدجيما أورد فيها ذكر المهرج استدلالاً منه على أن المجتمع عرف هذا الفن الفردي، في القرن ال19 على أقل تقدير. واختتم السعيد محاضرته باستعراض ظاهرة «العجبة» التي كانت تعرف في منطقة عسير، مشدداً على أن هذه الظاهرة المسرحية الأدائية هي الوحيدة التي كان التمثيل فيها يمارس بقصدية التمثيل. وأوضح أن الموروث الشعبي في المملكة يتمتع في الثراء والتنوع الكبيرين، وأنه غني بالمادة واللون واللباس التي تجعل منه منهلاً لا ينضب للمسرحيين.